صحافة دولية

هيرست: هل حقّق السيسي ولاء الجيش المطلق بعد بيان عنان؟

هيرست قال إن السيسي تخلص من خصومه الأقوياء داخل المؤسسة العسكرية- جيتي

علق الصحفي البريطاني، ديفيد هيرست، في مقال له على الإجراءات التي يتخذها السيسي للتخلص من خصومه الأقوياء داخل المؤسسة العسكرية والأمنية، ليفسح بذلك المجال أمامه للتفرد في الحكم، والفوز بفترة رئاسية ثانية.


وعلى ضوء إزاحة المرشح المحتمل سامي عنان الذي شغل سابقا منصب رئيس هيئة الأركان للجيش المصري؛ رأى هيرست في مقاله في "ميدل إيست آي"، أن ما فعله السيسي بالفصائل المنافسة له داخل الجيش لا يبشر بحياة طويلة آمنة، ولا حتى بعد التقاعد.


وقال هيرست إن عنان تمكن بسرعة فائقة من الفوز بدعم طيف واسع من المؤيدين، بما في ذلك نخبة السياسيين ورجال الأعمال المحيطين بالرئيس المصري السابق حسني مبارك وابنه جمال، إضافة إلى رموز من داخل المعارضة المصرية، الأمر الذي دفع السيسي إلى اعتقاله وتوجيه تهم له أنهت حياته السياسية، وأخلت الطريق أمام فوزه في الانتخابات الرئاسية.

 

اقرأ أيضا: هل يخشى السيسي انقلابا عليه من المؤسسة العسكرية؟

وتساءل هيرست: "هل طهّر السيسي الجيش بما يكفي حتى يتمكن من الاعتماد عليه وضمان ولائه المطلق؟"، وأجاب: "يبدو من البيان الذي صدر عن الجيش، والذي وجه الاتهام إلى عنان، أن ذلك قد تحقق له فعلاً".

وفي ما يأتي نص المقال كاملا مترجما لـ"عربي21":

ما فعله السيسي بالفصائل المنافسة له داخل الجيش لا يبشر بحياة طويلة آمنة، ولا حتى بعد التقاعد.

قبل أن يعلن أحمد شفيق نيته دخول حلبة التنافس على الرئاسة في مصر، عُقد اجتماع في القاهرة لاتخاذ قرار بشأن من هو الشخص المناسب لكي يطلق حملة انتخابات جادة تمكنه من أن يحل محل الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي. 

شارك في الاجتماع عدد من كبار ضباط الجيش وشخصيات من المجتمع المدني بمن فيهم سامي عنان، رئيس هيئة الأركان السابق. وكان موجوداً ضمن الحضور مجدي حتاتة، أحد أسلاف عنان في منصب رئيس هيئة أركان الجيش، وكذلك أسامة عسكر، القائد السابق للجيش الثالث، وذلك بحسب ما وصل موقع ميدل إيست آي من معلومات. 

ناقش الاجتماع في البداية مساندة مرشح مدني، ولكن المجتمعين لم يتمكنوا من الاتفاق على مرشح. ثم توافقوا على دعم أحمد شفيق. وظل عنان صامتاً. ثم عندما تعرض مشروع شفيق للترشح إلى التحطيم (حيث هدد هو وابنتاه بتلطيخ سمعتهم بتوجيه تهم لهم بالتورط في الفساد)، حولت المجموعة التي حضرت الاجتماع تأييدها لصالح عنان. 

تمكن عنان بسرعة فائقة من الفوز بدعم طيف واسع من المؤيدين، بما في ذلك نخبة السياسيين ورجال الأعمال المحيطين بالرئيس المصري السابق حسني مبارك وابنه جمال، إضافة إلى رموز من داخل المعارضة المصرية. 

في تلك الأثناء كانت أعصاب السيسي تشهد حالة من التوتر المرتفع بسبب سلسلة متواصلة من المحادثات المسربة، والتي أعلن هو أنها من عمل المعارضين له داخل جهاز المخابرات العامة، وهو الجهاز المنافس للمخابرات الحربية، والمؤسسة الوحيدة التي تمتلك من النفوذ ما يمكنها من التنصت على المكالمات الهاتفية التي يجريها أشخاص داخل الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس. 

افترض السيسي، وكان محقاً في ذلك، أن المخالفين له داخل جهاز المخابرات العامة، والذين كانوا يبذلون وسعهم من أجل تقويضه والنيل منه، سوف يدعمون عنان. 

