ملفات وتقارير

"العلمانية المؤمنة".. لماذا لا تكون صديقة للإسلام؟

باحثون: الإسلام يعتبر العلمانية فكرة مضادة لأحكامه وتشريعاته
باحثون: الإسلام يعتبر العلمانية فكرة مضادة لأحكامه وتشريعاته
تُجمع غالب الحركات والاتجاهات الإسلامية المعاصرة على اعتبار العلمانية نبتة غريبة عن الإسلام والمسلمين، تتناقض مع تشريعاته وأحكامه، لأنها "تعارض حاكمية الشرع بحاكمية البشر"، فهي مرفوضة ولا يمكن القبول بها بحسب باحثين شرعيين.

ارتكزت تلك الحركات والاتجاهات في بناء موقفها من العلمانية، باعتبارها تدعو في فكرتها المركزية إلى فصل الدين عن السياسة، وبالتالي عن الدولة، وهي تسعى كذلك إلى تجريد الدين من سلطته الحاكمة والمهيمنة على سائر شؤون الحياة، سياسة واقتصادا واجتماعا، وتحصر ميدان عمله في ضمير الإنسان وممارساته الشخصية.

ووفقا للباحث الشرعي الفلسطيني، خباب مروان الحمد، فإن "الإسلام يعتبر العلمانية فكرة مضادة لأحكامه وتشريعاته، تُعارض أساس الأمر والنهي الذي أتى به الدين، وتعارض كذلك مبادئ الحلال والحرام، فضلا عن أحكام الإيمان والكفر..".

وأضاف الحمد أن "العلمانية منهج وضعي لاديني قائم على معارضة الدين الإسلامي، وعدم الإيمان بتطبيق أحكامه، بل تسعى لنزع ثقة المجتمعات به".

وردا على سؤال "عربي21" حول إمكانية القبول بالعلمانية واعتبارها صديقة للإسلام بما تتيحه من حرية المعتقد وأداء الشعائر التعبدية، فقد قال الحمد بلغة صارمة: "العلمانية فكرة كفرية، فمن اعتنقها ودان بها فقد مرق من دينه، ذلك أنها تعارض حاكمية الشرع بحاكمية البشر، وحق التشريع للخالق فحسب، فينقلب ذلك ليكون حق التشريع للمخلوق فحسب..".

وشرح الباحث الشرعي الفلسطيني، خباب الحمد، وجوه مناقضة العلمانية للإسلام بقوله إن "المبدأ العام الذي تقوم عليه العلمانية، يتمثل في أن الدين ليس من حقه الحكم في مفاصل الحياة باعتبار أن الدين لله، والوطن للجميع؛ فهذا القول فيه دلالة واضحة على معنى الفصل بين الأرض والسماء، وكأنَّ من أنشأ الأرض هو الإنسان، وعليه أن يتمرد على أوامر من خلقه"، بحسب الحمد.

علمانيون: العلمانية ليست ضد الدين  

لكن العلمانيين العرب ينفون بقوة مقولة "العلمانية ضد الدين"، ويصرون على أنها ليست ضده أبدا، فهي تصون حرية الاعتقاد، وتمنح المتدينين حريتهم الكاملة لممارسة شعائرهم التعبدية، فالعلمانية لا تعدو أن تكون "صيغة مقترحة لتسيير شؤون الدنيا، وإدارة مؤسسات الدولة وتنظيم عملها" وفقا لكتابات العلمانيين وتنظيراتهم.

في هذا السياق، يرى الدكتور موسى شتيوي، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، أن مفهوم العلمانية أُسيء فهمه، فهي من حيث المبدأ ليست ضد الدين، بل على العكس تماما، فالدولة العلمانية هي الحامية والضامنة لحقوق الناس، والتي منها حقهم في الاعتقاد وممارسة شعائرهم التعبدية. 

وتحديدا لمفهوم العلمانية قال شتيوي لـ"عربي21": "تتميز الدولة العلمانية بأنها لا تنظم شؤونها على أساس ديني، بل طبقا لمعايير الدولة الحديثة التي تحتكم إلى معايير المواطنة والحقوق والواجبات، فهي دولة تضمن الحريات الدينية لجميع مواطنيها بصرف النظر عن ديانتهم ومذاهبهم وأفكارهم".

