مقابلات

سليمان: مصر بلا قانون و"القضاة الشرفاء" صامتون

وزيير العدل المصري الأسبق أحمد سليمان - ارشيفية
وزيير العدل المصري الأسبق أحمد سليمان - ارشيفية
القضاء المصري يمر بمرحلة هي الأسوأ طوال تاريخه

ثقة الشعب في العدالة مهتزة.. وأتوقع اشتعال الشارع بالغضب

ثناء قاضي "مبارك" على النيابة العامة بدعة قانونية مرفوضة

الرعب والقمع ومصادرة الحريات أسباب صمت "القضاء الشرفاء"

أذكّر القضاة بأن صمتهم الآن جريمة كبرى لن يغفرها لهم التاريخ

يحق لأهالي الشهداء اللجوء إلى كافة الوسائل لاسترداد حقوقهم

الإعلام المصري بشّر ببراءة مبارك قبل جلسة المحاكمة بيوم



أثار الحكم ببراءة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك ورموز نظامه؛ غضب القوى الشعبية والحزبية المؤيدة لثورة يناير، وارتفعت هتافات الاحتجاج على القضاء المصري الذي وصفه المحتجون بـ"المسيّس"، وهو ما جدد الحديث عن طبيعة أداء المؤسسة القضائية.

في هذا الصدد؛ قال وزير العدل الأسبق المستشار أحمد سليمان، إن القضاء المصري يمر بمرحلة هي الأسوأ على الإطلاق طوال تاريخه، مشيراً إلى أن العدالة في مصر باتت على المحك، وأن ثقة الشعب المصري بعدالة القضاء اهتزت بشدة.

وطالب سليمان في حوار خاص بـ"عربي21" من وصفهم بـ"القضاة الشرفاء" إلى التحرك فوراً لإنقاذ القضاء المصري ممن يسعى إلى تدمير سمعته، مؤكداً أن الصمت حيال انتهاك القانون المصري يُعد "جريمة كبرى لن يغفرها التاريخ".

وتالياً نص الحوار..


* ما رأيك بالحكم الذي صدر مؤخراً بتبرئة مبارك ونجليه ووزير داخليته حبيب العادلي ومساعديه؟

- بعيداً عن ملف الدعوى؛ أقول إن حسني مبارك وعصابته أجرموا في حق مصر، وقتلوا الشباب الثائر، وأذلوا الشعب ونهبوا ثروته، وخانوا الأمانة، وباعوا الغاز لـ"إسرائيل"، وهم أعدى أعداء هذا الوطن.

أضف إلى ذلك أنهم أهملوا التعليم والزراعة والصناعة، وأصبحت الأرض في عهدهم مسرطنة لعشرات السنين، وأصيب الشعب بأمراض مزمنة حتى احتلت مصر المرتبة الأولى بين دول العالم الأكثر إصابة بأمراض الكبد وفيروس سي والسرطان.

وللأسف الشديد؛ فإن أحكام القانون في مصر باتت مهدرة، وكثير من القضاة لا يقفون عند القانون، وأصبحت الثقة في العدالة مهتزة إلى حد كبير جداً، وقبيل المحكمة بيوم بدأ الإعلام المصري يبشر بحكم البراءة، فالصحفي مصطفى بكري مثلاً استبق قرار المحكمة بالقول إنه لا يجوز الاعتراض على أحكام القضاء، ثم قال إننا يجب علينا أن نوجه تحية للقضاء المصري العظيم إذا حكم ببراءة مبارك، ولم يقل لنا ما الذي يتوجب علينا لو حكم بإدانته؟!

* هل ترى ما يسوّغ ثناء القاضي على النيابة العامة خلال جلسة المحاكمة؟

- هذا أمر غير مسبوق، ولا يجوز بأي حال من الأحوال، فشهادات الثناء والتقدير بدعة قانونية غير مقبولة ومرفوضة تماماً، ولم تحدث في تاريخ القضاء المصري من قبل.

* وماذا عن قول القاضي إنه ما كان ينبغي تقديم "مبارك" للمحاكمة الجنائية من الأساس؟

- هذا خطأ قانوني فادح؛ لأنه إذا ظهرت أدلة جديدة فيجوز تقديم المتهم للمحاكمة، طالما أن الدعوى الجنائية ما زالت قائمة.

* ماذا هي التداعيات المترتبة على هذا القرار؟

- أتوقع اشتعال الشارع المصري بالغضب خلال الأيام المقبلة.

* بعض الحقوقيين رأوا أن باب القضاء المصري أصبح مغلقاً أمام أهالي شهداء الثورة، ولم يعد أمامهم سوى التقاضي الدولي. ما موقفك من فكرة مقاضاة مبارك ورموز نظامه "دولياً"؟

- هذا الأمر ليس سهلاً، ولكن من حق أهالي الشهداء أن يلجؤوا إلى كافة الوسائل التي يرونها مناسبة لاسترداد حقوقهم، وخاصة أن مصر الآن ليس فيها قانون.

