صحافة دولية

جون أفريك الفرنسية: المخابرات الجزائرية "بحلة جديدة"

كسر طرطاق خلال مؤتمر الشرطة الإفريقية الصورة النمطية لمسؤولي المخابرات في الجزائر - أ ف ب
كسر طرطاق خلال مؤتمر الشرطة الإفريقية الصورة النمطية لمسؤولي المخابرات في الجزائر - أ ف ب
نشرت مجلة جون أفريك الفرنسية تقريرا حول الاستراتيجية الجديدة لرئيس المخابرات الجزائرية عثمان طرطاق، قالت فيه إن التغييرات التي أدخلها الرئيس بوتفليقة والجنرال طرطاق على هذا الجهاز تهدف لإعطاء انطباع بوجود تغيير حقيقي في أسلوب عمل الأجهزة الأمنية الجزائرية وعلاقتها بالدولة.

وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الجنرال عثمان طرطاق يحب الألوان الزاهية، ففي آخر اجتماع لقادة الشرطة الأفارقة "أفريبول"، لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، في 13 من كانون الأول/ ديسمبر 2015، ظهر طرطاق وهو يرتدي بدلة سوداء وقميصا أزرق وربطة عنق وردية، في أول ظهور له منذ فترة طويلة، وقد أثار هذا الظهور اهتماما إعلاميا كبيرا، غطى على مخرجات هذا الاجتماع الهام الذي حضره أبرز قادة الأجهزة الأمنية الإفريقية.

واعتبرت المجلة أن هذا الظهور بربطة العنق الوردية أراد من خلاله طرطاق أن يظهر بصورة معاكسة لسلفه الجنرال توفيق، الذي كان رجلا غامضا ومهابا ولا يظهر أبدا بشكل علني. وقد عبرت وسائل الإعلام المحلية عن هذا الظهور المفاجئ بالقول إن "طرطاق أنهى أسطورة الرجل الشبح (الجنرال توفيق)".

وذكرت المجلة أن الجنرال طرطاق كان قد عين قبل ثلاثة أشهر كمدير لجهاز الأمن والاستعلامات الجزائري المعروف بجهاز المخابرات، ليحل مكان الجنرال محمد مدين المحسوب على الجيش الجزائري.

ويبدو أن الاستراتيجية الجديدة لطرطاق تعتمد على الخروج من الظل إلى الضوء، وإثارة اهتمام الإعلام؛ من أجل محو الهالة التي لطالما رافقت الجنرال توفيق، الذي لا توجد له أي صورة رسمية في أي من وسائل الإعلام المحلية.

ورأت المجلة أن الرسالة التي يود طرطاق توجيهها هي أن "جهاز المخابرات لم يعد تحت إدارة رجل عسكري، بل أصبح يقوده مدني، وهذا التغيير الرمزي ستتبعه تغييرات أخرى أكثر عمقا وتأثيرا".

وذكرت المجلة أنه في 21 كانون الثاني/ يناير 2016، كان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قد أصدر مرسوما غير قابل للنشر يعني فعليا حل جهاز المخابرات، وبعد أربعة أشهر من إقالة الجنرال توفيق الذي ظل على رأس هذا الجهاز لمدة 25 سنة، اعتُبر خلالها الحاكم الفعلي للجزائر، أنهى الرئيس عملية طويلة ومعقدة شرع فيها منذ سنوات لإعادة هيكلة المخابرات وتبديد مخاوفه منها، عبر تقسيمها إلى ثلاث مؤسسات أصغر، هي الإدارة العامة للأمن الداخلي، والإدارة العامة للتوثيق والأمن الخارجي (مكافحة التجسس)، والإدارة العامة للاستعلامات التقنية، وتم وضع هذه المؤسسات الثلاث تحت نظر الرئيس بوتفليقة، لينهي بذلك مرحلة كانت فيها المخابرات توصف بأنها دولة داخل الدولة، تتجاوز قوتها وزير الدفاع ورئيس الجمهورية، وتتدخل حتى في تعيينات المناصب العليا.