ولفت شتيوي إلى أن دمج الديني في السياسي وعدم الفصل بينهما، هيأ المناخات لاستغلال الدين وتوظيفه لمصالح دنيوية وسياسية، وكذلك استغلت السياسة الدين ووظفته لصالحها، فهذا الخلط بينهما يُحدث إشكالية في إدارة الدولة وتنظيم شؤونها. 

وقال شتيوي: "إن العلمانيين في العالم متنوعون، فمنهم المؤمنون ومنهم غير المؤمنين، لكن المتدينين منهم لا يسعون لإقامة دولة دينية، ويتركون تنظيم شؤون الدولة والناس للسلطة السياسية، وكل ما يتطلعون إليه أن تكون القيم الدينية حاضرة في الدولة.

من جهته، أكدّ الكاتب والباحث السعودي، عبد الله المالكي أن "ثمة علاقة موجودة بين الدين والدولة لا يمكن نفيها، ولكننا بمجرد أن نتحدث عن وجود هذه العلاقة، فإن هذا يعني أننا أمام شيئين متمايزين في الماهية".

وطبقا للمالكي فإن "ماهية الدين شيء، وماهية الدولة شيء آخر مختلف، ووجود العلاقة بينهما لا يعني أن تصبح الماهيتان ماهية واحدة، فيتحول الدين إلى دولة".

وحول نظرته لموقف العلمانيين العرب من العلمانية، قال المالكي: "إن مشكلة العلمانية العربية حين تم استيرادها، تتمثل في نفيها العلاقة بالكلية بين الدين والدولة، وكأن الدولة جسم غريب عن هوية الأمة وعن تجسيد إرادتها".

وانتقد المالكي ردة فعل الإسلاميين على العلمانيين واصفا إياها بـ"الفيزيائية: المساوية في المقدار والمعاكسة في الاتجاه".. بتبنيهم لـ"الدمج المطلق" بين الدين والدولة ما يساوي الحاكمية الكنسية.

وأضاف المالكي أن "دمج الدين في الدولة الحديثة (state)، بشكل مطلق وكأنهما شيء واحد سبب إرباكا كبيرا في الفكر العربي والإسلامي المعاصر".

وخلص المالكي إلى القول: "الحقيقة التاريخية أن الأمة العربية لم تكن في حاجة لا إلى العلمانية ولا إلى الحاكمية.. لأن مشكلتها السياسية في ذلك الوقت كانت مع الاستبداد فقط".

"العلمانية المؤمنة".. لماذا لا تكون صديقة للإسلام؟   

في الوقت الذي يصر فيه العلمانيون في سياق معالجتهم لإشكالية العلاقة بين الدين والدولة، على ضرورة الفصل بينهما، يتمسك الإسلاميون بوجوب الوصل والدمج بينهما، لكن بعض الاتجاهات المحسوبة على الحركات الإسلامية سلكت سبيلا رسخت فيه نموذج الدولة العلمانية، كما في تجربة حزب العدالة والتنمية التركي، بما أطلق عليه الكاتب والباحث التركي محمد زاهد غول "العلمانية المؤمنة".

لا تعني "الدولة العلمانية" في نموذج حزب "العدالة والتنمية" التركي اللادينية، وهي ليست ضد الدين كذلك، بل هي الدولة "التي تضع أصحاب الديانات والمعتقدات المختلفة داخل البلد الواحد على مسافة واحدة دون تمييز بين مسلم أو مسيحي أو ملحد" طبقا لرئيس الوزراء التركي (حينها)، رجب طيب أردوغان، في توضيحه لنصيحته التي وجهها للمصريين بعد ثورة 25 يناير، حينما دعاهم للأخذ بالنموذج التركي، والتي قوبلت بالرفض والاستنكار من قيادات إخوانية وشخصيات إسلامية أخرى.

