مقالات مختارة

إثبات الصلة بين السياسة الخارجية البريطانية والإرهاب المحلي

بيتر أوبورن
1300x600
1300x600
كتب كل من دافيد موريسون وبيتر أوبورن: على الرغم من تحذيرات صريحة صادرة عن جهاز المخابرات البريطانية الداخلي MI5 ما يزال السياسيون يرفضون الاعتراف كيف أدى الدور الذي لعبته بريطانيا في غزو العراق إلى الإرهاب في الداخل البريطاني.
 
وهذا الشهر انبرى ثلاثة سياسيين كبار من أحزاب مختلفة ليلزموا أنفسهم بهذا النهج الانتهازي ذاته، من الإصرار على هذه المغالطة القاتلة.
 
فقد زعم هؤلاء، كل على حده، بأن السياسة الخارجية البريطانية لم تساهم في توليد الإرهاب الموجه ضد الشعب البريطاني.
 
أحد هؤلاء الثلاثة، كما هو متوقع، كان طوني بلير الذي لم يعترف حتى هذه اللحظة بتداعيات قراره الزج ببلدنا في مشروع غزو واحتلال العراق.
 
في السادس من يوليو، عشية الذكرى السنوية العاشرة لتفجيرات لندن، كان طوني بلير ضيفا في إذاعة LBC تحاوره زميلته السابقة في مجلس الوزراء البريطاني تيسا جويل، والتي وجهت إليه السؤال التالي: "ما هو ردك على أولئك الناس الذين يقولون إن هجمات السابع من يوليو 2005 وبالتأكيد ما تبعها من هجمات إرهابية أخرى، كلها نجمت في الأصل عن مشاركتنا في غزو العراق؟".
 
كانت إجابة طوني بلير من أولها إلى آخرها لف ودوران، حيث قال: "إن من أهم الأشياء التي ينبغي القيام بها هو النظر إلى الأمور ضمن السياق الأكبر، وأقصد بذلك أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك ربما كانت أول هجوم إرهابي على مستوى كبير في الحقيقة، ومن الواضح أنه كان لدينا على ذلك ردود ضمن السياسة الخارجية. والمشكلة هي أنه حتى تلك البلدان، على سبيل المثال، التي لم تشارك بتاتا في العراق -مثل فرنسا- هي الآن عرضة لهذه الهجمات. وقد رأيت ذلك مؤخرا في تونس، ولكنك ترين ذلك حتى في بلدان مثل بلجيكا والنرويج، وهي دول ليس لديها في الحقيقة تواجد في السياسة الخارجية، ولكنها مع ذلك كانت عرضة لذلك.
 
"لابد أن ندرك، عند نقطة ما، أن هذه مشكلة كونية. فأنت ترينها في أفريقيا، وترينها في الشرق الأقصى، وترينها في آسيا الوسطى، وبالطبع ترينها في الشرق الأوسط. والطريقة الوحيدة للتعامل مع ذلك تكمن في نهاية المطاف في أن يجتمع الناس معا بغض النظر عن معتقداتهم وخلفياتهم ليقولوا نحن متحدون ضد هذا الإرهاب وليقولوا لن نسمح لأحد بأن يعفي نفسه من خلال القول إن ذبح الناس الأبرياء براءة تامة هو بشكل أو بآخر رد فعل على قرار اتخذته حكومة ما. إنها مسؤولية تقع على كاهل أولئك الذين يقومون بمثل هذه الأعمال الإرهابية وعلى كاهل أولئك الذين يحرضونهم".
 
سنعود بعد قليل للحديث عن مدى نزاهة هذه الإجابة، ولكن لاحظوا هنا أنها تشتمل على مغالطة واضحة في المنطق، فحقيقة أن بلدانا أخرى تعرضت لهجمات إرهابية لأسباب أخرى مختلفة لا ينفي فرضية أن حرب العراق هي التي زادت من احتمال تعرض بريطانيا للإرهاب. يمكن بنفس الطريقة لشخص ما أن يزعم (كما زعمت شركات إنتاج التبغ لسنوات عديدة) بأنه نظرا لأن بعض غير المدخنين يموتون بسبب الإصابة بسرطان الرئة فإن التدخين لا يزيد من مخاطر الإصابة بسرطان الرئة.
 
