كتاب عربي 21

عندما يدافع علمانيون عن حزب التحرير

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600
قررت الحكومة التونسية منع حزب التحرير من عقد مؤتمره بإحدى قاعات العاصمة، ورغم أنه لا يقر بشرعية القضاء التونسي الراهن بحجة أنه لا يحتكم للشريعة، إلا أن الحزب تقدم بقضية للمحكمة الإدارية ضد الحكومة، وفوجئ الحزب بقرار المحكمة الإدارية التي أنصفته، حيث حكم ببطلان قرار المنع، لكن رغم ذلك أصرت وزارة الداخلية على حرمان الحزب من عقد المؤتمر، وبذلك يكون حزب التحرير هو أول حزب في تونس بعد الثورة يمنع بالقوة من تنظيم مؤتمره رغم تمتعه بالاعتراف القانوني.

كان من المتوقع أن يتجدد الصدام بين الحكومة وهذا الحزب بالذات، إذ تكررت الخلافات معه، وسبق أو وجهت له عديد التحذيرات، لكن المفاجأة التي حصلت أن عديد الأحزاب والأطراف العلمانية المختلفة كليا مع الحزب وتوجهاته، احتجت على قرار المنع، وهاجمت الحكومة بشدة، واعتبرت قرار المنع مخالفا للدستور وللديمقراطية.

بل ذهب الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي إلى حد القول ''عندما يبدأ التلاعب بالمبادئ وبالثوابت ثم بقرارات القضاء فاعلم أن الديمقراطية في خطر"، وأضاف "أن نقبل أيديولوجيا حزب التحرير أو أن نرفضه مسألة شخصية وخيار سياسي - والكل يعرف أنني أبعد ما يمكن عن هذا الخيار - لكن المبدأ الذي ارتضيناه في دستورنا أن لكل التونسيين - طالما أنهم لم يمارسوا العنف ولم يلجأوا للإرهاب البغيض - حق التنظم وحق الدفاع عن رؤاهم وبالتالي الحق في عقد اجتماع أو مؤتمر"، كما نددت أحزاب أخرى بالقرار من بينها حركة الشعب ذات التوجه الناصري، ووصفته بأنه "قرار سياسي وليس قانونيا".

لقد سبق أن أثار الاعتراف القانوني بحزب التحرير جدلا واسعا في تونس، ويستمر هذا الجدل إلى حد اليوم، إذ يكاد الحزب يشكل حالة شاذة في بلد يتجه نحو إرساء نظام ديمقراطي قائم على التعددية والاحتكام إلى سيادة الشعب، ورغم أن الحزب مقطوع الصلة بجميع مكونات المشهد السياسي، إلا أنه حافظ على الالتزام بشرطين هامين. أولهما عدم الاقتراب من دائرة العنف، حيث لم يثبت تورطه في أي عملية إرهابية إضافة إلى تنديده بتنظيم داعش، وثانيا خضوعه للإجراءات القانونية التي يقبل بتنفيذها على مضض لكنه يتجنب أن يجد نفسه متهما بالتمرد على القوانين ومؤسسات الدولة.

يتناقض حزب التحرير مع العلمانيين بشكل يكاد يكون مطلقا سواء على الصعيد الفلسفي أو السياسي، إذ يرى فيهم عملاء للغرب والاستعمار، ويتهمهم بتخريب الأمة ومحاربة الإسلام، ومع ذلك يجد العديد منهم يقفون اليوم إلى جانبه، ويدافعون عن حقه في الوجود وفي التمتع بكل الحقوق الدستورية والقانونية التي يوفرها الدستور والتشريع التونسي للأحزاب. فعلوا ذلك وهم يعلمون أنهم في ظل الخلافة التي يسعى حزب التحرير إلى إقامتها، لن يسمح لهم أن ينشطوا كأحزاب علمانية.

لا شك في أن هذا الموقف المبدئي الذي اتخذته هذه الأطراف العلمانية تجاه حزب التحرير يعتبر إيجابيا، حتى لو اختلط مع دوافع تكتيكية كما يقول البعض، فصحيح أن لحكومة الصيد وجهة نظر دفعتها إلى تضييق الخناق على حزب التحرير بحكم أنه يسعى نحو تقويض الدولة الوطنية، ولا يزال مصرا على رفع راياته السود البديلة عن العلم التونسي وغير ذلك من الاعتبارات، و لهذا وصف كمال الجندوبي وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان قرار المنع بأنه "قرار حكومي وطني سيادي ومسؤول، يستند إلى عدد من الدواعي الموضوعية".

