كتاب عربي 21

استفتاء كردستان .. البركان السياسي

1300x600
كان التنازل عن تيران وصنافير اختباراً لكل أفكار الدولة الوطنية بحدودها ومؤسساتها ومقوماتها وهو اختبار فشلت فيه الفكرة تماماً ووقفت عاجزة عن الفعل أمام واقع متدهور حسب أماكن خطواته جيداً وخطط لتفريغ ردود الأفعال, وكان الأمر أشبه بالمباراة يمكننا القول بلا مبالغة أن العسكر فازوا فيها بجدارة. 
 
المشكلة هي أن الأفكار الوطنية أصابتها الشيخوخة ولم تعد قادرة على الدفاع عن نفسها في مواجهة اختبارات تستهدف (دون قصد) أسسها الفكرية. وهي حالة تشبه كثيراً ما حدث بعد هزيمة 1967 حين انهارت فكرة القومية العربية في حياة مؤسسها عبد الناصر. فالأيديولوجية التي نادت بوطن واحد من المحيط إلى الخليج تجمعه القومية, انهارت فجأة أمام اختبار استهدف وجودها نفسه, فهي لم تفشل فحسب في تحقيق هدفها, بل فشلت  الدول التي ترفع رايات القومية حتى في الحفاظ على أرضها ذاتها. وفقدت مصر وسوريا مساحات من أرضها.
 
وربما كانت حالة الجمود التي تشوب الوضع السياسي في بعض البلاد العربية كمصر, راجعة إلى أن الجماهير ترى انهيار كل ما نشأت عليه. تغيرات كبرى تحتاج الجماهير إلى وقت لاستيعابها وتفتقر إلى مرونة التعامل معها. 
 
لم يكن بمقدور أحد منذ 100 سنة أن يصدق أن القومية العربية والتي بدت وقتها هي الأيديولوجية الوحيدة أمام النخب السياسية, سوف تسقط خلال أقل من نصف قرن وتتهاوى. ولا اعتقد أن خيال أكثرهم جموحاً كان يتصور وقت صدور قرار إلغاء الخلافة, أن يقف رئيس تركي أمام الجموع ليتلو آيات القرآن الكريم باللغة العربية في قلب إسطنبول. 
 
في مقال سابق لي كتبت عن ألغام سايكس بيكو (1) المؤجلة والتي تركها الاحتلال خلفه عمداً. مشاكل لم تُحل وقتها تُركت لتظل كامنة فترة من الوقت ثم تعمل بعدها في مواعيد مبرمجة لتنسف بنيان المنطقة. 
 
ورغم اضمحلال بريق فكرة القومية إلا أن الأكراد لم يلحقوا بركب القومية بعد إلغاء الخلافة, كالعرب والأتراك الذين ذاقوا وبال أمرهم تحت راية تلك الأيديولوجية, فها هم الأكراد يجربون حظهم للمرة الأولى منذ 100 عام, ويسيرون بخطى حثيثة مسيرتهم نحو ما يظنونه استقلالا, وهي خطوات أثبتت تجربة أخوتهم العرب والأتراك من قبل, فشلها. 
 
وتنبع خطورة استفتاء الأكراد من الواقع السكاني الكردي, فالأكراد يعيشون فوق أراضي 4 دول. وقد سمحت الظروف المعقدة التي تمر بها الثورة السورية لبعض فصائلهم بالنمو على أراضي سوريا دون رقيب. وسيعني ظهور الدولة الكردية تغييرا في بنية 4 دول هي تركيا والعراق وسوريا وايران وهو ما يعني تقسيم سايكس بيكو (1) وتفتيتها والبدء في تنفيذ سايكس بيكو (2) والتي ستظهر فيها دول اصغر في كل من سوريا والعراق إلى جانب كردستان. 

ثم هناك التغيرات الأخرى التي سوف تلحق بالدول المتاخمة للدول الأربعة التي يعيش الأكراد على أراضيها. 

 
أي أن المنطقة مقدمة على تغيرات سريعة في بنيتها يصعب على البعض استيعابها وهضمها في ظل وجود حالة من عسر الهضم السياسي لدى نخب من معتنقي الأيديولوجية الوطنية القديمة التي لم تعد صالحة للتعامل مع متغيرات حالة من الغليان السياسي والجيوسياسي تبدو شبيهة بحمم البراكين التي سوف تجتاح في طريقها البنية القديمة للمنطقة بكل أيديولوجياتها.
 
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع