أفكَار

الجامية والليبرالية: كيف التقتا على عداء "الإسلام السياسي"؟

حزب النور السلفي شارك بقوة في دعم دستور ما بعد الانقلاب- أرشيفية
حزب النور السلفي شارك بقوة في دعم دستور ما بعد الانقلاب- أرشيفية
التقت الجامية والليبرالية، على ما بينهما من تباعد شديد، وتباين حاد في الفكر والسلوك، على معاداة الحركات الإسلامية السياسية وفقا لباحثين ومراقبين.

ومن المعروف أن الجامية تنتسب، للشيخ الإثيوبي محمد أمان الجامي (1930م ـ 1995م)، الذي رحل إلى السعودية من بلده واستقر فيها، وذاع صيته بعد أزمة الخليج الثانية، حينما تصدى لمشايخ الصحوة الذين عارضوا فتوى الاستعانة بالقوات الأجنبية لحماية المملكة من التهديدات العراقية حينذاك.

أما الليبرالية فهي ذلك المذهب الفكري والسياسي المعروف، الذي يعلي من شأن حرية الفرد، ويدعو إلى استقلالية الإنسان الفكرية، بعد "وضع الإنسان بدلا من الإله في وسط الأشياء، فالناس بعقولهم المفكرة يمكنهم أن يفهموا كل شيء، ويمكنهم أن يطوروا أنفسهم ومجتمعاتهم عبر فعل نظامي وعقلاني"، بحسب ما جاء في الموسوعة الأمريكية الأكاديمية.

فكيف حصل الالتقاء بين اتجاه إسلامي (سلفي) مغرق في العقائدية والأيديولوجية، وبين تيار فكري يدعو إلى الحرية والتحرر، ويجرد الدين من أي سلطة حاكمة؟ وما هي أسرار التقائهما على صعيد واحد؟

الالتقاء على عداوة "الإسلام السياسي"

اعتبر الداعية السلفي، إحسان العتيبي أن "الأصل عدم تلاقي الجامية والليبرالية" لما بينهما من تباعد وتباين شديدين، لكنهما التقتا على هدف مشترك، حدده من يتحكم في مساراتهما، ألا وهو معاداة الحركات الإسلامية السياسية.

ووفقا للعتيبي فإن "أصدق أوصاف التقاء الطائفتين، وصف الجامية بأنها الذراع الدينية لليبرالية، ووصف الثانية بأنها الذراع الإعلامية للجامية"، ناقلا ما قيل في وصف طبيعة العلاقة بينهما بأنها "زواج والعصمة بيد الليبراليين".

وأوضح العتيبي لـ"عربي21" أن ظهور "جماعة الليبروجامية أشد ما كان في السعودية، وقد ظهرت الجامية في أزمة الخليج الثانية، وكانت لضرب الصحوة الإسلامية، والتسليم المطلق للقيادة السياسية مهما كانت قراراتها، ومنع مخالفتها بأي شكل حتى لو كان كتابة".

وفسر العتيبي خلفيات التلاقي بين الطائفتين بأن "الليبرالية اصطدمت مع النظام في السعودية، لعدم وجود تداول للسلطة، وعدم وجود مجلس نيابي يراقب أداء الحكومة ويحاسبها، وغياب الحريات، فلم يكن منهم إلا الرضوخ ظاهرا، مع التفكير في "طائفة دينية" يركبونها ليحققوا لهم مقاصدهم باسم الشريعة، فتحقق لهم ذلك مع الجامية"، على حد وصفه.

وأضاف أنه "بالنظر إلى الليبرالية فإن أعدى أعدائها هو الإسلام السياسي، وقد تمثل ذلك في الجماعات التي تدعو لتحكيم الشريعة، والتزام الناس بأحكام الشرع، فرأوا أنه بالإمكان تحطيم هؤلاء، والطعن في نياتهم ومناهجهم والتشكيك في حبهم لوطنهم، عن طريق الجامية فكان ذلك التحالف الخفي تنظيما، في الظاهر واقعا".

لكن كيف بدت مظاهر ذلك التحالف المستتر بين الاتجاهين؟ وماذا نتج عنه؟

أجاب العتيبي بأن من وجوه التلاقي بين الجاميين والليبراليين "البحث عن أخطاء المشايخ والدعاة بالمجهر، واستخراجها بالمنقاش، لتتم بعدها عمليات التشويه والطعن عبر المقالات والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة".