لكن رغم ذلك فإن قرار منع عقد مؤتمر الحزب لم يكن يستند على مبررات مقنعة، وهو ما جعله يفسر بكونه إجراء سياسيا أكثر منه أمنيا، وبما أن حزب التحرير يتمتع بالترخيص القانوني، أصبح لزاما على مؤسسات الدولة احترام ما يضمنه التشريعات من حقوق لجميع الأحزاب بدون استثناء.

من المعضلات التي بقي حزب التحرير يعاني منها عدم قدرته على التكيف مع الخصوصيات القطرية، وذلك بالرغم من الفرص التي أتيحت له في أكثر من تجربة، فهو معترف به في بلدين من العالم العربي، لبنان وتونس، مع ذلك حافظ على نفس الخطاب، ونفس المقترحات، ونفس وسائل التنظيم والعمل، وكأنه فاقد القدرة على تعديل أيديولوجيته ورؤاه السياسية، فتونس تختلف عن الأردن أو عن اليمن، ولا يمكن أن يستوعب شعبها حلولا جاهزة لا تستجيب لحاجياته أو تتعارض مع خصوصياته، وتكفي الإشارة في هذا السياق أنه رغم المخاطر الكبرى التي تواجه البلاد بسبب ما تخطط له "داعش"، يصر الحزب على أن يكون مؤتمره تحت شعار "الخلافة القادمة منقذة العالم".

خلافات حزب التحرير لا تقف عند العلمانيين، بل تمتد لتشمل أيضا حركة النهضة حيث سبق له أن اتهم قيادتها بالتخلي عن الإسلام بعد أن استجابت للضغوط ووافقت على عدم التنصيص على الشريعة في الدستور التونسي الجديد. وقد تعددت الاشتباكات اللفظية بينهما، ويعتبر حزب التحرير أن حركة النهضة شريكة في منعه من عقد مؤتمره بحكم كونها جزء لا يتجزأ من الائتلاف الحاكم، وإن أحد قادة الحركة قد اعتبر أنه "ليس من حق أحد أن يمنعه حقا من حقوقه بمجرد إجراءات إدارية، هذا ليس من سلوكيات الدول الديمقراطية".