كل المدافع تطلق نيرانها

بدأ عنان حملته يوم الأحد بفتح النار من كل المدافع، وكانت الانطلاقة صلية صواريخ وجهها ضد رئاسة السيسي. لم يكن محتوى ما قاله فحسب هو مضمون ما بعث به من رسائل مطلوبة وإنما أيضاً هوية الأشخاص الذين جمعهم من حوله. 

كان أحد مستشاريه الرئيسيين هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبة، والذي زعم في عام 2016 أن فساد الدولة كبد البلد ستة وسبعين مليار دولار، أي قريباً من مجموع ما استلمه السيسي من دول الخليج منذ انقلابه في عام 2013. 

وكان المتحدث باسمه الدكتور حازم حسني، أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في مجال "التمكين السياسي والاقتصادي". 

إلا أن ما ذكره عنان كان بمثابة تحد كبير، حيث قال إن الإخفاقين الكبيرين لمصر كانا المياه والأرض – أما الإخفاق الأول فيشير إلى النزاع المتنامي مع إثيوبيا والسودان حول سد النهضة الإثيوبي العظيم بالقرب من أسوسا، والذي يهدد بتقليص موارد مصر من مياه النيل، وأما الإخفاق الثاني فيشير إلى القرار المثير للخلاف الذي تم بموجبه التنازل للمملكة العربية السعودية عن جزيرتين غير مأهولتين في البحر الأحمر، هما تيران وصنافير. 

طالب عنان بالانفراج السياسي، وقصد بذلك إطلاق سراح عشرات الآلاف من المساجين السياسيين الذين ألقى بهم السيسي في غياهب السجون. وكرر ما كان يقوله شفيق من قبل حول الجيش معتبراً إياه حيوياً لمصر، ولكن عليه أن ينسحب من الموقع الذي يحتله الآن في ميداني السياسة والاقتصاد. 

طُلب من الناطق باسم عنان، الدكتور حازم حسني، عدة مرات نفي المزاعم التي تقول إن عنان يدخل مضمار السباق الرئاسي بدعم من جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، ولكنه تجنب ذلك قاصداً، وأجاب: "عندما تضع صوتك داخل صندوق الاقتراع فأنت لا تعلن ما إذا كنت من الإخوان المسلمين أم لا. طالما يوجد أناس يحق لهم الاقتراع، فإننا نرحب بأصواتهم".

وردد حازم حسني الزعم القائل بوجود الكثير من الظلم الذي لحق بالناس الذين أدخلوا السجن.

دخل عنان الحلبة وعيناه مفتوحتان. خمن حازم حسني أن تكون المعركة قاصمة للظهر، ولكن لم يخطر بباله أن ظهر حملة عنان هو الذي سيقصم، وسيقصم سريعاً جداً. 

كانت أمارات القلق بادية بكل وضوح على وجه السيسي حينما هدد بأنه ما كان ليسمح للفاسدين بالاقتراب من كرسي الرئاسة. ويوم الأربعاء كان عنان يرفل في أغلاله داخل مقر القيادة العليا للجيش، بعد أن ألقي عليه القبض بتهمة التحريض. 

زعم متحدث باسم الجيش أن عنان زور وثائق رسمية تقول إنه أنهى خدمته العسكرية، وبناء عليه فسوف يحاكم أمام القضاء العسكري لارتكابه انتهاكات جسيمة لقوانين الخدمة العسكرية. 

في تصريح لموقع ميدل إيست آي، أعرب محمود رفعت، وهو محام وناطق باسم حملة عنان الرئاسية، عن اعتقاده بأن حياة عنان باتت في خطر.

انقسام داخل الجيش

لم تستمر حملة عنان أكثر من ثلاثة أيام، لكن أياً كان الذي سيحدث من الآن فصاعداً، والأغلب أن السيسي سيستخدم كل ما لديه من قوة لكي يسحق أي معارضة تقف في طريقه وحتى يتسنى له أن يفوز بفترة رئاسية ثانية، فإن الأدوار التي لعبها كل من شفيق وعنان في هذه الدراما ستكون لها آثار طويلة المدى. 

عنان وشفيق، كلاهما، أخرجا الانقسام داخل الجيش المصري من الخلف إلى الواجهة ومن الظل إلى النور. 

لم يعد خاف على أحد أن الجيش المصري، تلك الدولة داخل الدولة، والكائن الضخم الذي تمتد أذرعه في كل ناحية من نواحي الحياة الاقتصادية والسياسية في البلاد، بات منقسماً، وولى عهد التوازنات بين القوى التي ساندت انقلابه في عام 2013 ثم مرشحه بعد عام واحد على ذلك. 