* ما هو انعكاس هذا الحكم على صورة القضاء المصري؟

- القضاء المصري يمر بمرحلة هي الأسوأ على الإطلاق طوال تاريخه، والعدالة أصبحت على المحك من قبل تبرئة مبارك وأزلامه، فمثلاً محكمة جنايات المنيا قضت بإعدام أحد الأطفال الذين لا يجوز إعدامهم قانوناً، وأهدرت حقوق مئات المتهمين، وصادرت حقهم في الدفاع مصادرة هي الأولى من نوعها في تاريخ القضاء المصري، وهذه جريمة لا تسقط بالتقادم طبقاً للمادة 99 من الدستور، ورغم كل ذلك لم يُقدَّم أي مسؤول للمحاكمة على هذه الجرائم.

* ناشدتَ القضاة بالتحرك وعدم الصمت على ما يحدث داخل المؤسسة القضائية. هل وجدت استجابة لهذه المناشدة؟

- للأسف الشديد؛ لو كانت هناك استجابة لشعرنا بها، وأنا أطالب بالتحرك لا دفاعاً عن شخص بعينه، وإنما دفاعاً عن القانون والقضاء كمؤسسة وكيان عريق يتعرض لانتهاكات جسيمة، فمثلاً قضاة ما يُعرف بـ"بيان رابعة" باتوا معرضين للعزل والإحالة على التقاعد، رغم أن فيهم من لم يبلغ سن الأربعين عاماً، وكل تهمتهم أنهم طالبوا باحترام إرادة الأمة ونتائج الانتخابات التي أشرفوا عليها، ودعوا إلى إجراء مصالحة وطنية، ونبذ العنف، وحقن الدماء.

وفي الوقت ذاته يجلس الذين اغتالوا إرادة الأمة واتهموا بتزوير الانتخابات؛ على منصة القضاء، ويحكمون في أخطر القضايا، واستطاع المستشار أحمد الزند أن يستصدر من المستشار نبيل صليب قراراً مخالفاً بشكل صريح للمادة 69 من قانون الإجراءات الجنائية بندب قاضٍ آخر للتحقيق في قضية بعينها، وذلك ?ن القاضي الأول المنتدب لم يرق لسيادته.

ومع ذلك؛ فإنني أقول إن هناك قضاة شرفاء، يمتنعون عن الاشتراك في قضايا ما يسمى بـ"مكافحة الإرهاب"، ولك أن تتخيل أن وكيل نيابة حديث التخرج قدّم استقالته اعتراضاً على جور القضاء.

* ما هي أسباب صمت من تصفهم بـ"القضاة الشرفاء" تجاه ما يجري في المؤسسة القضائية؟

- هناك حالة من الرعب والقمع ومصادرة الحريات يعيش في ظلها الشعب المصري بأكمله، والقضاة هم جزء من هذا الشعب، ومع ذلك فأنا أقول إنه لا ينبغي للقاضي أن يخشى أحداً كائناً من كان، فمنذ أن التحقنا بالقضاء؛ تربينا على أن القاضي استقالته في جيبه، وليس من حق أحد أن يتدخل في عمله، لكن ربما يخشى البعض من القمع وتصدير الاتهامات الجاهزة بـ"الأخونة".

* هل تعتقد أن ثمة إزدواجية في التعامل داخل المؤسسة القضائية؟

- بكل تأكيد؛ فقد أحيل 33 قاضياً - على رأسهم نائب رئيس محكمة النقض المستشار محمد ناجي دربالة - للصلاحية، بناء على محضر تحريات مزور وملفق، بينما نجد قضاة آخرين - كأحمد الزند وأتباعه - قدمت ضدهم كثير من البلاغات، لكنها لم تتحرك قيد أنملة، ولم يُتخذ ضدهم إجراء واحد، مع أنهم فتحوا نادي القضاة لحركة تمرد، وحولوا الجمعيات العمومية للقضاة ومؤتمراتهم إلى مؤتمرات سياسية بامتياز، والزند طالب "أوباما" يوماً بالتدخل في الشؤون المصرية، وأعلن صراحة أنه لا أحد يستطيع رفع الحصانة عن أي قاضٍ.

ولك أن تتخيل أن قضاة "بيان رابعة" مُنعوا من السفر، وأُنهيت إعاراتهم في الإمارات، وأحمد الزند يقرر شطب هؤلاء القضاة من عضوية نادي القضاة، وهو أمر لا يجوز قانوناً، ولكن أين القانون في مصر؟!

ويمنع أحمد الزند أيضاً مراقبي الجهاز المركزي للمحاسبات من مراقبة أعمال النادي، رغم أن النادي خاضع لقانون الجهاز المركزي بمقتضى المادة 3 فقرة 7 من القانون 144 لسنة 88، ويتفرغ للهجوم على رئيس الجهاز المستشار هشام جنينة؛ لأنه يكشف الفساد، ويطالب بالتزام الجميع وخضوعهم للقانون.

* هل فقدت الأمل في انتفاضة "القضاة الشرفاء" داخل المؤسسة القضائية بمصر؟

- دعنا لا نيأس، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها"، فلنقل كلمة الحق، ولنصدع بها، والنتائج بيد رب العالمين.

وهناك قضاة شرفاء لازلت أناديهم وأناشدهم الله في دينهم؛ أن يتحركوا ويساندوا زملاءهم في مواجهة ما يُحاك ضدهم، وأن يتصدوا لمن يعمل على تدمير سمعة القضاء المصري، وخصوصاً أنه لم أحد بمنأى عن الإجراءات القمعية، وأذكرهم أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وصمتهم الآن جريمة كبرى لن يغفرها لهم التاريخ.
التعليقات (0)