اقتصاد عربي

مصر تستبق زيارة صندوق النقد برفع الأسعار.. وخبراء يحذرون

تتجاوز الأسعار قدرة غالبية المصريين - أرشيفية
تتجاوز الأسعار قدرة غالبية المصريين - أرشيفية
استبقت سلطات الانقلاب في مصر؛ زيارة وفد صندوق النقد الدولي نهاية الشهر الجاري، بزيادة أسعار سلع تموينية والدواجن، مع قرار برفع أسعار الوقود والكهرباء لاحقا.

وسيتم رفع أسعار الكهرباء خلال تموز/ يوليو المقبل، وسط حديث عن رفع أسعار الوقود مع بداية آذار/ مارس.

ويرى خبراء أن تلك السياسات تضر بملايين الفقراء، حيث يقبع نحو 65 في المئة من المصريين تحت خط الفقر، ويعيش هؤلاء على أقل من دولارين يوميا، وهو معدل الفقر الذي أقرته الأمم المتحدة.

وتأتي زيارة وفد صندوق النقد الدولي لمصر لمتابعة برنامج الإصلاحات الحكومية التي تم الاتفاق عليها مع الصندوق، كشرط لحصول مصر على قرض بـ12 مليار دولار، تم الاتفاق عليه في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، يتم صرفه على دفعات خلال ثلاث سنوات.

وقبل الزيارة بأيام، اتخذت حكومة شريف إسماعيل حزمة من الإجراءات التقشفية التي تتضمن ارتفاعا إضافيا في أسعار البنزين والسولار والغاز والكهرباء والسلع الغذائية المدعمة (سكر وزيت)، وتقليل عدد المستحقين لهذا الدعم، وذلك بهدف الحصول على الشريحة الثانية للقرض، والتي تتوقف على تقرير وفد الصندوق الزائر.

ورغم أن تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أكد أن السلع التموينية بوضعها الحالي لا تمد المواطن بأكثر من 7.6 في المئة فقط من احتياجاته الشهرية من الغذاء، أعلن وزير التموين، اللواء محمد على الشيخ، قبل أسبوع؛ رفع أسعار السكر إلى 8 جنيهات، والزيت إلى 12 جنيها، كما رصدت شعبة الدواجن زيادة جديدة في أسعار الدواجن، فيما أعلنت وزارة الكهرباء زيادة الأسعار في تموز/ يوليو.

تهور حكومي وكدر شعبي

وعلق رئيس حزب الجيل الديمقراطي، ناجي الشهابي، على تلك القرارات؛ بقوله إن "حكومة شريف إسماعيل أقدمت على إجراءات لم تجرؤ حكومة سابقة على اتخاذها، ما حول حياة الشعب إلى حزن وكدر ومعاناة دائمة"، على حد وصفه.

وأكد الشهابي لـ"عربي21"، أن "صمت المصريين سيطول لأنهم تعبوا من تبعات الثورات، وأصبح همهم هو تلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم التي صارت مستحيلة في ظل السياسات الحالية".

واعتبر الشهابي أن الأزمة هي "خضوع الحكومة لشروط صندوق النقد بإصدار قانوني ضريبة القيمة المضافة، والخدمة المدنية، وتعويم الجنيه وتحرير سعر صرف الدولار، وفتح البلاد على مصراعيها أمام السلع الأجنبية، ما هبط بقيمة الجنيه إلى قيم لم يتوقعها أكثر المتشائمين"، وفق قوله.

وأكد الشهابي أن زيادات الأسعار لن تنتهي، وستزداد مع موعد كل شريحة من القرض، محذرا من ترك السوق بدون رقابة ليتحكم المحتكرين والتجار في أسعار السلع.

من يحتكر السوق؟

وأضاف أن أكبر أخطاء الماضي هو ترك الحكومة السوق يصحح نفسه بنفسه، معتبرة أن ذلك من آليات النظام الاقتصادي الحر، في حين يسود في مصر النظام الاحتكاري الذي يجعل من بضعة أفراد وأسر تتحكم في السوق والأسعار"، حسب قوله.

وقال الشهابي: "إننا مجتمع لا يزرع غذاءه ولا يصنع احتياجاته، ومجتمع ندرة وليس مجتمع الوفرة الذي يحقق مبدأ التنافسية؛ ولذا فإن الشعب يقع فريسة لاستغلال المحتكرين وكبار التجار المستوردين".

هذا هو الحل

ويرى الشهابي أن مصر بحاجة إلى حكومة تقاوم الاحتكار واستغلال كبار التجار، وترشيد الاستيراد وحصره في مكونات الصناعة وقطع الغيار والتسليح والقمح والفول والأدوية وألبان الأطفال، وإعادة فتح المصانع المغلقة، وإنشاء مصانع للتصنيع الزراعي وألبان الأطفال والأدوية.

وطالب بتشكيل لجنة محايدة، من أساتذة الهندسة والمحاسبة لمراجعة ملف أسعار الكهرباء والبترول بعد رفع أسعارها بشكل مبالغ فيه؛ ولا يتناسب مع تكلفة إنتاجها، ودعا لتفعيل لجنة تحديد هامش ربح السلع والمنتجات بحساب التكلفة وإضافة هامش ربح لا يتعدى 30 في المئة، وحث الحكومة للأخذ بنظام الضريبة التصاعدية على الدخل، والضريبة على الأرباح الرأسمالية في البورصة.

من يتحكم بالصندوق؟

من جانبه انتقد أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، جهاد محمد، "تحكم الدول الكبرى في الصندوق وجعله أداة لخدمة مصالحهم بحكم أنها الممول الأكبر له، دون مراعاة لمشاكل الدول المتخلفة التي ينظر إليها على أنها مجرد توابع، يقحمها الصندوق في سياسات لها آثارها الخطيرة".

وعدد محمد، في حديث لـ"عربي 21"، "الآثار المترتبة على شروط الصندوق؛ من ارتفاع أسعار كافة قطاعات المجتمع الإنتاجية والاستهلاكية، وخفض معدل نمو الاستثمار، وزيادة مظاهر الركود الاقتصادي، وبالتالي انخفاض القوة الشرائية للفقراء وتدني مستواهم المعيشي"، مؤكدا أن "هذا ما يحدث لمصر الآن".

تخمة المنتجين وزيادة الفقراء

كما انتقد الأكاديمي المصري؛ سياسات الحكومة التي "أضرت بالعملة المحلية، والتي أدت إلى ارتفاع تكلفة المواد الوسيطة المستوردة، وبالتالي زيادة الأسعار النهائية للمنتجات، وهي الفاتورة التي يدفعها الفقراء بإضعاف قدرتهم الشرائية، وارتفعت معها شريحة الفقراء ومحدودي الدخل"، كما قال.

وأكد محمد أن سياسة تحرير الأسعار عبء كبير على محدودي الدخل، وتؤثر سلبا على الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، مؤكدا أن عملية تحرير الأسعار إذا لم تصاحبها زيادة في الإنتاجية، فإن دورها يقتصر على زيادة دخول المنتجين، والإضرار بالمستهلكين، وخاصة وأن الأسواق تتسم بدرجة عالية من الاحتكار.

وأضاف أن "المصريين صبروا كثيرا على سياسات اقتصادية خاطئة، إلا أن ردود فعل الفقراء دائما ما تتوقف على حلم الحصول على لقمة العيش، وبرغم ذلك، فإن احتمالات أن يثور الشعب قائمة بشكل كبير"، وفق تقديره.
التعليقات (0)