وعلى نهج بلير سارت ليز كاندل، وهي الوحيدة من بين المترشحين الأربعة لزعامة حزب العمال التي أبدت الاستعداد لخوض حملتها الانتخابية بصفتها وريثة له. ففي السابع عشر من يوليو نشرت لها مقابلة صحفية في ذي إيفنينغ ستاندارد قالت فيها إنه من "الخطأ الفادح والجسيم" القول بأن الهجمات الإرهابية كانت وليدة السياسية الخارجية البريطانية. وأضافت: "كما لو أن العالم منقسم إلى بالغين وأطفال. لا أحد يجبر أحدا على قطع رأس شخص ما ونشر الصورة عبر الإنترنت. لا أحد يفرض على أحد أن يحمل الكلاشينكوف ليردي به قتلا اثنين من مواطني دائرتي (ضحايا الهجوم الإرهابي على الشاطئ التونسي)".
 
وهذا منطق آخر في غاية الاضطراب، فرغم أن السيدة كاندل تشير بوضوح إلى نقطة مفهومة وهي أن السياسة البريطانية لا تمنح أحدا المبرر لارتكاب جريمة إرهابية بشعة، إلا أن ذلك لا ينفي نظرية أن سياستنا الخارجية قد تزيد من احتمال توجه البعض لارتكاب مثل هذه الجرائم البشعة.
 
والأهم من ذلك هو ما أعلنه دافيد كاميرون في العشرين من يوليو من خطة خمسية لمكافحة الإرهاب. لقد اشتمل خطابه على هذه الفقرة الملتوية التي لا تزيد عن كونها صدى لما صدر عن طوني بلير من قبل من نفي للدور الذي لعبته حرب العراق: "حينما يقول الناس إن المشاركة في حرب العراق هي السبب في هجوم بعض الناس على الغرب، ينبغي علينا أن نذكرهم بأن هجمات الحادي عشر من سبتمبر – والتي تمخضت عن أكبر خسارة في أرواح المواطنين البريطانيين في أي هجوم إرهابي – وقعت قبل حرب العراق". 

طبعا، ولكن تارة أخرى لا علاقة لذلك بما إذا كانت الحرب، وما تبعها من سياسة خارجية، قد زادت من احتمال تعرض بريطانيا لخطر الإرهاب.
 
ينبغي على بلير وكاندال وكاميرون، وكل أتباعهم، النظر في الدليل الذي قدمته البارونة ماننغهام بولار للجنة التحقيق في حرب العراق قبل خمسة أعوام. وليسوا بحاجة لانتظار ذلك اليوم البعيد الذي قد يجد فيه تقرير اللجنة طريقه للنشر، وذلك لأن الدليل المشار إليه دامغ وواضح ولا لبس فيه.
 
من الجدير بالذكر أن السيدة إليزا ماننغهام بولار شغلت منصب المدير العام لجهاز MI5، وهي وكالة الاستخبارات البريطانية المحلية، من أكتوبر 2002 إلى إبريل 2007، أي منذ عدة شهور قبل الغزو الأمريكي البريطاني للعراق في مارس 2003 وإلى ما بعد ذلك بأربعة أعوام كانت أمريكا وبريطانيا خلالها تحتلان العراق.
 
في العشرين من يوليو 2010 قدمت السيدة ماننغهام بولار شهادتها أمام لجنة التحقيق في حرب العراق برئاسة السير جون تشيلكوت. وكان السؤال الموجه إليها هو: “إلى أي مدى فاقم الصراع في العراق من الخطر الإجمالي للإرهاب الدولي الذي توجب على وكالتك والوكالات الأخرى المشابهة لها التصدي له؟" فأجابت: "بشكل كبير جدا".
 
وقالت فيما بعد إن ثمة دليل دامغ على زيادة الخطر، فعلى سبيل المثال "هناك دليل رقمي يتمثل بعدد المؤامرات، وعدد الأدلة، وعدد الأشخاص الذين تم التعرف عليهم، وعلاقة ذلك كله بالعراق، وما صرح به المتورطون بشأن الأسباب والدوافع التي حملتهم على التورط في ذلك".
 
