قضايا وآراء

تنافس أمريكي روسي على "قسد"

1300x600

بغض النظر عن الأسباب التي دفعت روسيا إلى تقديم الدعم الجوي لـ "قوات سوريا الديمقراطية" في ريف دير الزور الشمالي والشرقي، فإن رسالة الشكر التي وجهتها "وحدات حماية الشعب" الكردي لروسيا تحمل في طياتها رسائل سياسية تتجاوز مسألة العرفان بالجميل للدور الروسي.
 
لا يمكن فصل هذه الرسالة والصراحة المقصودة في شكر روسيا عن تطورين مهمين:
 
- الرئيس الأمريكي يخبر نظيره التركي عبر اتصال هاتفي، بأن البيت الأبيض أصدر أوامر بوقف إرسال شحنات إضافية من الأسلحة إلى المقاتلين الأكراد في سوريا.
 
- وزير الدفاع الأمريكي، جيم ماتيس، يعرب عن توقعه بأن يتحول التركيز إلى الاحتفاظ بالأراضي بدلا من تسليح المقاتلين الأكراد، مع دخول العمليات الهجومية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا مراحلها الأخيرة.

 

 

العلاقة بين واشنطن والوحدات الكردية في مرحلة ما بعد داعش تختلف كثيرا عن مرحلة محاربة التنظيم


يعني التطور الأول أن الولايات المتحدة بدأت بإعادة ترتيب علاقتها مع حليفتها التقليدية (تركيا)، ويعني التطور الثاني أن العلاقة بين واشنطن والوحدات الكردية في مرحلة ما بعد داعش، تختلف كثيرا عن مرحلة محاربة التنظيم. وإذا كانت مرحلة محاربة التنظيم تفرض إعطاء أولوية أمريكية للوحدات الكردية، فإن مرحلة ما بعد التنظيم تتطلب انفتاحا على القوى الاجتماعية كافة، وما يفرضه ذلك من إعادة ضبط سياسات القوة.
 
فهمت الوحدات الكردية الرسائل الأمريكية، وردت عليها برسالة مماثلة لا تخلو من شعور بفائض القوة. لا يقتصر الأمر على شكر روسيا فحسب، بل تجاوز الأمر إلى حد حماية الوجود الروسي على الأرض في دير الزور، وإجراء تفاهمات سياسية - اجتماعية - اقتصادية بين الطرفين في الشمال السوري، حيث تشهد النقاشات الكردية - الروسية تطورا مهما في الفترة الماضية، لجهة تشكيل مجالس إدارة مدنية تضم رؤساء العشائر ووجهاء وشخصيات اعتبارية، للتمثيل المباشر للعرب والأكراد وبقية المكونات العرقية والدينية في المنطقة، وفق مبدأ "الديمقراطية والإدارة الذاتية".

 
من مصلحة الوحدات الكردية أن تنسج علاقات قوية مع الروس، ليس فقط لموازنة العلاقة مع الولايات المتحدة مستقبلا، بل أيضا لضبط إيقاع الأتراك، فموسكو الأقدر على لجم تركيا في الشمال السوري.

 

 

من مصلحة الوحدات الكردية أن تنسج علاقات قوية مع الروس، ليس فقط لموازنة العلاقة مع الولايات المتحدة مستقبلا، بل أيضا لضبط إيقاع الأتراك


بالنسبة لروسيا، يشكل التعاون مع الوحدات الكردية فرصة للتوصل إلى تفاهمات بينهم وبين النظام. وتحاول موسكو منذ فترة إدخال "حزب الاتحاد الديمقراطي" في العملية السياسية، ومنحه ضمانات في الحصول على حقوقه وفق ما هو متاح، مقابل تقديم الوحدات تنازلات جغرافية لصالح النظام في الرقة وريف حلب الشمالي والغربي، وبعض المناطق في ريف دير الزور الشرقي والشمالي.
 
وقد عادت محافظة الرقة وإدلب ومنطقة عفرين إلى الواجهة من جديد، مع التصريحات التي أطلقت من دمشق وأنقرة تجاه الوحدات الكردية، قبل أن تضع المعارك أوزارها في دير الزور.
 
لكن المشكلة التي يواجهها النظام السوري وتركيا - على السواء - مع "قوات سوريا الديمقراطية"، هي أنهما لا يستطيعان شن هجوم عسكري ضد هذه القوات من دون غطاء روسي، لا يمكن توفيره من دون التفاهم مع الولايات المتحدة، ولا يستطيعان بالمقابل ترك الأمور على ما هي عليه ورؤية الأكراد يعززون وجودهم العسكري والسياسي والإداري والديمغرافي في الشمال السوري.
 
تدرك روسيا جيدا أن الولايات المتحدة لن تسمح للوحدات الكردية باستثمار انتصاراتهم العسكرية سياسيا، أي لن تسمح واشنطن بإقامة فدرالية كردية. وعليه، تعتقد موسكو أن التعاون مع الوحدات في المرحلة المقبلة سيحقق للطرفين مكاسب كبيرة، ويسمح للأكراد بالانفتاح على المحور الروسي.
 
وقد ظهرت بوادر الخلاف الأمريكي مع الأكراد جلية في الآونة الأخيرة، حين طلبت واشنطن تسليم الإدارات المحلية التي يسيطر عليها الأكراد إلى العرب والعشائر المحلية في حلب والرقة ودير الزور، وفي حال نفذ الأكراد ذلك سيجدون أنفسهم محاصرين في بقعة جغرافية ضيقة.
 
والحل الأفضل بالنسبة للوحدات الكردية يأتي من البوابة الروسية لا الأمريكية؛ لأن مناطق السيطرة الكردية محاصرة من قبل المحور الروسي (النظام في الجنوب، تركيا في الشمال)، وعقد صفقة مع موسكو تتخلى الوحدات بموجبها عن بعض الأراضي، مقابل حصولها على امتيازات اقتصادية في بعض المناطق يعد الحل الأمثل.

 

الحل الأفضل بالنسبة للوحدات الكردية يأتي من البوابة الروسية لا الأمريكية؛ لأن مناطق السيطرة الكردية محاصرة من قبل المحور الروسي

وعلى الرغم من كل ذلك، من المبكر الحديث عن تغيير في طبيعة التحالفات القائمة بين مختلف الفرقاء، في ضوء قرار الولايات المتحدة الإبقاء على حضورها العسكري في سوريا خلال المرحلة المقبلة، وهذا أمر يتطلب استمرار التحالف الأمريكي/ الكردي.
 
كما أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تتخلى عن الورقة الكردية، وكل ما تريده هو أن يغير الأكراد استراتيجيتهم بما يتناسب مع طبيعة المرحلة؛ التي سيكون لها قواعد عمل جديد من شأنها أن تعدل من التحالفات القائمة دون أن تلغيها.