كتاب عربي 21

إقصاء عنان.. القاتل والخائن لا يتخلّيان عن السلطة!

1300x600

أصدرت "القيادة العامة للقوات المسلحة" المصرية، الثلاثاء (23 كانون الثاني/ يناير)؛ بيانا ترفض فيه قبول ترشّح رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق سامي عنان؛ لرئاسة الجمهورية. واتّهمت عنان - في البيان ذاته - بسلسلة تهم، أولها إعلانه الترشّح دون حصوله على موافقتها أو دون اتخاذه إجراءات إنهاء استدعائها له (أي أنه ما زال ضابط احتياط في الجيش)، وثانيها اتهامه بالتحريض على القوات المسلّحة بغرض إحداث الوقيعة بينها وبين الشعب، وثالثها اتّهامه بالتزوير، وبالتالي استدعاؤه للتحقيق، وأخيرا احتجازه، كما تقول بعض الأنباء حين كتابة هذه المقالة.

وبالرغم من ضرورة الاحتياط دائما في توقع مآلات مثل هذا الموقف، فإنّ هذا الموقف مما ينبغي أن يُتوقّع سلفا. فالذي يغرق في الدم من أجل الوصول إلى الحكم، ويتورّط في ممارسات خطيرة تشير إلى ارتباطات غامضة بـ"إسرائيل"، وتفريط غير مفسّر بمقدّرات البلد وثرواته وترابه؛ لا يمكنه أن يترك كرسي الحكم لغيره، على الأقل لن يفتح مجالا لاقتياده إلى حبل المشنقة، أو لاتهامه بالخيانة، فكيف إذا كان هذا الغارق في الدم والخيانة، هو عبد الفتاح السيسي؛ بصفاته التي نعرفها، والتي أقلّها سوءا الغدر والانتهازية!؟

 

 

الذي يغرق في الدم من أجل الوصول إلى الحكم، ويتورّط في ممارسات خطيرة تشير إلى ارتباطات غامضة بـ"إسرائيل"، وتفريط بمقدّرات البلد وثرواته وترابه؛ لا يمكنه أن يترك كرسي الحكم لغيره


حينما تحالفَتْ بعض القوى "المدنية" مع العسكر وفلول نظام مبارك لإسقاط الرئيس محمد مرسي؛ اعتقدت تلك القوى أن الدولة من الممكن أن تُسقط لهم خصمهم السياسي أو الأيديولوجي، ثم تسلمهم الحكم على طبق من ذهب، واستمرّ هذا البعض في غيّه وحماقاته حتى بعد مذبحة رابعة، أي بعدما غرق السيسي في الدم، وهو في موقع القوّة والمسؤولية. فبالرغم من أنّه لا يمكن لقاتل الآلاف أن يتخلّى عن قوته وحصاناته، وأن يفتح نافذة ديمقراطية؛ من الممكن أن ينبثق عنها ولو احتمال هشّ وهزيل يؤدّي إلى محاكمته! بالرغم من ذلك، ظلّ ذلك البعض محتفظا بأحلامه الساذجة عن إمكانية أن يسلّمه عبد الفتاح السيسي الحكم!

من بين الإسلاميين؛ يتّسم بهذه السذاجة حزب التحرير الذي تقوم نظريته في التغيير على دعوة الجيوش للقيام بالانقلابات ثم تسليمه الحكم. مثل هذا التصوّر ليس قاصرا فقط عن إدراك السياقات التي نشأت فيها الجيوش العربية، لكنّه ينزع من قادة الجيوش غرائزهم البشرية، ويتصورهم نمطا من الملائكة المخلّصين، بل إنّ الحزب نفسه في بيان أصدره في آب/ أغسطس 2013، دعا السيسي لنصرة الخلافة والعاملين لها، أي لنصرة حزب التحرير، بصفته العامل الحصري الوحيد لإعادة الخلافة!

 

 

 

ظلّ البعض محتفظا بأحلامه الساذجة عن إمكانية أن يسلّمه عبد الفتاح السيسي الحكم!


