كتاب عربي 21

قيود التدخل العسكري الروسي في سوريا

راميا محجازي
1300x600
1300x600
أفصحت المقاتلات الروسية التي شنت أولى ضرباتها على الأراضي السورية  مستهدفة  نقاطا للجيش الحر وأبنية سكنية في ريف حمص وحماة، التي أسفرت عن استشهاد أكثر من أربعين مدنيا وإصابة أكثر من مئتي مواطن سوري، أفصحت عن النوايا الحقيقية للتدخل الروسي، ووضحت ما تعنيه تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التي قال فيها، إن الضربات الجوية الروسية في سوريا لا تستهدف سوى تنظيم الدولة وغيره من التنظيمات الإرهابية! فالتنظيمات الإرهابية حسب وجهة النظر الروسية هي المقاومة الشعبية المسلحة التي تحارب حليفه الأسد، وتهدد مستعمرة الاستبداد والقمع التي بناها حزب البعث على الأراضي السورية خلال ما يزيد عن نصف قرن.  

القوات الروسية لن تستهدف معاقل المقاومة الشعبية المسلحة كافة، وإنما ما سيحدد بنك أهدافها في الأيام المقبلة هو مدى عمق التهديدات التي يمكن أن تشكلها الفصائل والكتائب الرافضة للوجود الروسي، والتي يشكل وجودها وقوتها تهديدا للمصالح الروسية على الأراضي السورية، وبالتالي يعتبر وجودها عثرة أمام أي تفاهمات داخلية أو اتفاقيات محلية  يمكن أن تسعى لها موسكو لاحقا.  

فحسب ما أشارت إليه التصريحات المتعاقبة للإدارة الروسية بأنها ستسعى في المرحلة القادمة إلى إنشاء قوة عسكرية سورية، قادرة على حفظ الأمن الداخلي في سوريا، ومؤهلة لمواجهة التنظيمات الإرهابية في المنطقة، وسوف تتضمن هذه القوة مقاتلين من جيش الأسد بالإضافة إلى قوات من المقاومة الشعبية، في إطار خطة لإعادة تأهيل المؤسسة العسكرية والأمنية في مراحل قادمة، هذا الطرح المرحب به دوليا وإقليميا على ما يبدو هو من أهم الأسباب التي تقف وراء إيقاف العمليات الدفاعية للمقاومة الشعبية، في مناطق كانت ومازالت مشتعلة كدرعا ومعارك الجنوب والغوطة ومعركة دمشق وجبهة الساحل وأطراف حلب الشمالية، فاللعب بموازين القوى وضبطها في هذه المرحلة هو السبيل الوحيد لرفع مستوى الضغوطات على المقاومة والتحكم  بمستقبل المنطقة، هذا بالنسبة للشأن الداخلي السوري. 

أما دوليا، فإن الضربات التي شنتها المقاتلات الروسية على مواقع للمعارضة السورية، في هذه الفترة التي تسبق اجتماعات مجموعة الاتصال -المتوقعة في أكتوبر الجاري- ما هي إلا عمليات استعراضية – استفزازية - تمويهية  تهدف من خلالها فتح المجال أمام سقف أعلى من المطالب، التي يمكن أن تفاوض عليها في أي اتفاقيات سياسية من المرجح أن تطرح في الأيام القادمة مع لاعبين دوليين وإقليميين على رأسهم البيت الأبيض والسعودية وتركيا، الدول التي يمكن أن تستفزها مثل هذه الضربات كونها الدول الأكثر دعما للمعارضة السورية العسكرية المسلحة . 

أما من الناحية العملية فأغلب الاعتقاد بأن إدارة العمليات العسكرية الروسية على الأراضي السورية، من مصلحتها أن تتجنب أي تصعيد من شأنه أن يدفع إلى صدام مباشر أو بالوكالة مع هذه الدول تحديدا؛ وذلك لأسباب عديدة نذكر أهمها :  

أولا: تجنب تكرار التجربة الأفغانية في سوريا و خصوصا مع وجود اقتراحات دولية بتسليح المعارضة السورية بأسلحة نوعية، كانت محظورة على المقاومة الشعبية المسلحة مثل "الصواريخ المضادة للطائرات " على غرار صواريخ ستينغر المضادة للمروحيات، التي دَعمت بها القوات الأمريكية المقاومة في أفغانستان في أثناء الحرب مع الاتحاد السوفيتي، وخصوصا أن التصعيد الروسي اليوم يقتصر على السلاح الجوي فقط، ولا نية لأي تدخل بري  إلى الآن. 

ثانيا: تجنب استنزاف الطاقة العسكرية الروسية المجندة  في سوريا، الأمر الذي  سيجره توسيع الضربات الجوية الروسية لتشمل المعارضة وتنظيم الدولة، بالإضافة إلى المقاومة الجهادية المكروهة روسيا، وبالتالي تجنب العودة إلى عام 2008 أي فترة اجتياح القوات الروسية لجورجيا، حين واجهت القوات الروسية صعوبة في الانتصار على خصم أصغر منها بكثير تلك الفترة، التي وصفتها "خدمة أبحاث الكونغرس" في آب 2011 بـ "الفشل العملياتي الواسع النطاق للجيش الروسي" 

ثالثا: تجنب أزمة اقتصادية قد تنتج عن فتح جبهة المتوسط العميقة، وبالتالي قد تضطر لاحقا لتجميد عمليات التطوير في برامجها العسكرية، التي انطلقت منذ عام 2010 وبكلفة سبع مئة وعشرين مليار دولار، والتي تشمل أيضا عمليات الإصلاح في بنية وهيكلة الجيش الروسي وإعادة تنظيمه، وتقليص حجمه مع إنشاء قوة رشيقة وعصرية ومتطورة بحلول عام 2020 .

أما التهديدات الأساسية التي عبر عنها بوتين والتي لها تأثيرها المباشر على دولته، هي عودة آلاف المقاتلين من دول الاتحاد السوفيتي السابق ومن روسيا إلى الأراضي الروسية أولا، و ثانيا التهديدات التي يمكن أن تتعرض لها القواعد العسكرية الروسية على المياه الدافئة، وأي حديث آخر عن دعم الأسد أو أمن المنطقة  فهو لغو سياسي لا قيمة له. 
التعليقات (0)