قضايا وآراء

القدس و"الجهاد الاقتصادي"

1300x600

شهد العام 1917 صدور وعد بلفور الذي جعل فلسطين فريسة سائغة للصهاينة، وأعطى من لا يملك لمن لا يستحق.. وبعد مئة عام، وقبل أن ينتهي العام 2017، أبى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلا أن يحقق وعوده الانتخابية، باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، في السادس من كانون الأول/ ديسمبر الحالي، ونقل السفارة الأمريكية إليها في وقت لاحق، متحديا بذلك مشاعر أكثر من 1.6 مليار مسلم في بقاع المعمورة، وإن كان هذا القرار تم بغطاء من صهاينة العرب، الذين لا يتورع ذبابهم الإلكتروني في الوقت الحالي عن مهاجمة الفلسطينيين، بل وتشكيك المسلمين في حقهم التاريخي في فلسطين، وفي القلب منها القدس.

لقد جاء ترامب إلى منطقة الخليج يوم 20 أيار/ مايو 2017؛ حاملا حقيبته الاقتصادية والسياسية وأجندته الصهيونية، فعاد محملا بأكثر من 460 مليار دولار، ممثلة في صفقات اقتصادية وعسكرية، من السعودية وحدها.. وغرد بعدها على تويتر بأنه جاء من خلال هذه الصفقة؛ بالوظائف للأمريكيين، واصفا صفقته بأنها حَلْب للخليج..

 

وقد كانت تلك الزيارة سببا رئيسا في اندلاع الأزمة الخليجية، حيث استقوت دول بترامب لحصار قطر. كما كانت تلك الزيارة منطلقا لصفقة القرن، والتي جعلت من ترامب يعلن بكل وقاحة أن القدس عاصمة للكيان الصهيوني. بل ومن نتاج ذلك أيضا، أن استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو لنقض قرار مجلس الأمن الذي سعى لرفض قرار ترامب.

لذا، لم يكن مستغربا هذا السكوت القبوري للعديد من الحكام العرب، بل وسعيهم لإفشال مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي لمواجهة قرار ترامب. فقد عمل بعضهم على حث أقرانهم على عدم حضور تلك القمة التي أقامها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإسطنبول، يوم 13 كانون الأول/ ديسمبر الحالي.

 

ففي الوقت الذي حضر فيه قمة ترامب بالسعودية أكثر من 50 رئيس دولة إسلامية، لم يتعد حضور قمة القدس بإسطنبول 16 رئيس دولة إسلامية، منهم حضور عربي هزيل، مما دفع وزير خارجية تركيا، مولود جاويش أوغلو، إلى التعليق على ضعف التمثيل العربي في القمة، قائلاً: "بعض الدول العربية أبدت رد فعل ضعيفا للغاية لخشيتها من غضب الولايات المتحدة الأمريكية". بل وفي ظل هذا الغياب العربي، حضر الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، بصفته ضيفا يرفض ممارسات الكيان الصهيوني، ليعري بذلك سلوك الحكام الغائبين.

إن قضية فلسطين هي قضية المسلمين الأولى، ولو ضاعت القدس لن تكون مكة والمدينة كما هي، فمن يفرط في القدس سيفرط في غيرها. وإذا كان بعض حكام العرب والمسلمين فرطوا بأمانتهم تجاه أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى النبي الأمين، فإن الشعوب الإسلامية من المحيط للخليج ما زالت تنبض ولم ولن تموت. ولا أقل لتلك الشعوب من مناصرة قضية فلسطين، وفي القلب منها القدس، من جهاد اقتصادي يعزون ويدعمون به إخوانهم المرابطين في فلسطين، ويحققون به النكاية للصهاينة المحتلين وحلفائهم.

 

ويمكن تحقيق ذلك من خلال نوعين من "الجهاد المالي"، أحدهما: إيجابي من خلال تخصيص كل مسلم مبلغا من دخله الشهري لقضية فلسطين، يتم به دعم إخواننا في فلسطين، فضلا عن نشر الوعى بتلك القضية باعتبارها قضية إسلامية مقدسة لا يحق لأحد التفريط في شبر منها، ولا مكان ولا اعتراف لوجود الكيان الصهيوني فيها.

أما النوع الثاني من "الجهاد الاقتصادي"، فيمكن تسميته بـ"الجهاد الاقتصادي السلبي"، من خلال مقاطعة السلع والخدمات الأمريكية بصورة منظمة وبنفس طويل، وكذلك عدم الاحتفاظ بأرصدة دولارية، واستبدال ذلك بعملات أخرى، فضلا عن اتجاه المستوردين إلى إحلال العملات الأخرى محل التعامل بالدولار.

وختاما، فإنه تبدو أهمية تحويل العمل الفردي إلى عمل مؤسسي من خلال مؤسسات المجتمع المدني، حتى يكتب له الفعالية والاستمرار، كما أن الأمل لا يزال معقودا نحو بعض الدول الإسلامية الحرة للعمل على تقنين ذلك، والدعوة إليه وخلق الوعي به، مع تفعيل نظام المدفوعات الثنائية بين تلك الدول بعيدا عن الدولار الأمريكي.