ولقد أخبرت لجنة التحقيق بأنه بسبب ذلك، ورغم أن ميزانية جهاز MI5 زيدت في عام 2001 وفي عام 2002، "بحلول عام 2003 وجدت من الضروري أن أطلب من رئيس الوزراء مضاعفة ميزانية جهازنا. وهذا شيء لم يحدث بتاتا من قبل، نعم لم يحدث من قبل أبدا، ومع ذلك فقد وافق هو والخزانة ووزير المالية على ذلك وقبلوا به لأنني تمكنت من اطلاعهم على ما يثبت ضخامة المشكلة التي كانت تواجهنا".
 
إذن، لا يوجد أدنى شك، بحسب ما شهدت به السيدة المدير العام لجهاز MI5 في ذلك الوقت، بأن نشاطات القاعدة داخل بريطانيا تزايدت "بشكل كبير جدا" بسبب مشاركة بريطانيا في غزو العراق. وقد اشتملت تلك النشاطات على تفجيرات السابع من يوليو 2005، والتي قتل فيها 52 شخصا وأصيب ما يزيد عن 700 شخص بجراح.
 
منذ ذلك الحين، بذلت جهود كبيرة جدا لمعرفة ما إذا كان طوني بلير قد ضلل البرلمان والشعب في بريطانيا بشأن التهديد المزعوم الذي كان يشكله العراق بسبب ما ادعي من امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل (طالع على سبيل المثال النشرة التي أعدها دافيد موريسون بعنوان "العراق:أكاذيب، وأنصاف حقائق، وتحريفات" والتي نشرت في نوفمبر من عام 2003).
 
ولكن لا يقل أهمية عن ذلك التحقق مما إذا كان طوني بلير قد ضلل البرلمان والشعب من خلال التكتم على الإنذار الذي تلقاه من أجهزة المخابرات البريطانية محذرة إياه من أنه من المحتمل أن يتصاعد التهديد الذي يمكن أن تواجهه بريطانيا من قبل القاعدة بسبب الإجراء العسكري المقترح ضد العراق. وكان هذا الإنذار قد جاء متضمنا في تقرير تقييمي رسمي أصدرته لجنة الاستخبارات المشتركة في المملكة المتحدة في فبراير من عام 2003 بعنوان "الإرهاب الدولي: الحرب مع العراق"، وكان الغرض منه تقييم رد الفعل المحتمل للقاعدة ومن على شاكلتها من جماعات حينما يقع الغزو الأمريكي البريطاني للعراق.
 
وكانت بعض جوانب هذا التقييم قد خرجت إلى العلن في سبتمبر من عام 2003 حينما بادرت لجنة الاستخبارات والأمن داخل البرلمان البريطاني إلى نشر تقرير لها بعنوان "أسلحة الدمار الشامل العراقية – الاستخبارات والتقييم". 

فقد ورد في الفقرة رقم 126 من التقرير ما نصه "لقد قدرت لجنة الاستخبارات المشتركة بأن القاعدة ومن يرتبط بها من جماعات ماتزال تمثل مصدر التهديد الإرهابي الأكبر ضد المصالح الغربية، ويتوقع أن تتصاعد وتيرة هذا التهديد فيما لو اتخذ إجراء عسكري ضد العراق".
 
لم يطلع طوني بلير البرلمان على هذا التحذير الاستخباراتي حينما طرح مشروع الحرب للتصويت داخل مجلس العموم في الثامن عشر من مارس من عام 2003.
 
كان جل ما اعتمد عليه رئيس الوزراء في الانتصار لمشروعه في ذلك اليوم هو الزعم بأن "ثمة خطر حقيقي وقائم" من أن أسلحة كيماوية وبيولوجية قد تجد طريقها من العراق إلى القاعدة أو الجماعات المرتبطة بها ما لم يتم تجريد العراق من هذه الأسلحة.
 
