أفكَار

هل ولاية "الحاكم المسلم" محددة بسنوات أم مطلقة حتى الممات؟

يرى حزب التحرير أن لا مدة محددة للحاكم طالما أنه محافظ على الشرع - أرشيفية
يرى حزب التحرير أن لا مدة محددة للحاكم طالما أنه محافظ على الشرع - أرشيفية
في الوقت الذي شددت فيه الشريعة الإسلامية على ضرورة الالتزام بالأصول والقيم الشرعية في الممارسة السياسة، إلا إنها تركت الباب مفتوحا أمام المسلمين لاختيار ما يرونه مناسبا من آليات ووسائل تطبيق تلك الأصول والقيم وفقا لباحثين شرعيين.

فنصوص الشريعة المنزلة حثت المسلمين على الأخذ بالشورى في إسناد السلطة ابتداء، وإدارة شؤون الحكم تاليا، لكنها لم تحدد آليات تطبيق الشورى، وتركت الأمر للمسلمين ليختاروا الآليات الأنسب لهم في كل زمان.

وانعكس ذلك الأمر على ممارسات الخلفاء الراشدين، في كيفية اختيار الخليفة، بسلوكهم طرقا متعددة ذات آليات مختلفة، ولو حدد الشارع آلية معينة لما وسع الصحابة الخروج عن تلك الآلية وسلوك غيرها.

وجرى عرف الصحابة ومن بعدهم في ممارساتهم السياسية، على عدم تعيين مدة محددة للخليفة، أو اشتراط ذلك عليه في عقد البيعة، فهل سكوتهم عن تحديد ذلك، وعدم تعرضهم له، يلزم منه المنع وعدم الجواز إذا ما رأى المسلمون مصلحة متحققة في تقييد مدة الحاكم المسلم بولاية أو ولايتين بسنوات محددة؟

وهل يُحظر على المسلمين الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى في خبراتها المتعاقبة، بتقييدها لولاية الحاكم بمدد زمنية محددة، منعا لتسلطه واستبداده بالحكم، بعد أن أثبتت تجاربهم أن عدم تحديد مدة زمنية للحاكم ينتج حكاما مستبدين، لا يقوى أحد على عزلهم أو تغييرهم إن خرجوا عن قانون العدل؟

الحاكم المسلم يبقى حاكما حتى الموت

تنص أدبيات حزب التحرير ومنشوراته على أنه "ليس لرئاسة الخليفة مُدة محددة بزمن محدد، فما دام محافظا على الشرع، منفذا لأحكامه، قادرا على القيام بشؤون الدولة، ومسؤوليات الخلافة، فإنه يبقى "خليفة"، كما جاء في كتاب "أجهزة دولة الخلافة في الحكم والإدارة" المتبنى من قبل الحزب.

وفي مقام استدلاله على رأيه السابق، ساق الحزب أدلة من السنة، ومن إجماع الصحابة رضوان الله عليهم. فطبقا لما ورد في كتاب أجهزة الحكم فإن "نص البيعة الواردة في الأحاديث جاء مطلقا، ولم يُقيد بمدة معينة، لما روى البخاري عن أنس بن مالك عن النبي قوله" "اسمعوا وأطيعوا، وإن استُعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة"، وفي رواية أخرى لمسلم من طريق أم الحصين: "يقودكم بكتاب الله".

أما استدلاله بإجماع الصحابة، "فإن الخلفاء الراشدين قد بُويع كل منهم بيعة مطلقة، وهي البيعة الواردة في الأحاديث، وكانوا غير محدودي المدة، فتولى كل منهم الخلافة منذ أن بُويع حتى مات، فكان ذلك إجماعا من الصحابة رضوان الله عليهم على أنه ليس للخلافة مدة محددة، بل هي مطلقة، فإذا بُويع ظل خليفة حتى يموت". بحسب كتاب الحزب.

وأكدّ حزب التحرير في استدلالاته على عدم "جواز اشتراط الأمة على الخليفة مدة محددة لحكمه فهو خليفة، ويبقى خليفة طالما كان مستوفيا شروط الانعقاد ومستمرا عليها". 

وبناء على رؤية الحزب فإنه "إذا طرأ على الخليفة ما يجعله معزولا، أو يستوجب العزل، فإن مُدته تنتهي ويُعزل، غير أن ذلك ليس تحديدا لمدته في الخلافة، وإنما هو حدوث اختلال في شروطها، إذ إن صيغة البيعة الثابتة بالنص الشرعي، وإجماع الصحابة، تجعل الخلافة غير محددة المدة، لكنها محددة بقيامه بما بويع عليه، وهو الكتاب والسنة..".

