كتاب عربي 21

حماس ومد الجسور مع "الآخر"

عزام التـميمي
1300x600
1300x600
ما من شك في أن مشروع "اسأل حماس" تمرين مبدع في العلاقات العامة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ربما يكون قد تأخر قليلاً أو كثيراً، لكن المهم أنه بدأ، ولعله يكون الخطوة الأولى في سلسلة متتابعة من الخطوات، سعياً لمخاطبة الآخر حول: من هي حماس؟ وماذا تريد؟ ولماذا وجدت أصلاً؟ إلا أن مخاطبة الآخر بما لديه من ثقافات مغايرة، وربما أحكام مسبقة وتصورات يظن حاملها أنها قطعية الثبوت والدلالة، ليس بالأمر الهين. 

فمن ناحية، هناك الجبهة الدعائية الصهيونية ذات النفوذ الواسع والعميق من غرب المعمورة إلى شرقها، ويحتاج من يتصدى لهذه الجبهة أن يحصن جبهته ضد الهجمات المضادة التي لا هوادة فيها. ومن ناحية أخرى هناك الحاجة إلى الوضوح والابتعاد عن مواطن الغموض، والتقدم بخطاب يتمسك بالحقوق الشرعية والثوابت الوطنية والإسلامية، ولكن في الوقت ذاته يبدي استعداداً للتفاهم حول مخرج لا يتناقض مع هذه الحقوق والثوابت.

وانطلاقاً مما أظن أني أعرفه عن الآخر الذي تسعى حماس لمخاطبته، فإنني أقترح على إخوتنا في الحركة بعض الأفكار، علها تسهم مع ما سيقدمه أو قدمه غيري من أفكار ومقترحات في تطوير خطاب يحسن مد الجسور مع "الآخر"، سعياً لحشد المزيد من الحلفاء وتقليص نسبة الخصوم.

1) حركة حماس حركة تحرير وطني تناضل في سبيل تحرير فلسطين من الغزاة الصهاينة، وهي في ذلك لا تختلف عن أي من الحركات النضالية التي عرفتها البشرية في حقبة الاستعمار.

2) حماس تنسجم انسجاماً كاملاً مع ثقافة وتوجهات الشعب الذي انبرت للدفاع عن حقوقه، ولذلك انتخبها معظم الشعب الفلسطيني عندما أتيح له ممارسة حقه في الاختيار بحرية ونزاهة، سواء في الانتخابات البلدية أو بعد ذلك في الانتخابات التشريعية في عام 2006.

3) لا يضيرنا أن يصنفنا أعداؤنا الصهاينة على أننا منظمة إرهابية، فهذا شيء طبيعي، وقد كان نيلسون مانديلا إرهابياً في نظر النظام العنصري الذي كان يضطهد شعبه، ولكننا نحزن حينما يصدر ذلك عن دول تؤمن بالديمقراطية وبالحرية وبسيادة القانون. وبعضها خاضت شعوبها نضالات مريرة لتتحرر من المستعمر الأجنبي، مثل أمريكا التي ناضلت للاستقلال عن الإمبراطورية البريطانية وفرنسا التي ناضلت لتنفض عنها أغلال الاحتلال النازي. 

وبسبب ذلك استبشرنا خيراً حينما قررت المحكمة الأوروبية بأن وضع حماس على قائمة الإرهاب لم يكن صحيحاً. فحماس لم تمارس العنف خارج فلسطين، وهي حينما تمارسه داخل فلسطين، إنما تمارسه دفاعاً عن النفس، وضد من يحتل أرض شعبها ويسومه العذاب صبح مساء.

4) نحن ندرك أن ميزان القوة في المنطقة وفي العالم لا يخدم نضال شعبنا، بل ويضع العراقيل الكثيرة في طريقه نحو التحرر من الاستعمار الصهيوني، ولكن اختلال ميزان القوة لصالح عدونا لا يعني أن نستسلم ونقبل بالتنازل عن حقوقنا. وقد تعلمنا من التاريخ أن القوي لا يظل قوياً إلى الأبد، والضعيف لا يبقى ضعيفاً إلى الأبد. ولذلك نرفض كل الاتفاقيات التي وقعها الصهاينة مع أي طرف فلسطيني في ظل هذا الاختلال في ميزان القوة إذا كانت هذه الاتفاقيات تشتمل على تنازل عن حق أساسي من حقوقنا.