إلا أنه أخفى عن مجلس العموم التقييم الذي تلقاه من لجنة الاستخبارات المشتركة قبل أسابيع والتي حذرته فيه من أنه "عندما يصبح سقوط النظام وشيكا فسيكون هناك خطر من احتمال أن تنتقل مثل هذه المواد، بغض النظر عما إذا كان ذلك ناجما عن سياسة متعمدة من النظام أو رغما عنه" (الفقرة 126 من تقرير لجنة الاستخبارات المشتركة).
 
وكانت البارونة مانينغهام بولار قد أكدت في شهادتها أمام لجنة التحقيق الخاصة بالحرب على العراق أن الحكومة كانت قد أُنذرت مقدما أن من المحتمل أن "يتصاعد" تهديد القاعدة نتيجة لمشاركة بريطانيا في عملية غزو العراق. كما أقرت بأن تقييمها ما قبل الغزو كان يفيد بأن "الحرب على العراق يمكن أن تفاقم من التهديد الإرهابي المحدق ببريطانيا من أي مصدر داخل المملكة المتحدة" (صفحة 31) وأنه "لم يكن هناك أي خلاف يذكر بين أجهزة الاستخبارات بشأن هذا التقدير" (صفحة 32).
 
تم توصيل هذا الموقف إلى الحكومة من خلال تقديرات لجنة الاستخبارات المشتركة، وفي حالتها هي تم توصيله بشكل مباشر إلى وزير الداخلية (والذي كان في ذلك الوقت دافيد بلانكيت) الذي يعتبر رأس جهاز MI5 مسؤولا أمامه ويأتمر بأمره. وقالت بهذا الشأن إنه إذا ما قرأ الوزراء تقييمات لجنة الاستخبارات المشتركة "فإنهم لا يمكن أن يساورهم شك"، حسبما كانت ترى أجهزة الاستخبارات، في أن غزو العراق إذا تم فإنه سيزيد من الخطر بالمحدق ببريطانيا بسبب تهديدات القاعدة.
 
تحذير أكدت صدقيته الأحداث
 
كما رأينا، لقد أثبتت الأحداث ما بعد غزو العراق صدقية التحذير الذي كانت أجهزة الاستخبارات قد وجهته إلى الحكومة البريطانية.
 
كانت البارونة مانينغهام بولار قد سئلت من قبل السير رودريك لين (السفير البريطاني السابق في موسكو وعضو لجنة التحقيق في الحرب على العراق) “ما مدى أهمية العراق مقارنة بحالات أخرى جرى استخدامها من قبل المتطرفين، الإرهابيين، لتبرير أعمالهم؟"
 
أجابت قائلة: "أظن أنه على درجة كبيرة من الأهمية … بحلول عام 2003 ثم عام 2004 كنا نتلقى عددا متزايدا من الدلائل والمؤشرات بوجود نشاطات إرهابية داخل المملكة المتحدة و مشاركتنا في الحرب على العراق أدت إلى تطرف جيل كامل من الفتيان والفتيات، الباحثين عن عالم أفضل، بمن فيهم مواطنون بريطانيون، ليس جيلا كاملا، وإنما قليلون ضمن الجيل … ممن اعتبروا مشاركتنا في العراق، بعد مشاركتنا في الحرب على أفغانستان، عدوانا على الإسلام نفسه".
 
"ولذلك، وبالرغم من أن وسائل الإعلام كانت قد قالت بأننا في يوليو 2005، أي إثر الهجمات يوم السابع من يوليو، فوجئنا بأن المهاجمين كانوا مواطنين بريطانيين، إلا أن ذلك لم يكن صحيحا، لأنه في الحقيقة كان هناك عدد متزايد من الأفراد المولودين في بريطانيا والذين نشأوا وترعرعوا فيها، وبعضهم من أبناء الجيل الثالث، ممن جذبتهم أيديولوجيا أسامة بن لادن وخلصوا إلى أن النشاطات الغربية في كل من العراق وأفغانستان تهدد وجود أبناء ملتهم وتهدد العالم الإسلامي بأسره.
 
