مقالات مختارة

فخ إلغاء خانة الديانة

محمود سلطان
1300x600
1300x600
أنا في غاية الدهشة من انسياق أقباط وراء تيار انتهازي يتمسح في "المواطنة" مدعيا انتصاره ل-"المظلومية القبطية".. فيما هو في واقع الحال يحكم وثاقه من عنق الأقباط، ويسوقهم سوقا صوب ما يضرهم ولا ينفعهم. 

عندما بدأ التحرش بالمادة الثانية للدستور "الإسلام دين الدولة"، وطالب البعض بإلغائها؛ بزعم أنها تؤسس ل-"الدولة الدينية"، وتبرر "التمييز" على أسس طائفية، وانخرط متطرفون أقباط في "الزفة".. كتب حينها المفكر القبطي د. رفيق حبيب، محذرا الكنيسة من خطورة حذف المادة الثانية؛ لأنها ستفقد البابا ولايته الروحية على المسيحيين المصريين، وشرح رفيق ذلك تفصيلا في دراسة له.

خلفت الدراسة التحذيرية –آنذاك- زلزالا عنيفا داخل القيادة الدينية الأرثوذكسية؛ ما جعلها تراجع موقفها.. وفي أيامه الأخيرة، أدرك البابا الراحل شنودة خطورة إلغاء المادة الثانية على ولاية الكنيسة، وعلى نفوذه هو شخصيا، وعلى سلطته الأبوية على تفاصيل الحياة القبطية في مصر.

أدرك البابا -في وقت متأخر- أن إلغاء مادة الشريعة يعني -بالتبعية- علمانية الدولة.. وكما هو معروف فإن الدولة العلمانية لا تقبل بالتعدد القانوني.. وسيخضع الجميع مسيحيين ومسلمين لقانون واحد، وستخسر الكنيسة نفوذها على المسيحيين، خاصة فيما يتعلق بملف الزواج والطلاق.

وقبل رحيله بعام تقريبا، طالب البابا شنودة الأقباط بالكف عن المطالبة بحذف المادة الثانية.. بدعوى عدم استفزاز المسلمين.. وهذا كان جزءا من الحقيقة، ولكن الجزء الآخر منها كان الحرص على احتفاظه بـ"نفوذه الروحي"، الذي كان حتما سيتضرر حال حُذفت تلك المادة؛ لأن الشريعة تعطي لأصحاب الديانات الأخرى حق الاحتكام إلى شرائعهم؛ لذا فإن الكنيسة من بعده لم تتحدث عن تلك المادة، ولكنها تكلمت عن المادة المفسرة لها، والتي أُضيفت في دستور 2012 ، في عهد الإخوان.

البابا شنودة لم يكن شخصية عادية، وإنما خبير ديني رفيع المستوى، أهلته كسياسي بارع، خبرته التي اكتسبها لمعايشته تجربتين سياسيتين كبيرتين ومختلفتين في مصر: السادات ومبارك.. صحح وبسرعة الوعي الرسمي للكنيسة، وخفف من الاندفاع خلف مخرجات التجاذبات السياسية، التي حاولت اختطاف الملف القبطي وتوظيفه في تصفية الحسابات مع الإسلاميين الأيديولوجيين، وخرج من الأزمة محتفظا بكل مكتسباته، وذلك بالانسحاب من الملاعب التي كانت آنذاك مشتعلة حول المادة الثانية. 

ويبدو لي أن خلفه البابا تواضروس، يحتاج إلى من يذكره بهذه الخبرة؛ لأن ثمة رأيا عاما قبطيا، بدأ يوجه بقصد للانتظام في هوجة إلغاء خانة الديانة من البطاقات الشخصية والوثائق الرسمية. 

وهي تشبه إلى حد التطابق لعبة إلغاء المادة الثانية.. ولكنها الأخطر على مستوى الهدوء الاجتماعي الداخلي، فهي لن تلغي التمييز كما قيل، لأنها قد تلغى من الخانة أو من الأوراق الرسمية.. ولكن سيبقى اسم ميخائيل وبطرس وإسحاق وأنطوان وغيره من أسماء متداولة بين المسيحيين وارتداء الصليب ورسم وشمه على المعصم، إعلانا عن الديانة.. وبالتالي فإنها ستكون ممارسة طائفية استفزازية بامتياز.. ومن جهة أخرى، فإن إلغاءها سيورط الأقباط في مشكلات لا حصر لها: قضايا الزواج والطلاق والميراث وما شابه. 

من الواضح إذن.. أنها معركة لا تبتغي تأصيل المواطنة.. وإنما تستهدف تحقيق انتصار سياسي وإحراز هدف في مرمى الآخرين.. وإني أربأ بعقلاء الأقباط أن يسلموا عقولهم لتجار الدم وأثرياء الحروب الدينية.. فالمواطنة لا تتحقق إلا بالعدالة وتطبيق القانون على الجميع.. والنضال السلمي المشترك من أجل دولة مدنية تحقق الرفاهية والكرامة للمصريين جميعا مسلمين وأقباطا.

المصريون المصرية

1
التعليقات (1)
د.يسري
الأربعاء، 03-08-2016 10:31 ص
يبدو أن الكاتب الأستاذ مجمود ليس على درجة عالية في علوم كرة القدم ... كرة القدم لعبة عظيمة المكر ... لابد من وجود فريقين أساسيين متنافسين -في ظاهر الأمر- وذلك لأذكاء نار الحماس بين المشجعين ... هذا بالأضافة الى بعض الفرق الصغيرة الكومبارس من أجل أن يمتلئ المسرح بالممثليين ... عندنا في مصر فريقان كرويان عريقان .. فريق الكنيسة الكروي ويرتدي زيا أسود اللون وفريق الوهابية الكروي ويرتدي زيا أحمر اللون ... دور الفريقين هو تحويل مجرى الغضب المجتمعي من المظالم وافراغه في أرض المستطيل الأخضر أو الأحمر أو أي لون ... المهم أن تتحول نيران غضب الجمهور بعيدا عن أعضاء مجلسي ادارة الفريقيين ومن ورائهما ... ألم أقل لك أن كرة القدم لعبة عظيمة في مكرها.