5) ومع ذلك فقد عرضت حماس منذ وقت مبكر صيغة لوقف الصراع إلى حين من خلال هدنة طويلة المدى، وكانت شروطها الأساسية هي الانسحاب الإسرائيلي الكامل من كل الأراضي التي احتلت عام 1967، وإخلاء المستوطنات التي أقيمت في هذه الأراضي المحتلة، وتحرير كافة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. 

ونعتقد أن مثل هذه الصيغة -التي لا تشترط أي تنازل عن أي من حقوقنا وإن كانت تلزمنا بوقف العمل المسلح طوال فترة الهدنة طالما التزم الطرف الآخر بها- كفيلة بوقف العنف إلى مدة زمنية يتفق عليها، وعند انقضاء الفترة يقرر الطرفان الموقعان على الهدنة ما إذا كانا يرغبان في تجديدها أم لا.

 الهدنة في ديننا وثقافتنا وفي أعراف البشر حول العالم وعبر التاريخ معروفة، ولا تعني تنازل أي من الطرفين عما يعتقد أنه حقه، ولكنها تعني أن الطرفين يقران بعدم قدرة أي منهما في الوقت الراهن حسم الصراع لصالحه. ولعل الهدنة إن شعر الطرفان بنجاعتها تكون منطلقاً لتفكير من نوع جديد.

6) والتفكير الجديد وارد، ووارد جداً، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أننا لا نعتبر صراعنا في فلسطين مع الصهاينة المحتلين صراعاً مع اليهود، بل ليست لدينا مشكلة مع اليهود كأتباع ديانة سماوية يعترف المسلمون بها، وإنما صراعنا هو ضد من اعتدى علينا واحتل بلادنا وجاءنا غازاً مما وراء البحار ظناً منه وممن دعمه في ذلك أنه يحل بذلك مشكلة طال أمدها في الغرب. نعلم أن اليهود اضطهدوا في أوروبا ومورست بحقهم أبشع الجرائم من المذابح الروسية إلى النزعة المناهضة للسامية في فرنسا إلى المحرقة في ألمانيا، ولكن بأي حق يطلب من شعبنا أن يدفع ثمن جرائم ارتكبها الآخرون. وإذا كان الغرب مديناً لليهود ويشعر بالذنب تجاه ما فعله بهم عبر قرون متتالية، فليعوضهم مما يملك هو لا مما يملك الآخرون. أما من حيث المبدأ، ففلسطين عبر تاريخها لم تكن مفتوحة أمام أتباع الديانات الأخرى إلا حينما حكمها المسلمون، فديننا لا يجيز لنا منع مسالم من زيارتها بل وحتى الإقامة فيها إذا لم يكن معتدياً غازيا.

7) ورغم هذا الاستعداد من قبل حركة حماس للتهدئة بل والدخول في هدنة، إلا أن الكيان الصهيوني ومن يدعمه في الغرب رفض التعاطي مع هذا الأمر. وظلت إسرائيل تمارس عدوانها على شعبنا، وهي اليوم تحاصر قطاع غزة بأكمله بعد سلسلة من الحروب المدمرة بهدف تركيعنا وفرض الاستسلام علينا، وتستمر في الوقت ذاته في مصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، ما يزيد الأمور تعقيداً، ولا يولد سوى مزيدا من الغضب على الصهاينة ومن يساندهم.

8) إن من واجب المجتمع الدولي أن ينظر إلى قضيتنا من منطلق الحيادية التامة، لا من منطلق الحرص على أمن إسرائيل ووجودها، بينما يغض الطرف عن الحقوق الفلسطينية المشروعة وعن حقائق التاريخ التي تثبت أن شعبنا هو المعتدى عليه وأنه هو الضحية. وطالما لم يتوفر على الصعيد الدولي طرف محايد وقوي قادر على ممارسة دور الوسيط النزيه في الصراع بيننا وبين الصهاينة، فلا أمل في التوصل إلى تسوية مقبولة في المدى المنظور، وخاصة في غياب وسيط إقليمي قادر على ممارسة هذا الدور.

