ملفات وتقارير

روسيا واجهت صعوبات في إصابة أهدافها قبل التدخل بسوريا

روسيا أخطأت أهدافها مرات عديدة في حربها مع جورجيا وبتدخلها بسوريا - أ ف ب
روسيا أخطأت أهدافها مرات عديدة في حربها مع جورجيا وبتدخلها بسوريا - أ ف ب
يحوي فناء مبنى سكني ببلدة جوري في جورجيا، الجمهورية السوفيتية سابقا، دليلا على ما إذا كانت الضربات الجوية الروسية على أهداف في سوريا تنفذ بدرجة الدقة التي يريد الكرملين أن يصدقها العالم، وأن ينظر إلى أن سلاح الجو الروسي يتمتع بدرجة دقة عالية.

فالبلدة تحوي ضريحا بدائيا مقاما من شظايا المقذوفات للسكان الخمسة الذين قتلوا خلال الحرب بين روسيا وجورجيا في آب/ أغسطس 2008، حين أخطأت مقاتلة روسية الهدف، وأصابت المبنى السكني. 

ويعتقد مسؤولون دفاعيون في جورجيا بأن الطائرة التابعة لسلاح الجو الروسي كانت تستهدف فوج دبابات على مقربة.

من جهته، قال افتانديل ماخرادجه -وهو من سكان جوري- "هل نستطيع أن نقول إن ضرباتهم كانت دقيقة؟ لا أظن ذلك".

وشهدت الحرب في جورجيا المرة الأخيرة التي تشن فيها القوات الجوية الروسية ضربات بهدف القتال، قبل أن تبدأ موسكو عمليتها العسكرية في سوريا الشهر الماضي.

وهناك اختلافات بين الحملتين؛ حيث خضع الجيش الروسي لتحديث كبير منذ حرب جورجيا، والاختلاف الثاني أن سوريا لا يوجد فيها صواريخ مضادة للطائرات تستهدف الطائرات الروسية كما كان الحال في جورجيا، وهو ما يتيح لها الوقت الكافي لتحديد أهدافها.

لكن هناك أوجه تشابه أيضا، بالتالي فإن أداء الطيران الروسي في حرب جورجيا يمكن أن يلقي الضوء على العملية في سوريا، حيث يستحيل إجراء تقييم مستقل للضربات الروسية على الأرض.

على الرغم من وجود أسلحة موجهة بدقة ضمن ترسانة روسيا، فإن غالبية القنابل التي تستخدمها في سوريا غير موجهة، وكانت من أسباب الضربات التي أخطأت إصابة أهدافها في جورجيا.

وبحسب وكالة "رويترز"، فإن وزارة الدفاع الروسية لم ترد على طلب للتعليق على دقة ضرباتها الجوية في سوريا.

وكانت الوزارة ذكرت في تصريحات أنها تبذل كل ما في وسعها لضمان دقة الضربات، وتفادي إيذاء المدنيين، وينطوي ذلك على عدم ضرب أهداف في مناطق مأهولة بتاتا، والتحرك بناء على معلومات مؤكدة. ونفت الوزارة تقارير إعلامية أفادت بأن ضرباتها أسفرت عن وقوع خسائر بين المدنيين.

أخطاء إصابة الهدف


من جانبه، قال باتو كوتيليا الذي كان نائبا لوزير الدفاع في جورجيا، وقت الحرب عام 2008، إن 50 في المئة من الضربات الجوية الروسية في جورجيا أخطأت إصابة أهدافها، وإن 40 في المئة من القنابل التي أسقطتها لم تنفجر. ولم يتسن التحقق من هذه النسب من مصدر مستقل.

وقال كوتيليا في مقابلة إن "الجيش الروسي وريث للجيش السوفيتي ودقة الضربات لم تكن أولوية بالنسبة له قط".

وبعيدا عن حادث المبنى السكني، فإن الضربات التي أخطأت إصابة الهدف التي ذكرها مسؤولون من جورجيا شملت غارات على مستشفى في جوري والميدان الرئيس في البلدة، وقصف مكتب لخفر السواحل في ميناء بوتي وضربة قرب منتجع بورجومي، وإحراق مئات الأفدنة في إحدى الغابات.

وفي 12 آب/ أغسطس 2008، ثقبت شظايا من قنبلة عنقودية أسقطت من الجو في جوري مركبة مصفحة بيضاء كانت تقل فريقا من الصحفيين. ولم تكن الطائرات الجورجية تقوم بعمليات في ذلك الوقت، وبالتالي فإنها لا يمكن أن تكون أسقطتها.

ولا توجد أرقام موثوق بها عن أعداد المدنيين الذين قتلوا في الضربات الجوية في حرب جورجيا.

خرائط سوفيتية

تشير مقابلات مع مسؤولين أمنيين من جورجيا ودراسات أجراها خبراء عسكريون غربيون إلى ثلاثة أسباب لمواجهة القوات الجوية الروسية صعوبات للقصف بدقة.