وأورد العتيبي ما قاله النائب الكويتي وليد الطبطبائي: "تحالف (الليبروجامية) كل همه البحث عن هفوة عالم، أو زلة لسان داعية، ليطيروا بها فرحا، وكأنهم هم أنصار الشريعة، ودعاة الفضيلة، والحريصون على الأخلاق".

وبيّن العتيبي أن "الجامية أصّلوا لبقاء الشر والفساد في الشعوب عن طريق صيانة الحاكم وأفعاله وقراراته من الاعتراض عليها ونقدها، فضلا عما هو أشد عندهم وهو المظاهرات والاعتصامات".

ونقل العتيبي عن الشيخ عبيد الجابري، أحد مشايخ الجامية قوله: "نحن لا نتظاهر ضد الحاكم: حكَّم السنة أو ما حكم السنة، حكم الشرع أو ما حكم الشرع، ما لنا شغل فيه، هذا بينه وبين ربه، إن استطعنا مناصحته، وبيان الحق له، وخطر ذلك عليه، فعلنا وإلا تركناه".

وعن موقف الجامية من الليبرالية، ذكر العتيبي أن من رموزهم من يمدح الليبراليين ويثني عليهم، ونقل عن موسى العبد العزيز ـرئيس تحرير مجلة السلفيةـ قوله: "أنا أكره أن أسمي الليبراليين بالعلمانيين، فهم دعاة مدنية لتحقيق المطالب الإنسانية التي لا تعارض الشرع في حقوق الإنسان، لذلك هم دعاة إلى تنظيم السلوك المدني في إدارة المجتمع".

ودافع العبد العزيز عن الليبراليين بقوله: "الليبراليون ليسوا علمانيين.. وهم أقرب إلى السلفية فطرة".

حالات مشوهة دينيا وليبراليا

من جهته رأى الباحث الشرعي السعودي، ماهر القرشي أن "ضعف حالة الوعي الفكري والقيمي في العالم العربي، أنتجت حالات مشوهة على مستوى التفكير الديني وأيضا التفكير الليبرالي في الوقت نفسه".

وأضاف القرشي لـ"عربي21"، أن هذا الضعف "ولد صورا غير مستقيمة في فهم الدين من قبل بعض المتدينين، وصورا غير مستقيمة في فهم الليبرالية من قبل كثير من المتأثرين بالثقافة الغربية، إلى أن وصلت بالجامية إلى محاربة قيم صحيحة من الإسلام السياسي بالارتكاز المبالغ فيه إلى مفهوم الطاعة".

وتابع: "كما وصلت بالليبرالية العربية إلى محاربة القيم والعادات الأخلاقية بالارتكاز على الفهم الخاطئ للحرية الليبرالية، فالتقت مصالح الطرفين في هذا الطريق ما بين مستغِل ومستغَّل لإبعاد الإسلاميين الحركيين من الساحة".

وكان نتيجة ذلك "إحلال مزيد من الاستبداد والتسلط والتخلف في الفضاءات السياسية والاجتماعية العربية والإسلامية، ووصلت بالليبرالية العربية إلى محاربة القيم، وعدم القبول بالآخر"، وفقا للباحث السعودي القرشي.

في السياق ذاته أجاب الباحث السياسي المصري، محمد جلال القصاص، عن سؤال "لماذا اشتد الجاميون في مهاجمة الحركات الإسلامية وسكتوا عن العلمانيين والليبرالين؟"، بأن "منطلق الجامية النظري: رفض الممارسة السياسية، أو بكلام أدق البعد عن معارضة الأنظمة الحاكمة بدعوى أن واجب الوقت هو التخلية والتحلية".

وشرح القصاص لـ"عربي21" المراد بالتخلية بأنه "تخلية المناهج الإسلامية جميعها مما لحق بها من انحرافات فكرية أدت إلى انحراف في التطبيق، وبعدها تتم التحلية بالمناهج النقية".

ولفت القصاص إلى أن الجامية "لم ينشغلوا بإنتاج معرفة تصفي الشوائب من المناهج وتكون بديلا يحل محل الشوائب بعد تخليتها، بل انصرفوا لمواجهة الإسلام السياسي بأدوات شرعية، مثل الجرح والتعديل، والتشهير.. ونحو ذلك".

