كتاب عربي 21

ودخل بنكيران قلعة الاتحاد الاشتراكي..!

طارق أوشن
1300x600
1300x600
عبد الإله بنكيران ليس فقط رئيس الحكومة المغربية الحالي أو زعيم حزب العدالة والتنمية "الإسلامي" الممددة ولايته حتى ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية المنتظرة شهر أكتوبر القادم، بل هو عضو سابق في "الشبيبة الإسلامية" المتهمة باغتيال رمز الاتحاديين عمر بنجلون منذ ما يقرب من أربعين سنة خلت.

والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ليس مجرد حزب سياسي "تائه" منذ انتهاء مرحلة قيادته ومشاركته في التجربة الحكومية السابقة لولاية "الإسلاميين"، و"اختياره" العودة إلى صفوف المعارضة "احتراما للاختيار الشعبي" الذي بوأه مراتب دنيا في آخر انتخابات برلمانية، بل هو ركن أساسي في التاريخ السياسي المغربي لم يتبق له غير تاريخه النضالي ورمزية "شهدائه" في سبيل إقرار الديمقراطية منهجا للحكم بالبلاد.

وعندما يلج عبد الإله بنكيران القلعة التاريخية للاتحاديين بلباسه الأبيض الناصع لإلقاء محاضرة دُعي إليها من طرف مؤسسة المشروع التابعة للحزب الاشتراكي، فإن الأمر ليس مجرد محاضرة رمضانية وكفى.

بعد انتخابه على رأس قيادة حزب الاتحاد الاشتراكي، حظي إدريس لشكر باستقبال ملكي خرج منه ليصرح أن "توجيهات جلالة الملك ستكون نبراسا للاتحاديين". بعد سنوات من قيادته فقد الاشتراكيون المغاربة البوصلة فصاروا، وعلى لسان لشكر، "معارضة جلالة الملك" بعد أن كانوا لعقود "معارضة لجلالة الملك"، ورأينا كيف تحالفوا انتخابيا مع حزب الأصالة والمعاصرة / حزب الوافد الجديد في أفق استحقاق 7 أكتوبر القادم، وكيف تبادل زعيمه ورئيس الحكومة السباب والاتهامات داخل قبة البرلمان قبل أن يدخل الرئيس نفسه القلعة الاتحادية ويحاضر داخلها.

صحيح أن رئيس الحكومة لم يلج المقر الحزبي إلا بعد استدعاء قوات الأمن لتأمين دخوله ضدا على احتجاجات منتسبين للشبيبة الاتحادية أعلنوا رفضهم دخول "قاتل عمر بنجلون" لمقر حزب عمر بنجلون. لكن بنكيران أكد من داخل المقر أنه بريء من دم "الشهيد" وأنه كان وقت اغتياله عضوا في الشبيبة الاتحادية التي حاول شبابها منعه من الدخول. لم يفسر بنكيران كيف استطاع، والحالة هاته، الانتقال تنظيميا لصفوف شبيبة أخرى إسلامية كانت المتهمة بجريمة الاغتيال، وهو انتقال يدين صاحبه أكثر مما يبرؤه.

لا يهم الأمر، فالمرحلة مرحلة قتل للرموز. خطاب بنكيران داخل المقر الاشتراكي أنهى رمزية بنجلون، وفي الرسالة الملكية غير المسبوقة، التي تلاها عبد الرحمن اليوسفي في الذكرى الخمسين لاختفاء المهدي بن بركة، إنهاء لرمزية صاحب "الاختيار الثوري".

وبفقدان ذكرى "الشهيدين" يتحول حزب القوات الشعبية إلى مجرد رقم بلا هوية ولا تاريخ يستند عليهما في إعلاء مشروعية وجوده في الساحة الحزبية المغربية بعد أن غادره الأتباع والمناضلون و"خذلته" الجماهير التي كثيرا ما اعتبر نفسه صوتها المعبر عن آلامها  قبل آمالها.

