قضايا وآراء

كلمات إلى أُذن أبو العبد هنية

1300x600
انتهت كما يبدو للبعض ما أطلق عليها بأحداث المسجد الأقصى، برفع سلطات الاحتلال للبوابات الإلكترونية التي كانت قد نشرتها على مداخل المسجد. وكانت تلك السلطات قد قامت بإغلاق المسجد الأقصى ومنعت الدخول إليه لمدة يومين على إثر حادث في ساحات المسجد قتل خلاله اثنان من الصهاينة واستشهد ثلاثة فلسطينيين من أم الفحم.

وهذا التراجع الصهيوني بسحب البوابات هل كان نتيجة اتفاق مع الأردن أو مع العربية السعودية أو ضغوط شعبية فلسطينية؟ أو أن إسرائيل حققت ما كانت ترمي إليه بإغلاق المسجد. وماذا تم في يومي الإغلاق؟ هذا ما سنعرفه في السنوات القريبة القادمة إن شاء الله.

ومع أن ردة الفعل الفلسطينية والعربية والإسلامية تجاه الحدث لم تكن بالقدر المتوقع ولا المطلوب مقارنة بأحداث مشابهة قبل ذلك، وهو إغلاق المسجد عام 1969، ولكننا نجد أن الفصائل الفلسطينية باختلاف توجهاتها وأيدلوجيتها، ومنها حماس، هللت كثيرا لما حدث. وكان منذ فترة ألقى الأخ إسماعيل هنيه - أبو العبد - رئيس المكتب السياسي لحركة حماس؛ خطابا هو الأول له منذ تسلمه مسؤولية قيادة الحركة. كما أن أبا العبد هو أول مسؤول بعد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي الذي استشهد في نيسان/ أبريل 2004 يتم إعلانه كمسؤول لحركة حماس الفلسطينية من داخل الأراضي الفلسطينية في غزة.

وقد تناول الخطاب عدة جوانب تخص الشان الفلسطيني والدوائر الجغرافية المختلفة المحيطة بها، سواء كانت العربية أو الإسلامية وأيضا الدولية. فتحدث عن العلاقة مع مصر والتفاهمات الأخيرة من أجل تخفيف حدة الحصار المفروض على قطاع غزة، وذكر اللقاءات التي تمت وتتم في مصر ودور مصر في القضية الفلسطينية وقرب فتح معبر رفح. كما قدم الشكر للعديد من الدول العربية والإسلامية التي دعمت الحركة وكتائب القسام، فشكر قطر (الأمير السابق والأمير الحالي) وشكر تركيا والجمهورية الإسلامية في إيران وكذلك شكر العربية السعودية. الملاحظ هنا أن الحضور قاموا بالتصفيق مع ذكر كل دولة قام رئيس المكتب السياسي بذكرها وشكرها، فقاموا بالتصفيق لقطر ولتركيا وإيران ولكن مع ذكر العربية السعودية لم يصفق الحضور!! هل هذه رسالة من الحضور المشاركين في المؤتمر؟ أم أنها كانت مصادفة غير مقصودة لأن ذكر العربية السعودية كانت آخر الدول التي قام أبو العبد بشكرها في نهاية السلسلة.

كما تناول الرئيس الجديد للمكتب السياسي للحركة الشأن الفلسطيني الداخلي وضرورة "اصطفاف" الفصائل الفلسطينية، من أجل الوقوف في مواجهة المخطط المراد تنفيذه وما يطلق عليه بصفقة القرن ومحاولات التسوية، وموقف حركة حماس برفض كافة أشكال التسوية التي لا تعيد الحق للشعب الفلسطيني أرضه والقدس في القلب منها، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين والمشردين في بقاع الأرض، وكذلك تحرير الأسرى، وأنه بات أقرب من أي وقت مضى كما قال. كما أنه أيد ودعم الوثيقة السياسية الأخيرة ودعا إلى ضرورة وضع مشروع سياسي ورؤية للمستقبل تشارك في إعدادها كافة الفصائل الفلسطينية مثل حركة فتح وغيرها، مع التركيز على حركة الجهاد الإسلامي وخصوصيتها العقائدية. وأشار إلى إمكانية حل اللجنة الإدارية التي تدير القطاع حال قامت السلطة في رام الله بإلغاء كافة القرارات التي قامت باتخاذها تجاه القطاع والشعب الفلسطيني في غزة. وتحدث عن التفاهمات التي حدثت في مصر وكانت فلسطينية فلسطينية، وأن أهل غزة سوف يرون ثمرتها قريبا، دون الدخول في أي تفاصيل. هذا بالإضافة إلى حديثه عن الشأن الدولي سريعا ودور الإدارة الأمريكية الجديدة وأنها تتحدث بنفس اللغة الإسرائيلية ولكنها بلهجة أمريكية، بمعنى أن إدارة ترمب تتقدم بكافة المطالب والتطلعات الإسرائيلية في الاستيطان وسلب الحقوق وتهويد القدس ولكن اللكنة أمريكية. وفي الختام دعا إلى ضرورة الوحدة العربية والإسلامية وحل الخلاف الخليجي.

