مدونات

في كل شتاء...

مخيم أطمة - لاجئين سوريين - قرب الحدود التركية 28-11-2014
مخيم أطمة - لاجئين سوريين - قرب الحدود التركية 28-11-2014
بالرغم من التحذيرات المتكررة التي سبقت شتاء العام الماضي وكونه الأشد قساوة منذ سنوات؛ إلا أنه حل ضيفا ثقيلا على كثير من النازحين السوريين في داخل سوريا وفي مناطق النزوح بلبنان، وحصد معه أرواح عشرات الأطفال وكبار السن قبل أن نشهد استجابة للكارثة.

في كل سنة نرى المشهد ذاته؛ ضحايا جدد واستجابة متأخرة وأكوام من المساعدات الشتوية التي توجه نحو البلد المنكوب بعد فوات الأوان.

تبدأ الاستجابة الحقيقية في كل عام بعد سقوط أول ضحية، حيث يبدأ قطاع واسع من المتبرعين بالتفاعل - مع الأسف فنحن نحاول أن نحد من الموت لا أن نحفظ الحياة - وتبدأ الوكالات الإنسانية بتوريد مواد التدفئة والبطانيات بكميات كبيرة إلى حدود البلد المنكوب بدون دراسة حقيقية للاحتياجات المطلوبة أو رصد لحجم المعاناة التي يمكن على أساسها تصميم استجابة تناسب الكارثة، فتصبح الكارثة كارثتين؛ سوق سوداء لبيع المواد الإغاثية الفائضة عن الحاجة الناتجة عن عدم دراسة الاحتياج، وتأخير في الاستجابة قد تسبب بضياع الأرواح وتبدد الجهد والمال.

بعد أول ضحايا البرد في كل عام وفي مشهد يلخص جانباً من الواقع؛ تبدأ مصانع البطانيات في بلد مجاور لسوريا بالعمل ليلا نهارا لتلبي طلبات الوكالات الإنسانية، وبعد خمس سنوات لا يزال يتكرر المشهد ذاته؛ قال لي أحد الزملاء ساخرا قبل أيام: لو تم تخييط البطانيات التي دخلت إلى سوريا خلال السنوات الأربع الماضية ووضعها جنبا إلى جنب لغطت سوريا وحجبت عنها الشمس.

في كل عام نرى على شاشات التلفاز وفي الصحف والأخبار الخيام في عشرات المخيمات في داخل سوريا وفي عرسال تهدم فوق رؤوس أصحابها جراء الأمطار الغزيرة وأكوام الثلوج المتراكمة، ويمر بعدها ربيع وصيف وخريف ولا يتم التخطيط لتجنب المأساة، وكأننا ننتظر المشهد ذاته ليتكرر!

بالرغم من ان الأرصاد الجوية باتت أكثر دقة وتنبيء بالكوارث قبل حدوثها بأشهر أو حتى بأعوام، والكوارث الموسمية صارت معروفة لكل الوكالات الإنسانية العاملة، والناشطين الإنسانيين إلا أن الاستجابة دائماً ما تأتي متأخرة أياماً وأسابيع عن قدوم الكارثة، بل وفي بعض الحالات تأتي الاستجابة بعد انتهاء الكارثة.

في نهايات شتاء العام الماضي شهدت تقديم أحد المؤسسات المانحة مشروع بما يزيد عن 300 طن من الفحم الحجري خلال شهر مارس - أي بعد انتهاء موجات البرد القاسية - وتم توزيعه بصورة غير منطقية لإنهاء المشروع الذي لا بد وأن ينفذ في إطار "الشتاء"!! وقد رمى المستفيدون أكياس الفحم أمام بيوتهم بدلا من أن يرموها في مدافئهم التي كانت باردة خلال شتاء قاس مر عليهم!!

يمكننا الجزم بأننا نحتاج اليوم لاستجابة مختلفة، تفكر مبكرا وتستقريء المستقبل وتقدر الاحتياجات الإنسانية وتقيم كل تجربة لتحسن في التي تليها، إن الاستجابة المختلفة هي ما سيمكننا من حل مشاكلنا المستعصية بعيدا عن العودة لذات منهجية التفكير والتفاعل السابقة لكي لا نقع في دائرة الجنون

"الجنون هو أن تفعل نفس الشيء مرة بعد أخرى وتتوقع نتائج مختلفة!" (آينشتاين)..

* كاتب ومدوّن، المدير التنفيذي للهيئة العالمية للإغاثة والتنمية (انصر) - سوريا

إنستغرام وتويتر: @hamzaelabdulla
فيسبوك: Hamza El Abdulla
التعليقات (0)

خبر عاجل