مقالات مختارة

بريطانيا .. من فخر العار إلى عار الفخر

1300x600

كان يمكن ان نشعر بفخر اعتذار الوفد البريطاني من ستين شخصا الذي حضر إلى فلسطين، أكثر بكثير مما شعر به نتنياهو إزاء الاحتفال الذي تحييه الحكومة البريطانية في الذكرى المئوية على الوعد المشؤوم .
لقد حضر الوفد إلى فلسطين لتقديم الاعتذار مشيا على الأقدام، قادما من بريطانيا على مدار خمسة أشهر عبر إحدى عشرة دولة، في حين يسافر نتنياهو إلى بريطانيا بدعوة رسمية.


اشتغل أعضاء الوفد سنة كاملة لكي يوفروا نفقات زيارتهم النوعية إلى فلسطين، نوعية الهدف المتمثل في براءتهم والشعب البريطاني من الوعد، وتقديم الاعتذار للشعب الفلسطيني، ونوعية الشكل حيث قدموا سيرا على الأقدام ووصلوا قبيل حلول الذكرى المئوية، وكان الاعتذار بحد ذاته نوعيا، متخطيا الالتقاء بمسؤولين في ردهات فندق، بل في شارع الشهداء بالخليل، وتعرضوا لاعتداءات المستوطنين والجنود الذين أصبحوا ما هم عليه اليوم بفضل وعد جدهم، وها هم أحفاد الممنوحين يعتدون على أحفاد المانح، ذلك يؤكد صحة ودقة القول الفلسطيني المأثور عن الوعد: «من لا يملك أعطى من لا يستحق».


كان يمكن أن تكون مقاطعة زعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كوربين للاحتفال، بمنزلة إشارة صاخبة أن هذا الحزب التاريخي الذي تربع على عرش بريطانيا مئات السنين، قد قلب ظهر المجن للجرائم التي ارتكبها ودولته ضد الإنسانية عموما وضد شعبنا الفلسطيني حتى لو بعد مئة عام على صك الوعد. لكن كيف يمكن التواصل الرسمي مع هذا الحزب، وقد قاطع سفيرنا في لندن مؤتمر الحزب الذي عقد نهاية الشهر الماضي في برايتون؛ لأن المؤتمر تجاهل توجيه الدعوة للسفير السعودي بسبب دورها في الحرب على اليمن.


كان يمكن أن يكون وقع احتفال بريطانيا بالوعد، أقل وطأة على شعبنا، لو لم تقرنه رئيسة الوزراء بالفخر، فخر العار بتشكيل كيان عنصري استعماري استيطاني إحلالي تلمودي، ارتكب عشرات المجازر بحق الأبرياء، تشريد شعب بأكمله وتحويله إلى لاجئين، شن عشرات الحروب وزرع منطقة كاملة بالتجسس والخوف والاغتيال والاعتقال والهدم والسلاح النووي، فخر العار بأن إسرائيل هي آخر احتلال في التاريخ، التي قال عنها العالم الذري اليهودي ألبرت أنشتاين عندما عرضوا عليه رئاستها، إنه لا يقبل أن يصبح رئيسا لدولة ستفنى ذات يوم. فخر العار الذي لاحق بريطانيا مئة عام قابلة للتمديد مئة عام أخرى بعد ان حولته تيريزا ماي إلى عار الفخر.


لو لم يكن بلفور ووعده، لما كانت مجزرة كفر قاسم التي يحيي أبناؤها هذه الأيام ذكراها الحادية والستين، ولما كان محمود درويش ليقول فيها: يا كفر قاسم/ إنني عدت من الموت لأحيا وأغني/ فدعيني أستعر صوتي من جرح توهج/ وأعينيني على الحقد الذي يزرع في قلبي عوسج/ إنني مندوب جرح لا يساوم/ علمتني ضربة الجلاد أن أمشي على جرحي/ وأمشي ثم أمشي وأقاوم.

 

(القدس المقدسية 31/10/2017)