وأضاف: "كما أنهم يصطّفون مع الأنظمة ضد من يعاديها خاصة التيارات الإسلامية التي تنافس الأنظمة السياسية".

وأشار القصاص إلى أن "تدقيق النظر في السياق الجامي يظهر أنه حالة من التوظيف السلطوي ضد تيارات الإسلام السياسي، وضد الشخصيات الإسلامية البارزة حتى لو لم تمارس السياسية، فهم أعداء من اشتهر، وأعداء من نازع الأنظمة".

وشرح القصاص كيف أن "هذا التوظيف انطوى على إفادة متبادلة لكلا الطرفين: فالجاميون يحصلون بتوافقهم مع الأنظمة والمقربين منها (التيارات الليبرالية) على مكتسبات شخصية، كسيطرتهم على المساجد، والأمان من الاعتقال والتنكيل الذي يطال غيرهم، وتصفية حسابات مع شخصيات دينية تنافسهم".

أما الأنظمة فتحصل على "تفعيل حالة الصراع داخل مكونات العمل الإسلامي ما يؤدي إلى إضعافها وتفتيت جهودها، وإسقاط رمزية مشاهير الحركة الإسلامية، ومواجهة الحركات الإسلامية بنقد إسلامي داخلي، يأتي من مشايخ ودعاة إسلاميين بحجج وأدلة شرعية دينية".

وجوابا عن سؤال "ما مدى استمرارية ذلك التحالف بين الأنظمة السياسية والجاميين؟"، توقع القصاص أنه "غير صالح للبقاء طويلا، وأنه أشبه ما يكون بزواج المتعة لسببين.. "أولهما؛ يتعلق بطبيعة العلاقة بين السلطة وجماعات الإسلام السياسي، فهي ليست حالة عداء دائم مع السلطة، بل من المرجح حدوث مهادنة بينهما، وبالتالي فإنها ستتراجع حتما حالة التوافق بين السلطة والجاميين".

ولفت إلى أن "السبب الثاني يرجع إلى ما يظهره التحليل النفسي للجاميين، إذ إن عامتهم من ذوي الشخصيات الحادة الإقصائية المنغلقة الجانحة إلى الصدام سريعا، ولذا فقد اتجهوا إلى بعضهم، فلا تكاد تجد ثلاثة منهم على قلب رجل واحد، مع تفشي حالة انشقاق الطلاب على شيوخهم، وتنابذ الشيوخ فيما بينهم بأفحش الأقوال وأغلظها".

تبقى الإشارة إلى أن الجامية تُعد من "أشرس" القوى المحاربة لجماعات "الإسلام السياسي" بحسب مراقبين، وهو ما تلتقي فيه مع الليبرالية، وهذا ما عبر عنه عبد العزيز الموسى، أحد رموزهم حينما قال "إن الصحوة التي تُسمى اليوم بالإسلام السياسي هي المسؤول الأول، ولها الأثر الأعظم في ظهور الجماعات الإرهابية المتطرفة والأفكار المنحرفة"، وفقا لما قاله الداعية إحسان العتيبي.  
التعليقات (8)
عثمان سيسي
الإثنين، 06-03-2017 01:01 م
كيف يقارن الكاتب بين مذهبين أصلهما متباعدين.
محمد الحوباني
الأحد، 05-03-2017 08:53 م
من أكذب المقالات التي قرأتها..!! ملخصه: دفاع عن جماعات التكفير، وطعن في حكام المسلمين، وبخاصة السعودية، وناتج عن حقد على اهل السنة حيث إنه لم يتعرض لليبرالية بشيء من السوء، وإنما استهدف من يصفهم بالجامية وزج اسم الليبرالية لجذب قطيعه.
ابوالعزايم
الأربعاء، 01-03-2017 12:31 م
ما هي علاقة المقال بالصورة خلط فظيع وشنيع
احمد
الثلاثاء، 28-02-2017 05:23 م
هم ليسوا مع الحاكم مطلقا لكنهم مع الحاكم المستعد لطحن معارضيه بالسلاح ومرسى الدليل
سهام حسن حسيب
الإثنين، 27-02-2017 05:11 م
مقال جيد ومفيد لكنه يعتمد علي التحليل واستخراج نتيجه وينقصه المصادر وتوثيق المعلومات والاحداث ليستفيد المحايد في تكوين صوره صحيحه يقتنع بها