صحافة دولية

إيكونوميست: تجربة تونس ضوء يشع على الأمة العربية

التونسيون سجلوا يوماً تاريخياً بانتخاباتهم
التونسيون سجلوا يوماً تاريخياً بانتخاباتهم
قالت مجلة "ذا ايكونوميست" في مقال لها إن الانتخابات التاريخية التي شهدتها تونس تثبت بأن لدى العرب القدرة على التغيير الى الأفضل، وأن روح الربيع العربي لا زالت حية في البلد الذي انطلقت منه ثورات العرب، كما أشارت الى أن الانتخابات في تونس نتجت عن "عملية نادرة  من بناء الاجماع بين الأحزاب الاسلامية والعلمانية".

وقالت المجلة في التقرير المنشور على موقعها الالكتروني إن "النشاط الذي يمارسه المواطنون في تونس مكنهم من الصمود في وجه أنظمة الاستبداد المتعاقبة". 

وفيما يلي الترجمة الكاملة للمقال المنشور في مجلة الايكونوميست: 

النجاح النسبي في تونس
ذي إيكونوميست

ضوء يشع على الأمة العربية


تونس تعمل، ولكنها غضة، وعلى بقية العالم مد يد العون لها

ما لبث أن تبدد الأمل في أن تجلب الاحتجاجات الشعبية ضد المستبدين العرب عام 2011 العدالة والديمقراطية، وهيمن على المنطقة بدلاً من ذلك الإحباط والفوضى ونزف دموي فوق التصور.

إلا أن روح الربيع العربي مازالت على قيد الحياة في البلد الذي انطلق منه ذلك الربيع: تونس. فقد تبنت البلاد دستوراً جديداً يضمن الحرية الدينية والمساواة بين الذكور والإناث، وذلك ناجم عن عملية نادرة من بناء الإجماع بين الأحزاب الإسلامية والعلمانية. وفي الشهر القادم سيقترع التونسيون لاختيار رئيس جديد.

تقدم تونس إثباتاً لحقيقة ثمينة، وهي أنه يمكن للعالم العربي أن يتغير نحو الأفضل وأن الإسلام يمكن أن يتصالح مع الديمقراطية. ولذلك ينبغي على بقية العالم أن يشجع تونس ويساعدها على إتمام عملية التحول.

نجاح البلاد النسبي ناجم جزئياً عن حسن الطالع. فمجتمع تونس المتجانس جنب نفسه الانفصام الشيعي السني الذي يمزق سوريا والعراق. وعلى النقيض من مصر لم يشهد تاريخ تونس حكماً عسكرياً مؤذياً. وعلى النقيض من الجزائر، لم تتعرض البلاد لتجربة الحرب الأهلية المضنية. كما أن تونس لم تمسها لعنة النفط. وتمكن النشاط الذي يمارسه المواطنون من خلال الاتحادات العمالية والمنظمات التجارية و النقابات المهنية من الصمود في وجه أنظمة الاستبداد المتعاقبة. كما حافظت تونس على طبقتها المتوسطة ونمتها من خلال التعليم وطورت علاقات اقتصادية وثيقة مع أوروبا، وبالذات مع فرنسا وإيطاليا. وبينما لجأ أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المصرية هرباً من القمع والتنكيل إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج بشكل رئيسي، توجه قادة النهضة، الحركة الإسلامية الرئيسية، بشكل رئيسي إلى أوروبا.

الاستثناء القرطاجي
إلا أن تونس أبدعت ما يخصها هي من حظ، فزعماء حركة النهضة مجموعة معتدلة وبراغماتية تعلمت الكثير من أخطاء الإسلاميين في الأماكن الأخرى. ففي مصر، أقصى محمد مرسي الكثيرين من مواطنيه بسبب تركيزه السلطة في أيدي الإخوان المسلمين ثم ما لبث أن أسقطه العسكر. أما في تونس، فحينما بدا كما لو أن العملية السياسية ما بعد الثورة كانت على وشك السقوط في العام الماضي بعد جريمة اغتيال اثنين من السياسيين المعارضين، وافقت النهضة على حل حكومة الترويكا التي قادتها وأتاحت المجال أمام حكومة من التكنوقراط.

ورغم أن إنجازات تونس السياسية مثيرة للإعجاب، إلا أنها ما تزال غضة ومعرضة للانتكاس، وخاصة في ظل ما يحيط بها من حالة عدم استقرار، وخاصة في ليبيا، كما أن ثمة ما يشير إلى فقدان الثقة بالأحزاب الديمقراطية. والأهم من كل شيء، أن الثورة التي ولدت من رحم الأوضاع الاقتصادية المتردية مازال أمامها تحدي تحسين الأوضاع المعيشية للناس. فمنذ الثورة والناتج المحلي الإجمالي لكل فرد يراوح مكانه، ومايزال السواح والمستثمرون الأجانب مدبرين غير مقبلين. إلا أن المشكلة ناجمة أيضاً عن نظام اقتصادي يحمي المؤسسات ذات الصلة بأصحاب النفوذ السياسي ويولد من الوظائف ما هو متدن من حيث المهارة والحرفية. وفي أجزاء من الجنوب المحروم تشكل البطالة وشبكات التهريب والجماعات الجهادية مزيجاً ساماً. فمن المذهل حقاً أن ما يقرب من ثلاثة آلاف تونسي توجهوا للقتال في سوريا، مشكلين بذلك أكبر تجمع من المقاتلين الأجانب هناك.

على كاهل التونسيين أنفسهم تقع مهمة صياغة مستقبل بلادهم. واليوم، هناك ما يقرب من مائة حزب يتنافسون فيما بينهم في الانتخابات التشريعية إلا أن الحزبين اللذين يتصدران المشهد هما حركة النهضة وائتلاف نداء تونس. كلاهما يتمتع بصدقية، ولكن أياً كان الفائز منهما فلا يملك سوى أن يحكم من خلال الوفاق وستناط به مهمة تحرير الاقتصاد لبث الحياة فيه من جديد.

ويمكن للخارج أن يمد يد العون. إذ يتوجب على دول الخليج أن تساعد تونس على تحقيق الاستقرار بدلاً من معاملتها كما لو كانت ميداناً لتنافسها مع الإخوان المسلمين أو ضدهم كما يفعلون في ليبيا وفي مصر. أما الغرب، فعليه المساعدة في دعم ورعاية مجموعات المجتمع المدني وتقديم مساعدة اقتصادية أكثر سخاءً لتمكين البلاد من تحقيق إصلاحات اقتصادية معقولة. وعلى مصر أن تفتح أسواقها أمام المصادرات التونسية، فإذا كانت لا ترغب في استقبال المهاجرين (أو ربما الجهاديين) من تونس فإن عليها على الأقل السماح بدخول الطماطم والزيتون. على العالم، وتحديداً بسبب الأزمات التي تعصف بالمنطقة، ألا يهمل تونس، فهي ضياء نادر في منطقة حالكة السواد.
التعليقات (0)