تحديد مدة ولاية الحاكم من المصالح المرسلة

في مقابلة رأي حزب التحرير المانع لتحديد مدة زمنية للحاكم، وعدم جواز اشتراط ذلك عليه في نص البيعة، خالف باحثون شرعيون وأساتذة شريعة رأيه ذاك، ورأوا أن الأدلة التي ساقها الحزب لا تدل على منع تحديد مدة معينة للحاكم المسلم.

ووفقا للأستاذ المساعد بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الجوف السعودية، الدكتور أنس غازي عناية فإن هذه المسألة ليست من أمر الدين المحض كالعقائد والعبادات وما يلحقها، والتي يداخلها مفهوم البدعة، بل هي من أمور الحياة المتغيرة المتعلقة بالترتيبات السياسية والإدارية ونحوها، مما يندرج تحت مفهوم "المصلحة المرسلة"، التي لم يأت دليل من الشارع باعتبارها أو إلغائها. 

وأضاف عناية: "لذا فإن الزعم بتحريم تحديد مدة ولاية الخليفة، أو بوجوب إطلاقها لا دليل عليه، لافتا إلى أن استدلال بعضهم على وجوب إطلاق مدة ولاية الخليفة بفعل الصحابة، الذي رفعوه إلى مستوى الإجماع، ليس دليلا على الوجوب، لأن أفعال الصحابة لا تفيد الوجوب بذاتها".

وتابع: "بل إن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ـ الذي أُمرنا بالاقتداء به ـ لا تفيد الوجوب بذاتها، بل تدل على مجرد المشروعية والإباحة، ما لم ينضم إليها دليل آخر يدل على الوجوب أو الاستحباب". 

وتساءل عناية في حديثه لـ"عربي21": "إذا لم يكن فعل النبي (المجرد من قرينة تفيد الوجوب أو الاستحباب) عليه الصلاة والسلام ملزما لمن بعده من الصحابه، فكيف يكون فعل الصحابة من بعده ملزما لمن بعدهم؟".

وفي مناقشته للاستدلال بإجماع الصحابة "على تولي الخلافة مدة الحياة، من غير أن يعرف لهم مخالف فكان إجماعا منهم على وجوب ذلك"، وصف عناية ذلك الاستدلال بالمغالطة، لأن إجماع الصحابة منعقد على جواز تولية الخليفة الخلافة مدة حياته، ولم يتعرض الصحابة إلى مسألة تحديد مدة ولاية الخليفة، فلا يصح نسبة الإجماع إليهم في مسألة لم يتعرضوا لها أصلا.

وبناء على ما سبق إيراده، رأى عناية أن "تحديد مدة ولاية الخليفة من الأمور المشروعة التي لم يرد نص بتحريمها، مندرجة تحت باب المصالح المرسلة التي يباح العمل بها على الراجح من أقوال العلماء".

وخلص عناية إلى القول: "إن غلب على الظن أن العمل بتقييد مدة ولاية الحاكم محقق لمقصد العدل، وصيانة الحكم من الطغيان والفساد، فقد تعين القول بوجوب تقييد مدة ولاية الحاكم، بناء على قاعدة "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، والمقاصد الشرعية المطلوبة إذا تعينت لها وسيلة لتحقيقها أخذت الوسيلة حكم هذا المقصد".

انعدام أدلة منع تحديد مدة الحاكم

من جانبه بيّن المدرس في كلية أصول الدين في جامعة الأزهر، الدكتور الفخراني اليماني أن الشريعة الإسلامية ثابتة، أما الفقه الإسلامي فمتجدد، ومن الخطأ الخلط بين الشريعة وفهم المسلمين لها، وهذا ما وقع تماما في مسألة تحديد مدة زمنية للخليفة من عدمها.

وتساءل اليماني: "حينما يقول بعضهم إن نصوص البيعة للخليفة تناقض تقييدها بمدة محددة، أين هي تلك النصوص التي يتحدثون عنها، وإن وجدت فما علاقتها بنفي تحديد مدة الولاية للخليفة؟".

وأوضح الفخراني لـ"عربي21" أن "فلسفة الإسلام في الحكم تهدف إلى تحقيق العدل في الرعية أيا كان نظام الحكم المعمول به، طالما يحقق العدل لكل الناس، كما أنه لا توجد أدلة صريحة تمنع تحديد مدة الخليفة أو الحاكم".

