مقالات مختارة

آمال العرب بمساعدة الآخرين تعقد أزماتهم

محمود علوش
1300x600
1300x600
الناظر إلى أحوال العالم العربي يكاد يصاب بالصدمة والذهول جراء حجم الفوضى التي تنتشر كالنار في الهشيم. قبيل عام 2011، كنا نتحدث عن صراع داخلي في العراق بفعل الغزو الأمريكي وما خلّفه من تأجيج لمشاعر الطائفية في هذا البلد. بعد اندلاع الثورات العربية في 2011 تغيّر كل شيئ. رقعة الفوضى توسّعت بشكل جنوني، لتشمل سوريا ولبنان ومصر وليبيا واليمن والحبل على الجرار.

طبعاً قضية فلسطين تختلف بشكل جوهري عن الأزمات العربية المستجدّة، كون القضية هنا مقاومة احتلال إسرائيلي لا يعرف أدنى أدبيات الحرب. النكبة أفرزت نكبات جديدة كالانقسام. لم يُحرك العرب ساكناً لردم الهوة بين أبناء القضية الواحدة إلاّ ما رحم. حتى في أكثر المسائل حساسية، وأعني بها عملية السلام، لا يزال العرب يتغنون بمبادرة طرحوها قبل 14 عاماً في بيروت من باب رفع العتب، رغم أن الزمن عفى عليها، والاستيطان والتهويد الإسرائيليين غيّرا كثيراً من المعالم الفلسطينية منذ تلك الفترة.

حجم ومساحة الفوضى الحالية لا يمكن الاستهانة بها، وكان من الخطأ الاعتقاد بأنها ستنحصر في هذه الدول من دون أن تمتد إلى أخرى. هذا أمر طبيعي. فالخليج على سبيل المثال جزء من المنظومة العربية المنهارة وتأثّره بالفوضى حتمي. بالطبع، لم تكن الدول الخليجية ترغب في بناء أسوار على حدودها لتجنب الفوضى الكبرى، كما يفعل الأوروبيون حالياً مع اللاجئين.

نكبة سوريا لا تعلو عليها نكبات. جيّد أن تخرج يومياً من العواصم العربية التي لم تصب بداء الفوضى بشكلها التقليدي تصريحات مؤيدة لثورة السوريين. لكن هل تكفي؟ حتى السلاح الذي يُقدم للثوار السوريين يجاهد لتخطي الفيتو الأمريكي. في مساعي تسوية الأزمة حدّث ولا حرج. لم يقدم العرب على خطوات جادّة وعملية لوقف نزيف الدم السوري. جل ما يفعلوه إرسال وزراء خارجيتهم إلى جنيف وموسكو وواشنطن لتسجيل الحضور والتوقيع على بيانات يكتبها جون كيري وسيرجي لافروف.

في العراق، انسحبوا قبيل الانسحاب الأمريكي، وتركوا الساحة لإيران وميليشياتها تسرح وتمرح دون حسيب أو رقيب. تحوّلت بغداد بفعل "اللاستراتيجية العربية" إلى تهديد لدول الجوار بدل أن تكون خطّ دفاع عنها في وجه المد الفارسي. نفس الخطأ ارتبكوه في لبنان. فضّلوا دعم مؤسسات الدولة لكي تبقى قائمة من دون أن يواجهوا سطوة حزب الله عليها. من كان يتصور أن يخالف وزير خارجية هذا البلد الإجماع العربي في المحافل الدولية ضد بيان يندد بالتدخلات الإيرانية في الشؤون العربية؟

في ليبيا، كانت بعثة الأمم المتحدة للدعم أكثر حضوراً من الجامعة العربية في رعاية الانتقال السياسي من اللادولة إلى الدولة بعد ثورة فبراير. من الطبيعي أن تفشل هذه الجهود في ظل الغياب العربي. اليوم ظهرت معضلة جديدة هناك هي داعش. المتابع لخوف الأوروبيين من تحول جارتهم الجنوبية إلى قاعدة للإرهاب يشعر بأن ليبيا أوروبية وليست عربية.

في اليمن قد يختلف الأمر بعض الشيئ. السعودية أطلقت عاصفة الحزم وشكّلت تحالفاً عربياً لإنهاء انقلاب الحوثيين. حسناً فعلت. لكن التردد في حسم المعركة والدخول في متاهة المفاوضات قد يكون له نتائج عكسية، وهذا ما يبدو جلياً في عدم جدّية المتمردين في البحث عن مخرج سياسي في المشاورات الحالية بالكويت وما سبقها من محادثات.

الخاسر من الربيع العربي، كان من الطبيعي أن يحمّله مسؤولية الفوضى لأنه خاسر، فيما المتضرر لم يكتف برفضه له، بل ذهب إلى حد معاداته. أتساءل لو أن هذا المتضرر لم يعادي الثورات ويدعم مثيلاتها المضادّة، هل كنا سنصل إلى ما نحن فيه اليوم؟. أما وقد وصلنا إلى هذا الحال، فما الحل؟ وهل نملك وسائل هذا الحل؟

معروف عن العرب براعتهم في فن جلد الذات، وتاريخهم الحديث يبيّن أنهم كانوا دائماً في موقع ردّة الفعل رغم أنه الفعل بعينه، على قاعدة أن العين بصيرة واليد قصيرة. أقل اتفاقاتهم أن لا يتفقوا، وأقصى اختلافاتهم أن يتفقوا.

الانكفاء العربي في عدد من القضايا هو ما أفسح المجال للتدخل الإيراني والروسي والأمريكي وليس العكس. والاعتماد على اللاعب الخارجي يزيد من دوره الفوضوي في المنطقة. يمكن للعرب فعل الكثير، لكن بالتأكيد لا يمكنهم أن ينتظروا المساعدة من الخارج، فالواقع يثبت أن التدخل الخارجي يزيد الأمور تعقيداً.

(نقلا عن بوابة الشرق الإلكترونية)
التعليقات (0)