وقد أثار الخطاب الأول للسيد أبي العبد العديد من الملاحظات والتساؤلات حول الموقف الفلسطيني تجاه الكثير من القضايا المثارة على الساحة. كما أن الخطاب قد قام بإرسال عدة رسائل لمختلف الجهات، سواء الفلسطينية الداخلية أو العربية أو الإسلامية بعضها إيجابي وبعضها الآخر ليس كذلك. ومن هنا فإنني أود أن أوجه عدة كلمات للأخ أبي العبد هنية حول هذا الخطاب بشأن ما أثير فيه. وأول هذه الكلمات هي الوضوح ثم الوضوح ثم الوضوح، فقد تناول السيد هنية عدة قضايا كان ينقصها الوضوح والصراحة، وأهم هذه القضايا وأكثرها إلحاحا في الفترة الأخيرة؛ العلاقة مع مجموعة وجناح دحلان وماذا تم في اجتماعات القاهرة بين وفد حماس برئاسة يحي السنوار ومحمد دحلان وفريقه. فقد ذكر أبو العبد أن هناك وفدا برئاسة السنوار ذهب للقاهرة لتخفيف الحصار عن غزة، وأنه عقد محادثات فلسطينية فلسطينية وأن هذه المحادثات أسفرت عن تفاهمات سوف تؤثر إيجابا على أهل قطاع غزة، كما ذكر كما أنها سوف تمثل توطئة إلى مصالحة مجتمعية ومصالحة وطنية، وأنه سوف تعود الحقوق إلى أصحابها وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني بكل فصائله ومكوناته.

للأسف لم يذكر مسؤول المكتب السياسي الجديد مع من كانت المحادثات، ولكنه ذكر أن المحادثات أسفرت عن تفاهمات سوف تؤثر إيجابا على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وتعمل على تخفيف الحصار المفروض عليهم، ولكنه أيضا لم يذكر كيف سيحدث ذلك؟ بالإضافة إلى أنه لم يذكر، وهذا هو الأهم، ما المقابل وما الثمن الذي سيدفعه الشعب الفلسطيني وحركة حماس من أجل تخفيف الحصار؟؟؟ أو مقابل شاحنات السولار التي سمحت بها مصر بالعبور للقطاع من أجل تشغيل محطات الكهرباء في غزة. للأسف غاب الوضوح والصراحة!!!

لماذا لم يصرح أبو العبد بالحقيقة للشعب الفلسطيني وللعالم وأعتقد أنه لا يوجد مبرر واحد لعدم الوضوح في هذا الشأن. فالموضوع ليس سرا، فالكل يعرف مع من كانت المحادثات، ولكن تتراوح الأخبار والتسريبات عن مستوى التفاهمات: هل اتفاقات ووثائق مكتوبة موقعة أم أنها مجرد نقاشات قابلة للتعديل والحذف والإضافة؟ ولكن لم يجب السيد إسماعيل هنية على ذلك للأسف، وهنا أقول كفانا استخفافا بالشعوب!!!

