صحافة دولية

لماذا تنسج إيران خيوطها في أمريكا اللاتينية؟

الرئيس الإيراني حسن روحاني ونظيره الفنزويلي نيكولاس مادورو - أرشيفية
الرئيس الإيراني حسن روحاني ونظيره الفنزويلي نيكولاس مادورو - أرشيفية
نشرت مجلة "سلايت" الفرنسيّة تقريرًا حول علاقات إيران في أمريكا اللاتينيّة، بعد أن عادت قضيّة المدعي العام الأرجنتيني ألبرتو نيسمان لتسلط الأضواء على أنشطة طهران في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض.

وقال التقرير إنّ آلاف الأرجنتينيين خرجوا للتظاهر في شوارع بيونس آيرس للمطالبة بتحقيق مستقل في الحادثة الغامضة التي قتل فيها ألبرتو نيسمان، مذكّرًا بأن القتيل الذي عُثر عليه في 19 من كانون الثاني/ يناير الماضي في منزله مصاب برصاصة في رأسه وبجانبه مسدّس، كان يمسك منذ 1994 بملف التحقيق في قضية الهجوم الذي استهدف جمعية يهوديّة في 18 تموز/ يوليو 1994 في العاصمة الأرجنتينيّة.

وأوقع ذلك الهجوم الذي يعدّ الأعنف في تاريخ الأرجنتين 85 قتيلاً و300 جريح، ولم يتم إلى اليوم كشف اللثام عن ملابساته.

وأضاف أنّ نيسمان كان قبل اغتياله بأيام قد ظهر في عدة وسائل إعلامية، ولوّح بامتلاكه أدلة قاطعة حول تورط الرئيسة كريستين كيرشنر ووزير خارجيتها بعرقلة التحقيق، والتستر على علاقة إيران وحزب الله بالحادثة، وهو ما أثار الشكوك حول الرواية التي تقول إنه انتحر، فيما أكدت الرئيسة التي وُجّهت إليها أصابع الاتهام أنها ضحية مؤامرة خارجية، وسارعت بحل جهاز الشرطة السريّة.

وقال التقرير إنّ هذه الأزمة جعلت قضية علاقة إيران بأمريكا اللاتينية تطفو على السطح من جديد؛فالمدعي العام نيسمان اتهم الرئيسة بالتستر على إيران من أجل ضمان تبادل النفط والحبوب بين البلدين، وهو أمر منطقي بالنظر إلى الصعوبات التي يعاني منها اقتصاد الأرجنتين، وبالنظر أيضًا إلى سعي إيران لتجاوز عقوبات الدول الغربية من خلال عقد تحالفات في الظل.

وأوضح أن الطموحات الإيرانية في النصف الجنوبي من القارة الأمريكية تتجاوز المبادلات التجارية، لتشمل مجالات أخرى عديدة، رغم عائق البعد الجغرافي. فقد سعت الجمهورية الإسلامية للتقارب مع الدول اللاتينية، وظهرت هذه الاستراتيجية منذ عام 2000، وتطورت في فترة الرئيس السابق أحمدي نجاد الذي قام بسبع جولات رسمية في المنطقة بين 2005 و2012، مستفيدًا من علاقته الحميمة بعدة شخصيات، على رأسها هوغو شافيز، والتقائهما حول معاداة الإمبريالية الأمريكيّة.

وزار الرئيس الفنزويلي الذي توفي سنة 2013 إيران أكثر من 10 مرّات في ظرف 13 سنة، وكان يُستقبل في كل مرة بحفاوة كبيرة، وهو ما أثمر عدة عقود شراكة في مجالات البترول، والمناجم، والنقل، والتجهيزات الفلاحيّة.

وبالتوازي مع ذلك؛ فقد طورت إيران علاقاتها الدبلوماسية مع كل الدول القريبة من الفكر اليساري البوليفاري، مثل البرازيل والمكسيك.

وفسّر التقرير الاهتمام الإيراني بالمنطقة اللاتينيّة؛ بثلاثة أسباب، وهي الحاجة للطاقة، والحاجة لفك العزلة المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الخليج، بالإضافة إلى الأفكار الثورية المشتركة.