في السياق ذاته ذكر أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله في جامعة العلوم الإسلامية العالمية الأردنية، الدكتور وليد الشاويش، إما أن نجد في هذه المسألة نصا شرعيا ينص صراحة على عدم جواز تحديد مدة الحكم، أو أن نجد أفعالا وممارسات للصحابة دلت على ذلك، والمستدلون على عدم جواز تحديد مدة الحكم استدلوا بالأمر الثاني (ممارسات الصحابة وأفعالهم).

وبيّن الشاويش لـ"عربي21" أن الفعل باتفاق العلماء لا توجد له صيغة عموم، بمعنى أنه ليس كالقول، فالاستدلال بأنه لم يرد عن الصحابة تحديد مدة الحكم لا يعني منعه وعدم جوازه.

وتابع: "ونص البيعة على عدم اشتراط تحديد مدة للخليفة يعني أنهم سكتوا عنه، فلا يفهم من سكوتهم عنه، أو كون نص البيعة على الدوام أن التوقيت محرم ولا يجوز".

وأوضح الشاويش أن غاية ما يفهم من فعل الخلفاء الراشدين وممارساتهم بتأبيد الحكم، جواز فعل التأبيد، لكنه لا ينفي جواز التوقيت والتحديد في الوقت نفسه.

وجوابا عن سؤال: هل يحظر على المسلمين الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى في تقييدها لمدة حكم الحاكم خوفا من تسلطه واستبداده؟ أكدّ الشاويش أن الأمر المطلق كالشورى مثلا، وترتيب الأمور الإدارية، يتحقق بأي فرد (صورة) من أفراده، ولا يضير المسلمين أن يشابهوا فيه غيرهم، ويستفيدوا من خبرات الآخرين وتجاربهم في الأحكام الحياتية العادية. 

تبقى الإشارة إلى أن هذه المسألة (تحديد مدة الحكم) تكشف عن منهجيات مختلفة في قراءة النصوص الشرعية، وبالتالي بناء موقف شرعي من المسائل والقضايا المطروحة، بين من يتشبث بحرفية النصوص وظاهريتها، بنظرات تجزيئية مخلة، وبين من يقرأ نصوص الشريعة الجزئية على ضوء كليات الشريعة ومقاصدها العامة، بنظرات شمولية كلية.
التعليقات (3)
احمد ابو قدوم
الإثنين، 11-11-2019 06:44 م
بحث عن تحديد مدة الخليفة بقلم: احمد ابو قدوم على هذا الرابط https://ahmadabuqadoum.blogspot.com/2019/11/blog-post.html?m=1&fbclid=IwAR1P_KGuz6bQaX2i9ye4MS9PLEAjEGXXlX0B0gB_ZDD5WXO3izfjDqyEOag
علاء الدين حسن
الخميس، 29-03-2018 07:32 م
الخلافة هي من الأحكام الشرعية والخليفة ليس إداريا بل منصب حكم ومفهوم الحكم غير الإدارة ولذلك هي لايجرى عليها ماذكره الدكتور في أنه إن زيد فيها فلا تحدث بدعة وهو ليس من النصوص المتغيرة وأيضا الأخذ بالمصادر الشرعية تؤخذ بالترتيب وبما أنه هناك إجماع صحابة وهو إجماع معتمد عند كل المذاهب وخصوصا إذا علمنا أن إجماع الصحابة يشف عن دليل شرعي غير مذكور فبذلك يكون ليس للخليفة مدة معينة إلا إذا كان هناك خلل كما ذكر حزب التحيرير وهو الدليل الأقوى وتلك الأدلة هي شبهة دليل لاترقى لأن تكون دليلا خصوصا مع وجود الإجماع
واحد من الناس ... تطور العالم من حولنا و نحن مازلنا محلك سر
الخميس، 15-12-2016 10:21 ص
... مسألة مدة تولي الحكم ليست الأصل و لكن الأصل ان المسلمين منذ مئات السنين اصبحوا متلقين لما ينتجه الغرب من كل شيئ حتى القوانين و الأفكار و كما هو معلوم فالغرب قد فصل الدين عن الحياة العملية و انشطتها و اعتبر ذلك تحررا بينما الاسلام دين و دولة فكان يجب علينا كمسلمين ان نضع قوانينا الخاصة بنا و المستمدة من ديننا في شتى مناحي الحياة من سياسة و اقتصاد و طب و هندسة....الخ ... و لكننا لم نع بعد هذا البعد في ديننا الحنيف