"ولذلك، ما من شك في أن ذلك زاد من الخطر، وبحلول عام 2004 أغرقنا بشكل كامل – ربما كانت تلك مبالغة – ولكننا أثقلت كواهلنا بالمعلومات الاستخباراتية على نطاق واسع جدا تجاوز قدراتنا على التعامل مع ما يصلنا..".
 
عاد السير رودريك ليسألها: "بشكل إجمالي، ولو أخذنا بالاعتبار العامين أو الثلاثة أو أربعة أعوام التي تبعت الحرب التي بدأت في عام 2003 ….إلى أي مدى فاقم الصراع في العراق من التهديد الكلي للإرهاب الدولي الذي تحتم على جهازك والأجهزة الأخرى المشابهة له التعامل معه؟". 

أجابت: "بشكل كبير جدا" (صفحة 24-25). وقالت إن الدليل على ذلك دامغ، فعلى سبيل المثال "هناك دليل رقمي يتمثل بعدد المؤامرات، وعدد الأدلة، وعدد الأشخاص الذين تم التعرف عليهم، وعلاقة ذلك كله بالعراق، وما صرح به المتورطون بشأن الأسباب والدوافع التي حملتهم على التورط في ذلك، وكذلك النقاشات التي كانت تدور فيما بينهم بخصوص ما كانوا ينوون القيام به".
 
وأضافت في وقت لاحق: "الحقيقة هي أن الخطر تزايد، ولقد تفاقم بسبب العراق، الأمر الذي استدعى ليس فقد من جهازي وإنما أيضا من أجهزة أمنية كثيرة حول العالم المطالبة بزيادة ضخمة في مواردها حتى تتمكن من التعامل مع ذلك الوضع. بحلول عام 2003، وبعد أن حصل الجهاز على زيادة في الموارد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وهي الزيادة التي أقرها سلفي، ثم بعد ذلك .. زيادة أخرى … في 2002، وجدت في عام 2003 من الضروري أن أطلب من رئيس الوزراء مضاعفة ميزانيتنا. وهذا شيء لم يحدث بتاتا من قبل، نعم لم يحدث من قبل أبدا، ومع ذلك فقد وافق هو والخزانة ووزير المالية على ذلك وقبلوا به لأنني تمكنت من اطلاعهم على ما يثبت ضخامة المشكلة التي كانت تواجهنا".
 
إذن، لا يوجد أدنى شك على الإطلاق في أن نشاطات القاعدة في بريطانيا زادت "بشكل كبير جدا" نتيجة لمشاركة بريطانيا في غزو العراق – وفي أن أجهزة الأمن البريطانية كانت محقة في تنبؤها بحصول ذلك.
 
موقع جهاز MI5 على الإنترنيت يقول "العراق هي القضية السائدة"
 
حينما تعرضت مدينة لندن لهجوم بالقنابل في السابع من يوليو من عام 2005، انضمت سائر المؤسسة السياسية إلى طوني بلير في الجزم بأنه كان من الخطأ الاعتقاد بأن منفذي الهجمات إنما حرضهم على فعلهم ذلك غزو بريطانيا للعراق. لكن مما كان مثيرا للاهتمام في نفس الوقت أن موقع جهاز MI5 على الإنترنيت نشر موضوعا عنوانه "الخطر الذي يتهدد المملكة المتحدة بسبب الإرهاب الدولي" جاء فيها صراحة بأن "العراق هو القضية السائدة التي تهيمن على تفكير ونقاشات تشكيلة من الجماعات والأفراد المتطرفين داخل المملكة المتحدة وداخل أوروبا".
 
ظلت هذه الرسالة معروضة على موقع جهاز MI5 لعامين متتالين من بعد، وكان بإمكان كل زائر للموقع أن يطلع عليها خلال تلك الفترة. سيكون من المثير للاهتمام معرفة من الذي أمر بحذفها، ولماذا أمر بذلك.
 