كلمة أخرى للسيد أبو العبد، فقد تحدثت عن استعادة الأرض وتحرير فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ولكنك لم تذكر أي أرض وأي فلسطين. هل هي فلسطين من النهر إلى البحر؟ أم أنها فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967، وخصوصا أنك تناولت الوثيقة السياسية التي أعلنها رئيس المكتب السابق لحماس قبل انتهاء مدة ولايته في الأول من أيار/ مايو بالكثير من التمجيد وأنها الوثيقة التي قدمت الرؤية المتميزة لحماس أخيرا؟!!! مع أنها الوثيقة التي صرحت خلالها حماس بقبولها لدولة على حدود 1967 وأنها تعتمد فقه الواقع في هذه الرؤية. وهنا أتذكر حادثة حدثت في منتصف التسعينات من القرن الماضي عندما وقع الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات رحمه الله، وكان رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسا لحركة فتح، على اتفاقيات أوسلو مع إسحاق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي. وقتها هللت الكثير من وسائل الإعلام بأن المشكلة الفلسطينية أصبحت قاب قوسين أو أدنى من مرحلة الحل. خلال هذه الأحداث صرح الدكتور موسى أبو مرزوق، وكان رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس وقتها، لإحدى الصحف الأردنية بأن حماس تقبل هي الأخرى الدولة الفلسطينية على حدود 1967. وهنا ثارت ثورة الإخوان في مكتب الإرشاد، وهي الحركة الأم التي تؤكد الأدبيات الخاصة بها بشأن قضية فلسطين على عدم الاعتراف بالمحتل لكافة الأراضي الفلسطينية، وتم الطلب من الأخ أبي عمر للحضور للقاهرة لشرح الموقف ولماذا التغير، فاعتذر عن الحضور وقتها لأسباب قاهرة وأرسل أحد أعضاء المكتب السياسي بديلا عنه، وحضر هو لاحقا خلال الأسبوعين التاليين.

وخلال فترة الأسبوعين كانت حماس قد أصدرت بيانا شاملا أكدت فيه ثوابتها، وأن فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر - أي من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، وهو الشعار التاريخي للتعريف بكامل التراب الفلسطيني – وأذكر أنه قد تم تكرار هذا الشعار في البيان عدة مرات، وأن هذه الأرض يجب أن تتحرر كاملة من العدوان الإسرائيلي وأنها - أي حماس - لا تقبل أي تنازل عن شبر واحد أو حفنة من تراب هذه الأرض، وأن القدس هي عاصمة الدولة الفلسطينية المحررة بالكامل. لذلك كنت أتمنى من السيد هنية أن يحدد أي فلسطين يقصد وأي مساحة أرض سوف يقاوم لتحريرها.

كلمة ثالثة أود توجيهها للأستاذ أبو العبد حول ما ذكره بشأن وطنية الحركة، فقد ذكر كثيرا خلال خطابه المشار إليه أن حركة حماس هي حركة وطنية فلسطينية، وهذا على حد علمي مخالف لوثيقة التأسيس عام 1988، والتي تنص على أن الحركة هي حركة مقاومة إسلامية وتعمل من أجل تحرير فلسطين، فالبعد الإسلامي كان هو الأساس، وأي خلاف لذلك يضع حركة حماس في غير مكانها الصحيح؛ لأن الذي أعرفه أن أي حركة أو تنظيم قد قام من أجل فكرة محددة وتسعى لنشرها وإيجادها في الواقع، كما أنها تلتزم بمنهج محدد لتحقيق هذه الفكرة. وحركة حماس قد قامت كما في بيان التأسيس من أجل فكرة أساسية هي أنها إسلامية، ويؤكد أن البعد الزماني يمتد إلى بداية رسالة الإسلام، والبعد المكاني يمتد لكل مكان يتواجد فيه مسلمون يعتقدون في الإسلام كمنهج حياة. كما أن ميثاق التأسيس لم يتناول كلمة فلسطين إلا في المادة السادسة، عندما ذكرت أن حركة المقاومة الإسلامية هي "حركة فلسطينية متميزة تعطي ولاءها لله وتتخذ من الإسلام منهج حياة. وتعمل على رفع راية الله على كل شبر من فلسطين". والمنهج المتبع لتحقيق هذه الفكرة هو المقاومة وليس السياسة. والمقاومة ليست فقط المقاومة العسكرية، ولكن هناك أشكالا عديدة للمقاومة يمكن توظيفها. ولكن الوقوع في مستنقعات الوطن واحتياجاته الوقتية المتغيرة سوف يضيع البوصلة الأساسية وجذور فكرة المشروع ومنهجيته. والتاريخ يؤكد أن حركة حماس تواجدت وانتشرت في العالم أجمع خلال العقود الماضية بسبب التزامها بفكرتها ومنهجها الأساسيين. لذلك أرجو أن يكون التوجه الإسلامي للحركة هو الغالب وهو الواضح في عهد أبو العبد هنية.

