مقالات مختارة

زلزال ترامب والقضية الفلسطينية

هاني المصري
1300x600
1300x600
بالرغم من أنه من المبكر الحكم على تأثير فوز دونالد ترامب على القضية الفلسطينية لأنه جاء من خارج النظام، ومواقفه غير معروفة، ولا يمكن الحكم عليها من خلال ما صرح به ومساعديه أثناء الحملة الانتخابية، عدا عن كونه شخصا شعبويا عنصريا جاهلا ومتقلبا؛ إلا أنني سأحاول في هذا المقال إجراء قراءة أولية قد تكون عرضة للتغيير بعد مضي الأيام المائة الأولى على توليه للحكم، التي يتحدد فيها طاقمه ومساعدوه ووزراؤه وبرنامجه الحقيقي، إذ تختلف الرؤية من البيت الأبيض عنها من مقاعد المعارضة.

لا شك أن فوز ترامب أحدث زلزالا عالي الدرجة في زعيمة ما يسمى "العالم الحر" وأقوى دولة في العالم، لذا ستصل تداعياته إلى أركان الأرض الأربعة.

أنا أكتب هذا المقال من الولايات المتحدة، إذ شاهدت الصدمة والوجوم لدى الأمريكيين، حتى لدى بعض الذين صوتوا لترامب، فهم صوتوا له احتجاجا على النخبة السياسية الحاكمة من الحزبين، وعلى النظام المعمول به، وفي رسالة إلى ضرورة التغيير من دون أن يتوقعوا أن ساعة التغيير قد دنت، وأنه سيكون تغييرا إلى الوراء وليس كما من المفترض أن يكون إلى الأمام. ولو نافس الديمقراطي بيرني ساندرز ترامب بدلا من هيلاري كلينتون لكانت له، كما يشير بعض المراقبين والخبراء، فرصة كبيرة في الفوز، لأنه يحمل حلم التغيير الذي يحتاجه الأمريكي.

كيف يجد شخص مثله فرصة للنجاح رغم ما يتصف به من العنصرية والتحرش بالنساء، ويهدد المسلمين والسود والأقليات والمثليين والمهاجرين، ويهدد ببناء الجدران، وإلغاء نظام التأمين "أوباما كير"، واعتقال هيلاري كلينتون، وعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات إذا لم يفز بها، وتغيير اتفاقيات التجارة مع الدول، وإلغاء أو تجاوز الاتفاق النووي الإيراني، إضافة إلى منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة وتشجيع حمل السلاح في أركان الولايات المتحدة الأربعة، عدا عن دعوته إلى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس؟
فكيف يفور مثل هذا الشخص لو لم تكن الديمقراطية الأمريكية التي تعتبر من أرقى الديمقراطيات في العالم مشروخة وشكلية. 

هذه الديمقراطية هي ديمقراطية الأغنياء، واستمرار الاستغلال، ووضع ثروات البلاد الهائلة في يد حفنة من الأفراد لا يشكلون أكثر من عشرة في المائة، بينما الأغلبية الكبيرة من الفقراء أو المهددين بأن يصبحوا فقراء يجهدون أنفسهم ليل نهار للمحافظة على مستوى حياتهم.

إذا استعرضنا مواقف ترامب أثناء الحملة الانتخابية، سنجد أنها تغيّرت من الحديث الأولي عن حق الفلسطينيين في الحصول على حقوقهم وأن على إسرائيل دفع ثمن ما تحصل عليه من أمريكا، إلى انقلاب شامل وصل إلى التعهد بنقل السفارة إلى القدس وعدم السماح بإقامة دولة فلسطينية "إرهابية"، وأن الحل مفاوضات ثنائية دون إملاءات ولا تدخل من أحد، ما يجعل إسرائيل هي المتحكمة بها كليا وأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط المحاطة بالعداء والكراهية والتحريض المنطلق من رفض ما هو جيد فيها. كما أعلن في حملته الانتخابية، بفخر شديد، أن ابنته تزوجت من يهودي، وأنها حامل وستلد طفلا يهوديا، عدا عن قوله إن الاستيطان حق مشروع لإسرائيل.

قد يكون ترامب لجهله وافتقاده للخبرة ضحية الفريق المحيط به. والسؤال: هل سيكون تلميذا نجيبا ينفّذ السياسة التي تضع له مثلما كان رونالد ريغان، وهذا من أسوأ ما يمكن أن يحدث، لأن فريقه أكثر تطرفا من غلاة المتطرفين الإسرائيليين، أم سيكون متمردا عليها؟ والاحتمال الأخير يخيف الأوساط الإسرائيلية، إذ إنه شخص من الصعب التكهن بمواقفه، ولم يعتمد على دعم اللوبي الصهيوني، لذا فضّل هذا اللوبي أن يصوت بكثافة لكلينتون المؤيدة بشدة لإسرائيل، لأنها ستسير على سياسات واضحة، ولعل مخاوف هذا اللوبي تزداد بعد تصريحه غداة الانتخابات تصريحا مغايرا لما صرح به قبلها بقوله إنه سيعمل للتوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