9) كما أن المجتمع الدولي مارس دوراً سلبياً في قضية المصالحة الفلسطينية؛ إذ كانت قواه النافذة دوماً تلح على السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير ألا تبرما مصالحة مع حماس إلا إذا رضخت لشروط الرباعية، التي ما هي إلا شروط صهيونية وضعها أولمرت وسوقها لدى حلفائه في الغرب. ولقد قدمت حماس من طرفها كل ما في وسعها من أجل إنجاز المصالحة سعياً لتخفيف المعاناة عن أهلنا المحاصرين في غزة وأهلنا الذين يعانون الاحتلال في الضفة، إلا أن مساعي المصالحة كانت دائماً تبوء بالفشل بسبب الشروط المذلة التي كانت الأطراف الإقليمية والدولية ترغب في إملائها علينا.

10) يعاني الناس في قطاع غزة الآن حصاراً خانقاً ظالماً تواطأ على فرضه عليهم الصهاينة وبعض العرب، للأسف الشديد، بهدف إذلال شعبنا وتركيعه. ولكننا على ثقة تامة بشعبنا، بأن الحصار لن يفت في عضده، ولن يحمله على الاستسلام. ومع ذلك، فإن من واجبنا أن نعمل بجد لوضع حد للمعاناة بإنهاء الحصار، ونحن على استعداد كامل للتعاون مع أي أطراف إقليمية أو دولية ترغب مخلصة في فك الحصار وإنهاء المعاناة، ونرى تفعيل بنود التهدئة التي تم التوصل إليها في القاهرة بعد الحرب الأخيرة على غزة، وهي التهدئة التي كان يمكن أن تضمن فك الحصار لو أن الكيان الصهيوني لم يخرقها، كما كان ديدنه في مرات عديدة سابقة.

11) نهيب بكل وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث وبالباحثين والصحفيين والسياسيين والدبلوماسيين والشخصيات المهتمة بمتابعة تطورات الأوضاع في منطقتنا ألا يكتفوا بما يردهم من معلومات عنا من خصومنا ومن بعض وسائل الإعلام. نحن نرحب باستقبال كل راغب في مقابلتنا، ونحن على استعداد للتعامل بشكل مباشر مع كل مستفسر عن شأن من شؤوننا. وليحكم الناس علينا بما يرونه منا وفينا، لا بما يشيعه الآخرون عنا.
التعليقات (3)
م\عبد المعطى ذكى
الثلاثاء، 17-03-2015 10:48 ص
نقاط محوريه تصل كبنود للتعريف وأقترح القول بممارسة المقاومه وليس العنف لأن المقاومه حق مشروع ضد المحتل كما أقترح اضافة نبذه تعريفيه بحماس النشأه وحماس من المقاوه كحركه تحرريه الى ادارة عزه كنموذج للدوله
رابح
الإثنين، 16-03-2015 10:46 م
الغرب و الخارج لا ابالي بهم كثيرا ليس انتقاصا من قوتهم و لكن اعتقادا من ان قوتهم تلك ليست حاسمة في المعركة بيننا و بين الصهاينة الذي يحزنني و يؤرقني و يسبب لي صداعا صهاينة العرب عامة و صهاينة السلطة خاصة الذين اثبت الايام تواطؤهم مع العدو بعيدا عن لغة حماس السياسية البراغماتية السؤال كيف يجب اقتلاع هؤلاء من المجتمع الفلسطيني بالتنسيق مع الشرفاء الحقيقين من غير حركات المقاومة دون اراقة قطرة دم و دون صوملة ننتظر الاجابة الميدانية من حماس و غيرها فمنهم من الاذكياء و ممن وهبهم الله تعالى العقل الراجح لتحقيق ذلك
أمينة
الإثنين، 16-03-2015 07:33 م
لا تنتظر من المجتمع الدولي شيئا