وبيّن أن النفط يُعد الأساس الأقوى لهذه العلاقات؛ إذ إن طهران وكراكاس تعدّان أهم حليفين داخل منظمة الدول المصدّرة للنفط "الأوبك"، حيث إنّ الشريكين المؤسسين للمنظمة حافظا على سياسة رفع سعر البرميل في مواجهة الخصم السعودي.

وكان النفط أيضًا محركًا للعلاقات بين إيران والبرازيل، حيث إن ذلك  ُترجم بمنح الشركة البرازيلية "بتروبراس" حقوق التنقيب قبالة سواحل إيران في الخليج، ثم رخصة أخرى سنة 2004 للتنقيب في بحر قزوين لتغطية الفراغ الناجم عن مغادرة شركات غربية ملتزمة بتنفيذ العقوبات. وكان النفط أيضا وقودًا لتطوير العلاقات مع المكسيك.

وأشار التقرير إلى أنّ إيران ركزت منذ ثورة 1979 على توطيد العلاقة مع نظام فيدال كاسترو في كوبا القريبة من سواحل الولايات المتحدة، بفضل الاتفاق على معاداة الهيمنة الأمريكية، بين النظام الديني الإيراني والنظام الماركسي الكوبي، بعد أن مدّت إيران يدها لكوبا في وقت كانت فيه الأخيرة مهتزة بسبب سقوط الاتحاد السوفييتي.

وأضاف أن إيران تريد من خلال هذه الدبلوماسية النشيطة في أمريكا اللاتينية، أن تظهر لواشنطن أنها قادرة على التحرك والمناورة وعقد التحالفات في المنطقة التي تعدّ الحديقة الخلفية للبيت الأبيض، أولاً لأن إيران رأت في غزو أمريكا للخليج وتركيزها لقواعد عسكرية في الجوار استفزازاً لها، وثانياً لأن إيران تشعر بالعزلة الدولية المفروضة عليها بسبب طموحاتها النوويّة. ولذلك فإن إيران تستغل العداوة بين الولايات المتحدة وأي دولة في العالم؛ لتربط تحالفات جديدة، وهو شعور حاضر بقوة في فنزويلا وكوبا والإكوادور وبوليفيا ونيكاراغوا، بالإضافة إلى البرازيل التي تعد القوة الأولى إقليميا، والتي أصبحت الشريك الأول لإيران في المنطقة.

وفي هذا السياق؛ يقول التقرير إن الرئيس البرازيلي السابق لولا داسيلفا، لعب دوراً مهماً في الدفاع عن حق إيران في امتلاك التقنية النووية السلمية، انطلاقاً من إيمانه بضرورة إيجاد عالم متعدّد الأقطاب. كما أنها تضاعفت المبادلات الطاقية بين البلدين، ونجحت الشركات البرازيلية في الالتفاف على العقوبات وتصدير السكر واللحم البقري لإيران عبر دبي.

ولفت إلى أن الاهتمام الإيراني بأمريكا اللاتينية تعزز في سنة 2011 بإطلاق قناة Hispan TV، وهي قناة إيرانية ناطقة بالإسبانية موجهة خاصة للجالية اللبنانية المتواجدة بكثافة في البرازيل، حيث يبلغ عددها ستة ملايين.

وأمام هذا النشاط والطموحات الإيرانية، يقول التقرير إن واشنطن و"تل أبيب" عبّرتا في عدة مناسبات للحكومات اللاتينيّة عن حيرتهما وقلقهما من علاقاتها بإيران.

وأضاف أن هذه السياسة لم تتغير مع قدوم الرئيس الجديد حسن روحاني؛ لأن المرشد الأعلى علي خامنئي هو من يحدد هذه السياسة في حقيقة الأمر، رغم أن روحاني أظهر منذ وصوله إلى سدة الحكم إشارات إيجابية تجاه الغرب.

واستدرك التقرير بالحديث عن تغييرات لا تسرّ إيران في علاقة كوبا بالولايات المتحدة، وبوادر تغييرات أيضاً في فنزويلا منذ وفاة هوغو شافيز، مشيراً أيضاً إلى أن الرئيسة البرازيلية ديلما روساف عبّرت عن رغبتها في التقارب مع الولايات المتحدة على حساب إيران.

تقرير لمجلة سلايت الفرنسية، بقلم آن دنيس... الرابط:
https://www.slate.fr/story/98473/iran-amerique-latine
التعليقات (0)