بالتأكد ثمة فرق، في الدوافع والتحليل والظرف والسياق، بين المَثَلين المذكورين أعلاه، وبين العديد ممن حمل بعض الآمال على إمكانية أن يؤدّي ترشّح عنان لاختراق ما في المشهد المصري المصمت. وهذا الموقف لا يخلو من بعض عناصر الوجاهة المحترمة، إلا أنّ النقد متّجه للذين لم يتوقّعوا هذا الإجراء من المجلس العسكري في حقّ سامي عنان، وبالغوا في الرهان على صراع أجهزة الدولة المصرية، ودون أن نقول بدورنا هنا أن الأمر انتهى عند هذا الحدّ، فالاحتمالات قائمة على أيّ حال.

الفكرة؛ أن عبد الفتاح السيسي، من جهة أولى، في مهمّة تخريب عظمى لمصر، وفي خدمة أهداف استعمارية لحوحة وعجولة لا يمكن لأحد أن يقوم بها على الوجه المطلوب إلا هو، فالظنّ بأنّه بات عبئا على داعميه محض خرافة وتفكير رغبويّ، فعلى الأقل هو لم يزل الأنسب بالنسبة للأهداف الإسرائيلية.. ومن جهة أخرى، فإنّ اشتغال السيسي كلّه منذ انقلاب العام 2013 وحتى اللحظة - بالإضافة لمهمته الأولى - على إعادة تشكيل الدولة ومراكز القوى والنفوذ فيها، لا يسمح بإخراجه من السلطة.

بصرف النظر عن جشع السيسي للسلطة، فإنّ خروجه منها، أو إضعاف مركز قوّته، يعني بالضرورة الخطوة الأولى على طريق محاكمته، وهو ما يعيه هذا المخلوق جيدا؛ منذ الثانية الأولى التي بدأ فيها بالتخطيط لانقلابه.

 

القوّة الأساسية التي يستند إليها السيسي الآن هي الجيش المصري، من خلال نخب قيادية وفّر لها المصالح التي لا بدّ منها لخلق عصبة مساندة له بهذا القدر الحاسم

لكن ماذا يعني أن يقف المجلس العسكري، هذا الموقف الحاسم من أحد منافسي السيسي المحتملين، دون أي اعتبار لمكانة هذا المنافس؟!

بالتأكيد، لا يحكم السيسي مستندا إلى مجرد الدعم الإسرائيلي، أو دعم بعض دول الخليج، وإنما لا بد من عُصب مساندة له داخل الدولة، وهذه العصب تحتاج إلى شبكة مصالح جامعة فيما بينها. والقوّة الأساسية التي يستند إليها السيسي الآن هي الجيش المصري، من خلال نخب قيادية وفّر لها المصالح التي لا بدّ منها لخلق عصبة مساندة له بهذا القدر الحاسم.

لكن يبدو الأمر أبعد من ذلك، فما نقوله عن الدعم الإسرائيلي المريب للسيسي، وإهدار الأخير لثروات مصر ومقدراتها، ألمحت إليه حملة سامي عنان. فهل كانت الدولة المصرية، بما في ذلك الجيش وكل أجهزتها الأمنية، غافلة أو غير مدركة لما كنّا نقوله منذ خمس سنوات بالاستناد إلى الظواهر المتاحة لأي متابع؟!

نحن أمام احتمالين الآن؛ إمّا أن هذه الدولة مهترئة ورديئة إلى درجة غير قادرة على ملاحظة ثم محاسبة حاكم مطلق القدرات في تدمير البلد وبيعها للأجنبي، أو أنّ الدولة، بما في ذلك الجيش، تعاني من اختراقات من نوع الاختراق الذي يمثّله السيسي، وبالضرورة فإنّ الدولة المخترقة إلى هذا الحدّ هي دولة مهترئة. هذا يجعلنا نقول إن العصب التي يستند إليها السيسي في الجيش وبقية أركان الدولة، هي عُصب مخترقة، ويجمعها الاختراق بالإضافة للمصالح.