في توضيحه لتصريحاته، أشار أردوغان إلى أن العلمانية التي يدعو إليها ليست صفة تطلق على الأفراد، بل هي صفة تطلق على الدولة، وللأفراد أن يختاروا العقائد والمذاهب التي يريدونها، فالدولة العلمانية بحسب "النموذج الأردوغاني" تتحدد بسلوكها المحايد تجاه جميع الأديان والمذاهب والأفكار، من غير أن تصبغ الدولة بصبغة دينية محددة.

من جهته، مدح الدكتور عبد الرحمن سالم، أستاذ التاريخ الإسلامي في دار العلوم بجامعة القاهرة، تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا،  لأنها تمثل نموذجا تطبيقيا لـ"العلمانية المؤمنة" التي لا تعادي الدين ولا تخاصمه، بل تقف من كل الأديان على مسافة واحدة. 

وفرق الدكتور سالم في حديثه لـ"عربي21" بين العلمانية المخاصمة للدين والمعادية له، وبين العلمانية المحايدة التي تُعنى بإدارة شؤون الحياة والدولة، مع إعطائها الحريات الكاملة لجميع الأديان والمذاهب، متسائلا: "لماذا يهاجم الإسلاميون ذلك النسق من العلمانية وهم في ظلها يتمتعون بكامل حرياتهم الدينية؟".

سيظل الخلاف قائما بين العلمانيين والإسلاميين في التعاطي مع إشكالية العلاقة بين الدين والدولة، وستظل الصراعات الفكرية محتدمة بين الطرفين، خاصة في تحديد العلاقة بين الإسلام والعلمانية، مع ملاحظة أن بعض الاتجاهات الإسلامية اجترحت نسقها الخاص بها في المواءمة بين الإسلام والعلمانية، والتكيف مع معطيات الواقع، كحزب العدالة والتنمية التركي وحركة النهضة التونسية، وهو ما يقابل غالبا باعتراضات شديدة من جماعات وحركات إسلامية أخرى.   
التعليقات (2)
اليماني
الإثنين، 19-10-2015 02:54 م
بسم الله الرحمن الرحيم أشكر الأستاذ والكاتب الصحفي الكبير / بسام على هذا الموضوع الطيب وأشيد بأمانته في عرض وجهتي النظر المتقابلة ولكني أعتب عليه رضاه بهذا العرض دون أن يدلي بدلوه في هذه المسألة باستثناء قوله إن المسألة شائكة ومازالت مستمرة دون حسم ولكن لي ملحوظة حول مصطلح العلمانية المؤمنة معنى العلمانية يجب أن نفهمه في أصل وضعه وفي بيئته عندها نكتشف أنها ضد الدين بلا رحمة فإذا أضفنا إلى هذا المصطلح لفظة المؤمنة فقد جمعنا بين النقيضين إذا كيف تنعت العلمانية بالمؤمنة مع أن أصحاب هذا الطرح يرتكبون جريمة حين يضعون الإسلام تحت رحمة العلمانية فهي التي تسمح له بحرية العقيدة وحرية الشعائر ،مجرد أنها هي التي تسمح بهذا للإسلام فقد أصبح تحت رحمة العلمانية من جهة ومن جهة ثانية فهذا اعتراف صريح بمعاداة العلمانية للإسلام إذ أنها سمحت بحرية العقيدة والشعائر ولم تسمح بحرية الشريعة ... فما فائدة العلمانة المؤمنة إذا إذا كانت العقيدة في القلب والشعائر في البيت لا سلطان لأحد عليها من الشيوعيين أو الملاحدة أو أي نظام دكتاتوري وإذا سمحت العلمانية بحرية الاحتكام للشريعة فهذا هو النظام الإسلامي فأين العلمانية المؤمنة خالص تحياتي للأستاذ الكبير بسام والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
م احمد
الإثنين، 19-10-2015 02:46 م
لما لا نغوص فى التفصيل بدل المسميات حتى لا يختلط علينا الافكار دولة تشريعتها مستمدة من الشريعة الاسلامية و لا تتعارض معها و تتعامل مع المواطنين على نفس المستوى بغض النظر عن دينه تختار للوظائف منه هو اكفأ بغض النظر عن دينه تترك الحرية للعبادة بس يكون معلوم للمجتمع و ليس سرا