يغلب الشعور بالقلق على ردود الفعل الفلسطينية على فوز ترامب من انحيازه المرجح لإسرائيل الذي سيؤدي، في الحد الأدنى، إلى إطلاق يدها للتصرف كما تريد دون الخشية من ردة فعل أمريكية أو دولية، وهذا يفتح الباب بصورة أكبر لضم الضفة أو مناطق (ج)، فالفيتو الأمريكي سيكون بالمرصاد لأي محاولة دولية لإدانة إسرائيل ردا على ذلك، ما عدا وجود نافذة فرص من الآن وحتى استلام ترامب مهماته رسميا في العشرين من كانون الثاني القادم، من خلال قيام باراك أوباما بترك علامة تاريخية تسجل باسمه من خلال تشجيع اعتماد مجلس الأمن لمشروع قرار يحدد مبادئ عملية السلام وأهدافها ومرجعياتها، على أساس الحاجة إلى قيام دولة فلسطينية.

تبقى الخشية إذا قام أوباما بهذه الخطوة من أن يتضمن قرار مجلس الأمن المرتقب الاعتراف بإسرائيل كـ"دولة يهودية"، ورفض حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، إضافة إلى ضمانات قوية جدا للحفاظ على الأمن الإسرائيلي، ولتكريس مبدأ "تبادل الأراضي" الذي يتيح لإسرائيل ضم المستوطنات أو الجزء الأكبر منها، مقابل مطالبتها بالانسحاب إلى حدود أو ضمن حدود 1967، والسماح بإقامة دولة فلسطينية.

حتى لو أقدم أوباما قبل رحيله على مثل هذه الخطوة، فيجب عدم المراهنة عليها، بل العمل والتحرك العربي والفلسطيني ومن المؤيدين للقضية من أجل التزام الخطوة بما جاء في القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي تتضمن الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية وعدم السماح بالهبوط عنها، كما يجب الحذر من الموافقة عليها كليا ومن دون رفض إذا تضمنت المواقف المشار إليها أعلاه، ورغم ذلك ستنزعج إسرائيل لأنها تريد إقامة "إسرائيل الكبرى"، في حين أن هذه المبادرة – إن حصلت - تعتبر خطوة تحاول أن تبقي خيار الدولتين على الطاولة الذي قضت عليه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ولا يستطيع الرئيس المنتخب أن يتجاهلها، أو أن يتجاهلها كليا.

وأخيرا، هناك من الفلسطينيين من يحاول أن يهول كثيرا بدلالات فوز ترامب، لدرجة القول إن القضية الفلسطينية قد تنتهي، متناسيا أن الذي حفظ القضية طوال هذا الوقت، رغم كل المخاطر والمؤامرات والحروب والمجازر، أنها قضية عادلة ومتفوقة أخلاقيا، وأن لها أبعادا عربية وإسلامية ومسيحية وإنسانية تحررية، والأهم أن وراءها شعب حي مصمم على الدفاع عنها، وما دام هذا الشعب حيّا فهو قادر على حمايتها، خصوصا إذا توفرت له قيادة في مستواه، تتمتع برؤية شاملة للإنقاذ الوطني، وتعمل على توحيد القوى الحية لدى الشعب الفلسطيني، وتوظيفها في مجرى تعزيز الصمود وإبقاء القضية حية، تمهيدا للتقدم على طريق الانتصار، فهي لن تضيع وستفرض نفسها على ترامب، وقبله وبعده، على إسرائيل.

وهناك من يهون من تأثير هذا الانقلاب بالقول إن أمريكا دولة مؤسسات، وإن القرار فيها لا يتحكم به الرئيس (وهذا صحيح بشكل عام)، وإن البيت الأبيض حل فيه، مثل ترامب، رؤساء أمريكا وكانوا أداة من أدوات الدولة العميقة، وإن الاستراتيجية المعتمدة أمريكيا واحدة لا تتغير، وإنما تتغير أساليب تطبيقها. وهو يقول ذلك دون أن يدرك حجم التغيير الذي أحدثه ويمكن أن يحدثه ترامب، خصوصا أن الكونجرس ومجلس الشيوخ يتمتعان بأغلبية جمهورية، فلا بد أن تتجمع قوى التغيير الحقيقي لوقفه قبل أن يذهب بأمريكا والعالم كله إلى الكارثة.

وهناك، خصوصا القيادة، من يهدد إذا نفذ ترامب ما تعهد به في حملته الانتخابية بتقديم مشروع قرار كل يوم في المؤسسات الدولية، وكأن المجتمع الدولي - على أهميته - هو الميدان الوحيد أو الرئيسي للصراع، متناسيا أن محور الصراع على أرض وجبال ووديان ومدن وقرى ومخيمات فلسطين، وفي جميع أماكن تواجد الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يوجب وضع استراتيجية للتحرر الوطني قادرة على توحيد الفلسطينيين وإنجاز أهدافهم بوجود ترامب أو بغيابه.

الأيام الفلسطينية
0
التعليقات (0)