كلمة أخرى للأخ هنيه هي حول تقدير القائد لقوته وإمكانياته، وأنه كلما تم التقدير الصحيح كلما تمكن هذا القائد من تحقيق أهدافه. لقد كرر أبو العبد عدة مرات أن حماس لن تستطيع القضاء على فتح وأن فتح لن تستطيع القضاء على حماس. وما أفهمه هنا أن المقصود بمصطلح "القضاء على" أنه لا يقصد القضاء بمعناه المادي، أي مواجهته عسكريا والقضاء عليه، أي إزالته من الوجود. ولكن الذي أفهمه أنه يقصد القضاء على منهج وفكرة فتح، أو أن فتح لن تستطيع أن تقضي على فكرة ومنهج حماس. وفي تقديري أن مجرد أن يقول المسؤول الأول في حماس أنه لن يستطيع أن يفند آراء فتح وأن ما يحمله من رؤية وفكر لا يستطيع القضاء على ما تدعيه فتح بشأن فلسطين؛ فهذا في حد ذاته بداية التراجع والهزيمة لحماس؛ لأن الأصل أن ما تحمله حماس من فكر وعقيدة ومنهج بالنسبة لأبناء الحركة هو الفكر والمنهج الصحيح، ويسعى أبناؤها لنشره وتحقيقه وإقامته في واقع الحياة. وأتصور أن أبناء فتح سوف يسعون للخلاص من الفكر الحمساوي وتداعياته. والسؤال: لماذا يتحدث مسؤول حماس الأول عن قضية الوصول لنصف الطريق وتقديم تنازلات تجاه المنافس الأول؟ هنا يجب التأكيد على أننا مطالبون بالعمل ولسنا مطالبين بتحقيق النتائج، المهم أن يكون العمل صحيحا صادقا موافقا لمنهج الرسول وسنته عليه الصلاة والسلام. والكل يذكر موقفه صلى الله عليه وسلم عندما عرضت عليه قريش عن طريق عتبه بن ربيعة المُلك أو المال وإيقاف التعذيب للمسلمين، بل وصل لمرحلة أن يعبدوا ربه عاما ويعبد ربهم عاما.. لهذه الدرجة من القبول وحلول الوسط، ولكنه ماذا قال في رده على عمه أبي طالب؟ "لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري لما تركت هذا الأمر حتى يُظهره الله أو أُهلك دونه"، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخاري وآخرون بروايات مختلفة.

كلمة أخيرة أسرها أيضا في أذن الأخ أبي العبد هنية، وهي تهنئة له ولأبناء الحركة بعودة قيادتهم إلى صفوفهم والعيش، بينهم فمنذ استشهاد الشيخ أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي - رحمهما الله - وجمعنا معهم في الصالحين إن شاء الله، كانت قيادة حركة حماس تعيش خارج الأراضي الفلسطينية. وهنا أذكر كلمة للأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله في ثمانينيات القرن الماضي، عندما كثر خروج قيادات مختلفة لعدد من أفرع الإخوان، من أقطارها إلى المنفى في أوروبا بسبب استبداد الأنظمة في تلك الأقطار، أن القائد الذي لا يعيش وسط أفراده وصفه لا تتحقق له القيادة الكاملة.

وفي الختام، أود لفت انتباه الأخ أبي العبد إلى ضرورة التفرقة بين لغة خطاب أبي العبد المسؤول الأول لحركة حماس، وبين الدكتور إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني أو رئيس الحكومة المقالة، وغير ذلك من مناصب. فأرجو أن تراعي ذلك في المستقبل لاختلاف الأدوار. كما أدعو الله سبحانه وتعالى أن يوفقكم لما فيه الخير والصلاح للأمة. والله المستعان وهو من وراء القصد وهو يهدي السبيل.