ملفات وتقارير

حفل لاختيار ملكة جمال مصر في أيام الحداد على ضحايا سيناء

هجوم سيناء استهدف مسجدا وأدى لمقتل أكثر من 300 شخص بينهم أطفال - أ ف ب

وسط حداد الدولة الرسمي على ضحايا اعتداء مسجد الروضة في سيناء، كانت القاهرة على موعد مع حفل اختيار ملكة جمال مصر للسياحة بأحد الفنادق الكبرى.

 
وبينما أهالي سيناء لم يكملوا بعد مراسم دفن وعزاء 305 من أبنائهم بينهم 30 طفلا، وفي الوقت الذي يقبع فيه عشرات الجرحي يصارعون الألم وينتظرون الموت في المستشفيات، تنقل وسائل إعلام مصرية وقائع حفل ملكات الجمال، وتنشر صور ضيوفه عبر صفحاتها ومواقعها بالملابس السواريه. 
 
مشهدان متباينان يفصلهما من الزمن 24 ساعة فقط ،الأول صور لأهالي سيناء وسط الدماء والثاني صور أخرى للاحتفال، ما دفع مراقبين للتساؤل عن أخلاق مهنة الصحافة وعدم احترام مشاعر المصريين وأهالي سيناء، وآثاره السلبية.
 
وعاشت مصر الجمعة، يوما حزينا، بعد استهداف مسلحون في سيناء مسجدا في أثناء صلاة الجمعة، أسفر عن مقتل 305 أشخاص وإصابة العشرات.
 
وإثر الجريمة، وعلى الصفحة الرسمية لمسابقة ملكة جمال مصر للسياحة والبيئة؛ نشرت مديرة إحدى الشركات الراعية للمسابقة دينا عكاشة، خبر إلغائها، إلا أنه تمت إقامة الحفل وسط الأحزان المصرية.
 
وفي أثناء الحفل، أعلنت منظمة المسابقة خلود عز، عن اضطرارها لإقامته وعدم تأجيله بسبب التزامات كبرى لا يمكن التغاضى عنها، وقدوم شخصيات مهمة من خارج مصر.
 
حداد بالسواريه

 
وتحت عنوان "دقيقة حداد كفاية"، قال مدير المركز العربي للإعلام، الكاتب الصحفي عماد ناصف، إنه "في أحد الفنادق الكبرى تم تنظيم حفل اختيار ملكة جمال مصر للسياحة؛ ببداية الحفل الصاخب، ومشاركة من المنظمين لأحزان مصر بفقدان أكثر من 300 إنسان، تم عزف السلام الوطني والوقوف بملابس السواريه الساخنة دقيقة حداد".
 
مضيفا عبر فيسبوك: "دقيقة حداد كفاية؛ وبعدها نفرح وننبسط ونحتفل بملكة جمال مصر الجديدة، نحتفل بالخيبة والوكسة واللاضمير واللاإنسانية واللا وعي واللاذوق واللا أخلاق واللامسؤلية واللا وطنية"، منتقدا من سمح بتنظيم احتفال بهذا الشكل في ظل حداد رسمي من الدولة مطالبا بمحاسبته.
 
وداعا للمهنية

 
وانتقد ناصف، انفراد موقع "اليوم السابع" المقرب من النظام بنشر خبر ملكة جمال السياحة، ومعه 53 صورة للجميلات وفقرات الحفل، في ظل حزن رسمي وشعبي، متسائلا: "هل هذا مناسب ؟ هل هذا لائق لا أقول مهنيا ولا أخلاقيا؛ هل لائق إنسانيا؟ أم إن وضع كلمة (حداد) في الترويسة تكفي؟".


تراجيديا الإعلام

 
وفي تعليقه، قال أستاذ الإعلام المشارك بجامعة حلوان، الدكتور عماد جابر، "ابحث عن المستفيد تتضح لك الصورة وتتكشف لك الحقائق"، واصفا ما حدث بأنه "تراجيديا الإعلام في أبهي صورها".
 
جابر، أضاف لـ"عربي21"، أن ما يحدث هو "إلهاء في إلهاء في إلهاء؛ لا مهنية لا مراعاة لأعراف مجتمعية، ولا حتى مراعاة للدم الذى سكب في سيناء"، متسائلا: "هل هذا ما تعلمناه من أساتذتنا في كليات ومعاهد الإعلام؟".
 