يمكن القول بأن حزب التحرير قد تعرض لمظلمة عندما منع من عقد مؤتمره السنوي، لكن الأهم من ذلك أن الحزب مطالب بتغييرات جوهرية إذا كان يريد أن يضمن لنفسه موقعا مؤثرا في التجربة التونسية.
التعليقات (6)
بيان جمال
الثلاثاء، 14-06-2016 02:13 م
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: إن مسألة عدم مخالفة الحزب للقوانين الإدارية في دول سايكس بيكو ، رغم إقراره بأن هذه الدول إن هي إلا كيانات مخالفٌ وجودها وتنظيمها وأسسها للشريعة الإسلامية، ويسعى ليستبدل بها نظام الخلافة الرباني، ليس تناقضاً كما يقول الكاتب، بل إن الحزب قد فصل موقفه وردَّ على هذه الشبهة .. وإن انضباط الحزب وعدم تورطه في أعمال عنف أو مخالفة للقوانين الإدارية لهي ميزة تدلل على جدارته كحزب رائد هو الوحيد القادر على قيادة هذه الأمة اولسير بها إلى بر الأمان .. أما مسألة "دفاع " العلمانيين عن حزب التحرير .. فليعد الكاتب النظر .. فليفكر وليقدر ثم لينظر : هل دافع هؤلاء عن حزب التحرير حقاً ؟ كيف وهم يصرحون بعدائهم له ومخالفتهم لفكره ؟ أم إنهم يدافعون عن عوار نظامهم ؟ ويدفعون عن قانونهم الوضعي ضربات وجهها النظام لنفسه حين خالفت وزارة الداخلية قرار القضاء ضاربة بالمفاهيم الديمقراطية التي تتغنى بها دولتكم العلمانية عرض الحائط ؟ إن هؤلاء لا يدافعون إلا عن هيبة ساقطة لدويلة تتخبط في قراراتها ويرعبها مؤتمر ، ليجعلها تدوس بنفسها قانونها وتشهد بفعلتها للناس كافة على عدم أهليته وكأن لسان حالها يقول:"هذا القانون صنم من تمر .. نعبده وقت نشاء ونأكله متى جعنا" ! فكفى مهاترات ومزايدات على حزب التحرير .. إنكم بانتقاداتكم غير البناءة ، القائمة على أسس واهية كمن يصطاد في الماء العكر .. فصونوا ماء وجهكم ، وليكن لكم موقف يشفع لكم عند الله يوم لا ينفع مال ولا بنون ..
أسامة بن شعيب
الإثنين، 13-06-2016 09:35 م
هذا المقال يثبت أن حزب التحرير هو الرقم الصعب على الساحة السياسية... ليس في تونس فقط بل على المستوى الإقليمي وحتى الدولي ... وما يراه الكاتب الذي يعاني من انفصام في الإيديولوجيا نقاط ضعف هي بالأساس نقاط قوة حزب التحرير فالثبات والمبدئية والعالمية هي نقاط قوة هذا الحزب الذي قهر نظم العالم ... وآنى له ان يفقه هذا وهو ليس باليساري ولا بالإسلامي وإنما يريد ان يمزج ما إن مزج لصار نشازا فكريا وتهافتا ...
ايمن الدخلاوي
الإثنين، 13-06-2016 04:04 م
الاستاذ صلاح الدين الجورشي أحد مؤسسي ما يسمى باليسار الاسلامي بعد ان كان جزءا من حركة الاتجاه الاسلامي ثم حركة النهضة فيما بعد هذا الاشتراكي المتطرف الذي قدم تنازلات وصار يتحدث عن الديمقراطية صنم العجوة الجديد الذي يأكله عبّاده كلما احسوا بالجوع... الاحرى بك ان تدافع عن افكارك و تنشرها لا ان تقف وقفة الناقد الفذ وهي اكبر منك... صارح الناس بما تتبناه انت من افكار.. اتخذ حزب التحرير اسوة وقل للناس ما هو سر وجودك في الحياة ام ان الاستخبارات الامريكية قد اخذت منك كل مأخذ..
إبتهال
الإثنين، 13-06-2016 02:26 م
فقط للتوضيح: العلمانيون لم يدافعوا عن حزب التحرير التقي النقي - الذي لا يجتاج لأن يدافع عنه فهو ليس في وضع اتهام - بل دافعوا على دستورهم الوضعي وديمقراطيتهم العفنة.. أما حزب التحرير هذا الحزب العالمي الذي لا توقفه حدود خطّها الكافر المستعمر فشرذم أمة الإسلام، ماض في عمله لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وفكره عابر للقارات لا يوقفه قمع الحكومات وتضليلها فالحق يعلو ولا يعلى عليه ونصر الله وتمكينه آت هذا وعد الله { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } ..وبشرى رسوله عليه الصلاة والسلام: "ثم تكون خلافة على منهاج النبوة"
عفيفة الغالي
الإثنين، 13-06-2016 02:15 م
إن ما يُعرف عن حزب التحرير أنه حزب سياسي مبدؤه الاسلام و يعمل لاستئناف الحياة الاسلامية مبدؤه واضح و فكره مستنير و قدعمل في تونس منذ السبعينات و له قاعدة شعبية كبيرة فقد استقبل مؤتمره للعام الفارط أكثر من عشرة آلاف شخص. و من اامعروف أيضا أن فكر حزب التحرير يستند إلى القرآن و السنة في ثقافته و في مشروع الدستور الذي قدمه للأمة فكيف بهذا الفكر أن يعاني حسب قول الكاتب -من المعضلات التي بقي حزب التحرير يعاني منها عدم قدرته على التكيف مع الخصوصيات القطرية،- إن الاسلام كامل و شامل وهو نظام حياة لكل البشرية. و ليس على الحزب التغيير او التكيف مع الواقع ختى يُرضي الآخرين بل عليه الثبات الثبات على مبدئه حتى تتحقق بُشرى رسول الله