أولها هو أنها لم تتمكن من تحييد قدرات الصواريخ الجورجية المضادة للطائرات. وبعد أن أسقطت بطارية صواريخ جورجية طائرة من طراز "توبوليف – 22" اضطر الطيارون للطيران بطائراتهم على ارتفاعات أعلى وبسرعة أكبر تفاديا لإسقاطها، وهو ما حد من دقة الضربات.

لكن هذا العامل غير موجود في سوريا، لأن مقاتلي التنظيمات المسلحة والفصائل المعارضة لا تملك أسلحة قادرة على إسقاط طائرة.

أما السبب الثاني فهو نقص معلومات المخابرات.

بدوره، قال كوتيليا، نائب وزير الدفاع الجورجي السابق، إن سلاح الجو الروسي كان يعتمد اعتمادا أساسيا على خرائط ترجع للحقبة السوفيتية للتخطيط لأماكن الضربات؛ لأنه يفتقر إلى معلومات أحدث.

وأضاف أن "الكثير من الأهداف العسكرية على هذه الخرائط لم تكن مستخدمة عام 2008، وهذا أيضا من أسباب عدم دقة الكثير من ضرباتهم الجوية".

وأظهرت دراسة عام 2011 أجراها معهد الدراسات الاستراتيجية -وهو مؤسسة بحثية تابعة للجيش الأمريكي- أن روسيا قصفت مطارا عسكريا يرجع إلى الحقبة السوفيتية في فازياني قرب تفليس، على الرغم من أنه لم يستخدم في طلعات جوية عسكرية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.

في الوقت ذاته، يشير التقرير إلى أن الطيران الروسي أهمل مهاجمة قاعدة عسكرية جورجية جديدة على مشارف جوري، ولم يتم تحييدها إلى أن وصلت القوات البرية الروسية.

أما في سوريا، فيقول مسؤولون روس إنهم يستخدمون في سوريا طائرات استطلاع بلا طيار وصور الأقمار الصناعية لتقييم الأهداف، وإن حلفاءهم في الجيش السوري يقدمون لهم المعلومات عن الأهداف.

ذخيرة دقيقة التوجيه

كانت المشكلة الثالثة التي عانت منها القوات الجوية الروسية في جورجيا هي اعتمادها على الذخيرة غير الموجهة، وهو الأمر الذي ما زال يسبب لها صعوبات في سوريا بعد مرور سبع سنوات.

في حملتها الجوية على جورجيا، استخدمت روسيا بالأساس طائرات من طراز "سوخوي-24" و"سوخوي 25" المقاتلة. وتعمل الطائرات من هذين الطرازين منذ الحقبة السوفيتية.

وهي لم تطلق سوى ذخائر غير موجهة. ويرجع هذا إلى التشويش على نظام تحديد المواقع العالمي الذي يمكن استخدامه لتوجيه الذخيرة، بينما لم يكن نظام جلوناس الروسي المنافس جاهزا للاستخدام بعد.

أما في سوريا، فقد دخل نظام جلوناس الخدمة، وتستخدم القوات الجوية المقاتلات من طراز سوخوي-34 التي انضمت إلى سلاح الجو منذ عام 2014، المجهزة لقذف قنابل (كاب) الموجهة. وتستخدم روسيا أيضا صواريخ من طراز كاليبر التي تطلق من سفن من بحر قزوين.

لكنها لا تلجأ لاستخدام هذه الصواريخ إلا قليلا. وكانت الضربات بصواريخ كاليبر قليلة، ولم تستمر طويلا، ولم يعلن الجيش عن استخدامه لها منذ الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري.

وقال الكاتب الصحفي المتخصص في الشؤون الدفاعية، ألكسندر جولتز، نائب رئيس تحرير صحيفة "يجدنفني جورنال" على الإنترنت: "ليست هناك سوى أربع طائرات من طراز سوخوي-34 الجديدة التي تطلق الذخيرة الموجهة بين المقاتلات الروسية التي تشن الضربات الجوية في سوريا".

وهذه نسبة صغيرة بين أكثر من 50 مقاتلة وطائرة هليكوبتر تقول روسيا إنها تستخدمها في سوريا. وتنفذ معظم الطلعات الجوية بطائرات "سوخوي-24" و"سوخوي-25"، وهي مزودة بذخيرة غير موجهة.

وقال محرر شؤون أوروبا وكومنولث الدول المستقلة في مؤسسة "آي.إتش.إس" لاستشارات الطيران والدفاع والأمن، نيك دو لاريناجا: "الميزة الرئيسية للذخيرة الموجهة هي أن احتمال إصابتك هدفك أكبر بكثير".

وأضاف أن "عيبها الرئيس هو تكلفتها التي هي أعلى بكثير من القنابل غير الموجهة".
التعليقات (0)