قضايا وآراء

هل من قائل : سورية غير مقسّمة؟

1300x600
لا يحب السوريون، معارضة وموالاة، سماع أي حديث عن تقسيم سورية، ويحاول كل طرف اتهام الآخر بالترويج لمثل هذا الأمر كتعبير عن هروبه من الاعتراف بالواقع، والواقع هنا رغبوي إلى أبعد الحدود، وهو لدى الموالاة الانتصار على المعارضة ولدى المعارضة نهاية نظام الأسد.

على ذلك فإن رفض مقولة التقسيم يأتي في سياق رغبة كل طرف في اكتمال إنجازه الذي يعتقد تحقّقه، ذلك أن التقسيم سيحرمه من التحكم بالخصم وإخضاعه ورؤيته وهو مقهور يعترف بهزيمته وبنصر الطرف الآخر الذي ستتوفر له فرصه لتلقينه معاني الوطنية وجعله يتقبل دفع أثمان الحرب، ثم الموت ندماً وغيظاً على ما حصل، الحفاظ على وحدة سورية هنا لتأكيد رواية كل طرف عن الحرب وإثبات وجهة نظره.

لكن إلى أي مدى بات لدى السوريين القدرة على التحكم بمصير بلدهم وتقرير مآلاته؟ كما أن السؤال عن وحدة سورية من عدمه بات خارج قدرتهم على الإجابة عليه، وما عليهم سوى النظر إلى خريطة بلدهم وإلى مدنهم وأريافهم ليروا من يتحكم بمفاصل البلد ومن يخطط ويأمر، ليدركوا أن رتبتهم في هذا الصراع لا تتجاوز رتبة جندي ينفذ الأوامر لدى قادة من خارج البلاد.

لا شك أن هذا التوصيف يجرح نرجسية السوريين، كما أنه لا يتطابق مع حجم الآلام التي دفعوها، على الجانبين، فكيف لحرب دفعوا هم أثمانها وأغلى ما يملكون لا تنصفهم نتائجها، بل ويقطف ثمارها أجنبي كانوا يعتقدون أنهم يشغلونه لصالحهم وبعد أن يصلوا لأهدافهم سيلقي لهم تحية الوداع وينصرف مكتفياً بوردة يقدمونها له أو دمعة حزناً على الأيام الجميلة التي قضوها سوية.

الواقع أن تلك ليست سوى شطحات من الخيال عززتها سنوات الحرب الطويلة، تماماً مثلما أنتجت أوهام عن انتصارات دراماتيكية ستحققها الأطراف دون أي اعتبار للوقائع والظروف الموضوعية، ودون أن يلتفت السوريون إلى أنهم باتوا في مكان آخر ليس فيه نصر ولا هزيمة، انتصار من على من؟ وهزيمة من ممن؟

لعل الفائز الوحيد في كل ما حصل هو بشار الأسد، لقد انتصر على كل السوريين بدون استثناء، معارضة وموالاة، لم يكن يهمه في كل هذه الحرب سوى الاحتفاظ بالحكم إلى حين، وليس مهماً لديه إن كان أبناء سورية يملكون قرارهم وبلدهم أم لا، المهم عنده أن يكون حاكماً، فهو لا يعرف غير هذه الوظيفة ولا يجيد أي عمل آخر، وبالتالي فهو ليس معنياً بأي تداعيات خارج اهتمامه باستمرار عمله.

وإذ لا يلام شعب سورية الذي ثار على نظام الظلم والقهر والاستعباد وتعرض لأكبر مذبحة في القرن الواحد والعشرين، فإن من أيدوا ذلك النظام ووضعوا أنفسهم في خدمته ارتكبوا خطيئتين مزدوجتين، فهم بالإضافة إلى قتل أبناء بلدهم والتنكيل بهم خدمة لطاغية لا يرى فيهم أكثر من عبيد مجبرين على خدمته، فإنهم أيضاً ساهموا باستجلاب الطرف الخارجي وإعطائه فرصة التحكم بالبلاد وإخراجهم من المعادلة نهائياً، ليس لشيء بل ليكمل ما عجزوا عن فعله من قتل وتدمير للسوريين الذين طالبوا بالكرامة والحرية لكل سوري، وهل فعلت إيران وروسيا غير إكمال مهمة القتل؟

سورية موحدة مع الأسد ستعني كابوساً وجحيما بالنسبة لكل من ثار عليه، لأنها لن تكون سوى إدامة لعملية الاقتلاع والإخفاء والإبادة، ولا يوجد في الأفق سورية موحدة بدون الأسد طالما أن القوى الكبرى تتفق على هذا الخيار، وسورية موحدة بدون الأسد ستعني هزيمة لموالاته الذين رفعوا شعارا من أول يوم للثورة، الأسد أو نحرق البلد، ولا يوجد سورية موحدة مع الأسد لأن القوى الخارجية ستعتبره جزءاً من التسويات التي تتيح لها الحصول على حصة من الكعكة السورية جراء قبولها ببقائه.

ثمّة ما يكسر الخاطر ويشق القلب في المأساة السورية، ذلك المتعلق بالبعد الانتهازي الفاضح في الموقف الدولي، إذ بينما السوريون ينزفون موتا واقتلاعاً عن ديارهم تتسابق الدول للحصول على حصة من أرضهم وثرواتهم، فيما لم يخجل البعض من اعتبار ذلك فرصة لإعادة تقييم ترتيبهم في سلم القوّة الدولي، والأكثر من كل ذلك ثمّة من اعتبر قتلهم تخلصاً من الكفار وعبادة، وفي جميع الأحوال، وجد هؤلاء طرفا سوريا يقف خلف رواياتهم، فكيف لسورية أن تبقى موحدة؟