كما أشارت المجلة إلى تغيير آخر طرأ على هذا الجهاز بعد ذلك، وهو أن عثمان طرطاق البالغ من العمر 66 سنة، أصبح اليوم يشغل منصب مستشار لدى الرئيس بوتفليقة مكلفا بالتنسيق بين هذه المؤسسات الأمنية الثلاث، مهمته هي مراقبة نشاطها وإطلاع الرئيس على كل كبيرة وصغيرة، على عكس الجنرال توفيق الذي كان يقوم بعدة مناورات فردية ويتخذ قراراته دون الرجوع للرئاسة.

وذكرت المجلة أن سلسلة التغييرات طالت أيضا مقرات هذه الأجهزة الأمنية، التي تم نقلها إلى مقرات جديدة في منطقة الدويرة في جنوب غرب العاصمة الجزائرية، وتحديدا إلى قصر "هولدن"، الذي احتجز فيه الرئيس السابق أحمد بن بلة خلال سنوات السبعينات.

وقالت المجلة إنه في غياب أي تفسير رسمي لهذه الخطوات التي اتخذها رئيس الجمهورية، وآخرها القرار الخطير بحل جهاز المخابرات، تنوعت التحليلات وتعددت المواقف لدى الرأي العام الجزائري والطبقة السياسية، بين من اعتبرها "مجرد خطوة دعائية لا قيمة لها"، على غرار الوزير السابق عبد العزيز رحابي، ومن رأى فيها "خطوة ممتازة تهدف لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والتقدم بها نحو مزيد المهنية والفاعلية".

ونقلت المجلة رأي ضابط سابق في المخابرات الجزائرية، قال "إن الرئيس بوتفليقة أراد من خلال هذه التغييرات والحلة الجديدة التي أدخلها على ما كان يعرف بجهاز المخابرات، النسج على منوال النموذج الفرنسي، وعدم السماح لأي مؤسسة في البلاد بأن تحظى بنفوذ أو تتمتع بصلاحيات تتجاوز رئاسة الدولة، وهو ما كان عليه جهاز المخابرات طيلة خمسة وعشرين سنة الماضية.

وتساءلت المجلة حول ما إذا كان رحيل الجنرال توفيق وتفكيك جهاز المخابرات علامة على نهاية البوليس السياسي في الجزائر، وإرساء أجهزة أمنية ذات طابع مدني لا عسكري، لكنها اعتبرت أن لا شيء يؤشر على حدوث هذه التغييرات، حيث إن القرارات الجديدة لبوتفليقة تأتي في سياق إقليمي ودولي حساس وخطير، وإذا كانت العشرية السوداء خلال سنوات التسعينيات من القرن الماضي قد فتحت الباب لتغوّل جهاز المخابرات وسيطرته على الدولة، فإن البلاد تواجه اليوم أيضا تحديات أمنية لا تقل خطورة، قد لا تترك المجال لإجراء الإصلاحات، خاصة مع المخاطر الإرهابية الكبيرة القادمة من الغرب والشرق والجنوب.

وذكرت المجلة في هذا السياق أن الجزائر تعيش حالة استنفار أمني كبير؛ بسبب التهديد الوشيك الذي أصبح يمثله تنظيم الدولة في ليبيا، وتفاقم ظاهرة تهريب الأسلحة والمخدرات، كما أن هذه الأخطار الخارجية ليست الوحيدة التي تهدد البلاد، حيث إن الأزمة الاقتصادية وانهيار أسعار البترول، والغموض الذي يلف حالة الرئيس المريض الذي بلغ 79 سنة من العمر في بداية الشهر الحالي، ومسألة خلافته، كلها نقاط غامضة تعمق حيرة الجزائريين.
التعليقات (1)
الدسوقي
السبت، 09-04-2016 12:09 ص
سبحان الله، ما أصدق قول سيدنا موسى عليه السلام لبني إسرائيل عندما أخرجهم من الأسر في مصر؛ في الجزائريين الذين كانوا عبيدا لفرنسا ، فأنعم الله تعالى عليهم بالحرية و الانعتاق من ربقة المحتل الصليبي الكافر : ( عسى ربكم أن يهلك عدوكم و يستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ). فقد أهلك الله فرنسا و جيشها الجرار بل و الحلف الأطلسي الذي دعمها و آزرها ، و مكن للجزائريين في أرضهم بعد عبودية دامت 132 سنة ، و لكنهم ( بدلوا نعمة الله كفرا و أحلوا قومهم دار البوار ) و العياذ بالله ، و تلك - و لا شك - عاقبة القوم الظالمين.