لقد صار حزب الوردة الذابلة ساحة تنافس بين طرفي الصراع في المعادلة الحزبية الجديدة بالمغرب بعد أن أنهكته السلطة مواجهة ومشاركة في التدبير العمومي. ولأن بنكيران متأكد من أن غريمه السياسي إلياس العماري يعد العدة بما توفر لديه من أسلحة للنزال الانتخابي المصيري مستقطبا الأحزاب والأعيان بل بعض منتسبي العدالة والتنمية ذاته، فلا سبيل لمواجهة مد الأصالة والمعاصرة إلا بمواجهته بمنطق "التحكم" نفسه في الأحزاب من الداخل كما يتنابز به الغريمين.

والاتحاد الاشتراكي، رغم وهنه الشديد، يبقى رمزا وورقة سياسية "أخلاقية" يمكن استعمالها في المواجهة خصوصا وأنه كان أول من وصف المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة بـ"الوافد الجديد" مع أول إطلالة له على المشهد السياسي رفضا لمنطق "التحكم" في المشهد الحزبي ورسم خرائطه بعيدا عن "الإرادة الشعبية" حتى قبل تأسيس حزب "الأصالة والمعاصرة".

عبد الإله بنكيران يلعب على الوتر نفسه، ويبحث عن حلفاء في أي اتجاه خصوصا من منطق "اليد الممدودة" في ظل انعدام الثقة في توجهات أغلب مكونات الأغلبية الحكومية التي يقودها. سنده في ذلك فك حزب الاستقلال، الحليف التقليدي للاتحاد الاشتراكي، ارتباطه بالأصالة والمعاصرة ما يجعل الاتحاديين معزولين عن حلفائهم الطبيعيين في "كتلة ديموقراطية" صارت ذكرا من التاريخ.

والتاريخ يقول أيضا إن كثيرا من الزعماء الاتحاديين طالبوا في فترات متفرقة بـ"كتلة تاريخية" تجمع اليساريين بالإسلاميين في مواجهة "الاستبداد" باعتبارها معبرا وحيدا إلى ديمقراطية حقيقية بالبلاد. التاريخ نفسه يقول إن الاتحاديين رفضوا في التجربة الانتخابية السابقة "تسخين كتف" بنكيران، وهو الذي كان يعوّل على دعمهم باعتبارهم "أفضل الخيارات الممكنة"، فيما اعتبر وقتها عرقلة للتجربة الناشئة في مواجهة تبرير القبول باختيار الناخبين.

ولأن الرسائل تبعث في الاتجاهات كلها، فقد كان إدريس لشكر ضيفا على مؤسسة "المشروع" نفسها أياما بعد "غزوة" بنكيران، وفيها أوضح أن "سمة الديمقراطية وقاعدتها تفرض التناوب"، حيث اعتبر أن التناوب الأول كان في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، فيما جاء التناوب الثاني في أعقاب انتخابات 2011، وأن الاشتغال يتم الآن على "التناوب الثالث الذي سيكون تناوبا يصحح كل الأخطاء ويقوم بمراجعات" قبل أن يختم بالقول: "نحن مع الحداثة، ولكننا امتداد للإسلام العقلاني الذي يتفاعل مع التحولات التي يعيشها المجتمع".

الأكيد أن إدريس لشكر يحتاج أيضا لقتل الرموز والقيادات التاريخية للانطلاق بمشروعه "غير المتوافق عليه" لقيادة سفينة حزب الوردة الذابلة.

مؤسسة المشروع للفكر والتكوين هي من دعت للمحاضرتين، وهو ما يجعل السؤال إن كانت الخطوة مساهمة عملية جنينية في تشكل ملامح "مشروع التناوب الثالث" أمرا "مشروعا".

كل القراءات تقول إن بنكيران ولشكر لم يدخلا المقر التاريخي للاتحاد الاشتراكي رغبة منهما في تدعيم مشاريع للفكر أو مناهج للتكوين.
التعليقات (0)