احتكار المعلومة وتوجيهها

 
الأمين العام المساعد السابق للمجلس الأعلى للصحافة، قطب العربي، يرى أن "المشكلة ليست في القنوات أو الصحف ذاتها"، مؤكدا أنها "مطالبة بنقل الخبر أيا كان مأساويا أو متفائلا، ولكن المشكلة فيمن يدير هذه القنوات والصحف".
 
رئيس المرصد العربي لحرية الإعلام، أوضح في حديثه لـ"عربي21"، مقصده قائلا: "وأقصد هنا تحديدا من يعطي التوجيهات لطريقة التغطيات، وهو معروف بالنسبة للإعلام المصري حاليا (عباس كامل مدير مكتب قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي ورجاله في المخابرات)".
 
وأوضح العربي، أن "هؤلاء هم من أداروا واحتكروا معركة المعلومة والصورة في مذبحة مسجد الروضة؛ ليحركوها بالطريقة التي تخدم نظامهم".
 
وأكد أنهم "هم أنفسهم الذين وجهوا بنقل فعاليات حفل ملكات الجمال وغيرها من الحفلات بالطريقة التي تخدم نظامهم أيضا"، مضيفا أنه "في كل الحالات لم تكن هناك شفافية ولا مراعاة لمشاعر المصريين".
 
ليست المرة الأولى

 
من جانبها قللت الكاتبة الصحفية، مي عزام، من خطورة الأمر، وأكدت أن نشر الإعلام المصري صور حفل ملكات الجمال إثر فاجعة المصريين في سيناء، لم يكن الأول، موضحة لـ"عربي21"، أنه حدث مثل تلك المواقف مسبقا وفي مواقف صعبة وقاسية مرت على المصريين.
 
تؤجج النفوس وتدفع للانتقام

 
وعن الآثار النفسية والسلبية لمثل هذا التعامل من الصحافة على أهالي الضحايا، وصف استشاري الصحة النفسية، الدكتور محمد الحسيني، جريمة الاعتداء على المصلين بالمسجد بـ"الكارثة"، مشيرا إلى أن "قرية مصرية من 750 فردا قتل منها 320 غير المصابين، فمن تبقى من أهالي القرية؟".
 
الحسيني تساءل في حديثه لـ"عربي21"، "عن أسباب سلوك الإعلام المصري مثل هذا المسلك المتجاوز، وعن سماح الجهات الرسمية له بمثل هذا الفعل، الذي يعني أن هناك إغفالا لحقوق الإنسان".
 
ويعتقد أستاذ علم النفس، أن "القضية لدى الإعلام والنظام ليست قضية حقيقة لأن المهتم يرفع الشارات السوداء ويتكلم ليل نهار، لكن الموضوع للأسف الشديد مدبر لإخلاء سيناء"، متسائلا عمن سيكون في صالحه إخلاء شبه الجزيرة المصرية.
 
الأكاديمي المصري، أكد أن هذا التجاهل لمشاعر أهالي الضحايا وأهالي سيناء؛ يزرع الكره والحقد لديهم، وقال: "بلا شك أن أهالي الضحايا وأقاربهم تعرف أن سيناء عوائل قريبة نسبا، وأن مثل تلك الصور المنشورة للحفل في وقت قريب من الجريمة تؤجج النفوس".
 
وأضاف: "لكن بنيت دولة الخوف وزرع في نفوس الناس الخوف والخنوع، ومن سيتصرف الآن سيتصرف من باب المنتقم وهو على عينيه غشاوة الانتقام لا يستطيع أن يتحكم أو يفكر ويدرس"، واصفا "المنتقم بأنه شخص لا يصل إلى صورة متكاملة لنجاح متكامل، هو فقط يحصل على مأربه الشخصي المباشر".
 
وأشار إلى أن "الناس في حالة ثبات؛ ومن فعل هذه الفعلة المنكرة يعرف أن الشعب في حالة خوف ولا يستطيع أن يرد بسبب هذه الحالة التي تعم الشارع المصري".