صدر عن بلير ما يشبه الاعتراف
 
مما تجدر ملاحظته أن طوني بلير اقترب جدا من الاعتراف بوجود علاقة بين الحرب على العراق والإرهاب، وذلك في خطاب استقالته الذي ألقاه في العاشر من مايو من عام 2007 في دائرته الانتخابية "سيدجفيلد". وحسب ما جاء في تقرير لصحيفة الغارديان، قال بلير: “لقد كانت الإطاحة بصدام حسين وأبنائه من السلطة، وكذلك الإطاحة ب"طالبان"، أمرا يسيرا نسبيا، إلا أن الارتداد من ذلك منذ ذلك الحين، بسبب الإرهاب الدولي وتلك العناصر التي تدعمه، كان شديدا، ومتعنتا ومكلفا.”
 
مصطلح "الارتداد" هو واحد من التعابير الحديثة التي تستخدم للتلطيف (وعلى رأس هذه التعابير مصطلح "أضرار تبعية") ويقصد منها إضفاء أجواء من الصحة والنقاء على الحروب المعاصرة. ومع ذلك، يؤكد استخدام بلير لهذا المصطلح اعترافه بأن قتل الأبرياء في السابع من يوليو 2005 وفي غير ذلك من المناسبات إنما كان من تداعيات التدخل العسكري الأمريكي البريطاني في أفغانستان والعراق، وإن كان بلير يصر على أنها تداعيات غير مقصودة لذاتها.
 
حكم حيوي
 
من الحيوي بالنسبة للسياسيين البريطانيين الحاليين أن يعترفوا بأن الحرب على العراق زادت من فرص ممارسة الإرهاب داخل بريطانيا، وتسبب ذلك في خلق مشكلة كبيرة لشرطتنا ولقواتنا المسلحة ولأجهزتنا الأمنية – كما عليهم الإقرار بأن أي تدخلات عسكرية لاحقة يمكن أن تكون لها نفس التداعيات.
 
لا يظنن أحد أن مثل هذا الإقرار يعفي أو يبرر أو يشرعن الإرهاب من أي نوع كان وأي مصدر أتى.
 
كما لا يعني ذلك أبدا أنه ينبغي على سياستنا الخارجية أن تكون رهنا للخوف من الإرهاب المحلي.
 
إلا أن ما يعنيه هو أنه يتوجب على صناع القرار والسياسة أن يأخذوا بعين الاعتبار مخاطر الإرهاب التي قد تنجم عن أي تحرك مقترح، وأن عليهم أن يقدموا للبرلمان وللشعب في بريطانيا تقديرا نزيها وصادقا لاحتمالات وقوع هذا الخطر.
 
هذه خطوة أساسية لابد من اتخاذها إذا ما أريد للسياسة الخارجية البريطانية أن تستعيد دورها الصحيح في خدمة المصالح البريطانية. لقد تم التخلي عن ذلك منذ زمن طويل بسبب السعي المحموم وراء "النفوذ" البريطاني أو "العلاقة الخاصة" مع الولايات المتحدة الأمريكية، أو لضمان مقعد حول "طاولة عليا" أممية متوهمة. مثل هذه الأهداف الضبابية كانت هي الأسباب الحقيقية وراء مشاركتنا في الحرب على العراق ثم في احتلاله، وهي المشاركة التي لم تعد على الشعب البريطاني بشيء سوى الدين والخطر والعار والموت.
 
* دافيد موريسون: كتب كثيرا حول الخداع الذي مارسته الحكومة البريطانية لتضليل الرأي العام البريطاني سعيا للحصول على دعم لقرار الحرب في العراق. اشترك مع بيتر أوبورن في تأليف كتاب "التضليل الخطير: لماذا الغرب مخطئ بشأن النووي الإيراني" والذي نشر في إبريل من عام 2013. يمكن الاطلاع على كتابته من خلال الرابط التالي:

www.david-morrison.org.uk
 
* بيتر أوبورن: صحفي بريطاني، حصل على جائزة صحفي العام لسنة 2013. استقال مؤخرا من العمل في صحيفة الديلي تليغراف حيث كان كاتب العمود الرئيسي فيها. صدرت له عدة كتب حول النخبة السياسية وممارسة الكذب والخداع في العملية السياسية وحول الموقف الغربي من البرنامج النووي الإيراني.
التعليقات (0)