لا يوجد الآن سوى السيسي بما لديه من نفوذ المخابرات الحربية وبما خلفه من قائمة طويلة ومتنامية من ضحاياه، بما في ذلك بعض كبار المتنفذين من ضباط الجيش السابقين، أولئك الذين لا يكادون يذكرون أمام ما كانوا يتمتعون به من قوة وجبروت، ما لبثوا أن جردوا منه، وكل قوى الإسلاميين والعلمانيين من أهل ميدان التحرير. 

بدايات متواضعة

حتى نفهم ذلك دعونا نعود سنوات قليلة إلى الوراء يوم كان السيسي ضابط جيش مجهول كل همه أن يجذب انتباه رؤسائه وأن يحظى بإعجابهم. بعد انقلاب عام 2013 أجرى السيسي مقابلة طويلة مع الصحفي المصري ياسر رزق بوجود مدير مكتبه عباس كامل. سجلت المقابلة، وتم فيما بعد تسريب مقتطفات منها. 

روى السيسي خلال المقابلة كيف تم تقديمه إلى الأستاذ، إلى أقوى رجل في الجيش، قائد القوات المسلحة المصرية ورئيس المجلس الأعلى للقوت المسلحة محمد حسين طنطاوي. 

راح السيسي يخبر الصحفي بأن عباس كامل هو الذي قدمه لطنطاوي قائلاً: "أنا لما عباس قدمني .. قدمني ازاي؟ ابني وحتة مني. قال دا ابني .. قالهم دا ابني وحتة مني، وإيه؟ يعرف ربنا ..... ليلتها يا عباس كنا في المجلس الأعلى في ... الاتحادية .. المشير طنطاوي راجل بيتسم بالتحفظ الشديد .. جداً .. جداً يعني. أنا بصيت لاقيت المشير طنطاوي قال تعال اركب معايا العربية، عايزك. ودي مش مسبوقة. واحنا ماشيين، قلت له رايحين فين يا فندم. قال لي رايحين الاستراحة. ودي برضو غير مسبوقة".

تكشف المقابلة عن دور عباس كامل في توجيه السيسي وتصحيح إجاباته وأيضاً إرشاد الصحفي إلى كيفية إجراء المقابلة. 

سأل الصحفي السيسي عن الشخص الذي يعتبره قدوته العليا، قائلاً: "إيه الشخصية اللي تأثرت بيها مثل أعلى عسكريا سواء في العالم أو في مصر؟"، تردد السيسي في الإجابة فرد بدلا منه عباس كامل قائلا: "هتلر".

هل كان السيسي ينظر إلى طنطاوي بإعجاب واحترام؟ بحسب ما يقوله مصطفى بكري، مقدم البرامج التلفزيونية، والذي يعتبر مقرباً من طنطاوي وألف عدة كتب عن الجيش أحدها كان عن السيسي نفسه، إن السيسي كان خيار الطنطاوي. يزعم بكري أن الطنطاوي اختار السيسي ليكون ابنه المفضل. 

إلا أن بكري غير إفادته عدة مرات من بعد لكي تنسجم في كل مرة مع المزاج السائد. 

في ذلك الوقت، وصف مساعدو الرئيس مرسي المشهد داخل القصر الرئاسي حينما صدر قرار بإعفاء طنطاوي، الذي كان حينها وزيراً للدفاع، من منصبه، وذلك بعد هجوم وقع على القوات المصرية في سيناء. كان السيسي يجلس في غرفة مجاورة، وعندما جاء دوره لكي يعين في المنصب كانت يداه ترتعشان. 

هل عاد طنطاوي؟

تصف الحكاية مرسي كما لو أنه كان الآمر الناهي وتصور طنطاوي على أنه ضحيته الذي تعرض للمهانة والإذلال، رغم أننا نعلم الآن كم كانت تلك القصة مجانبة للصواب. 

على أية حال، ساند طنطاوي السيسي في حملته الانتخابية لعام 2014 لدرجة أنه منع عنان من الترشح. كما أنه تحقق لدينا الآن أن الخلافات دبت بين طنطاوي والسيسي بعد ذلك بعامين. 

ففي نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2016، وفي حدث فاجأ الجميع، ظهر طنطاوي في ميدان التحرير، الموقع الذي ولدت فيه الثورة المصرية في عام 2011، وتحول وجوده هناك سريعاً إلى مؤتمر صحفي بوجود مجموعة من أنصاره أكد خلاله أن سجناء الإخوان المسلمين لن يعدموا. 

وبينما أغلق الباب على احتمال أن يترشح عنان للرئاسة، صرح بأنه، أي طنطاوي، الأب الروحي للجيش وللأمة، إنما وجد لكي ينقذ الوطن. وقال طنطاوي مخاطباً الصحفيين: "إن سامي عنان في بيته بقى.. كبر"، أي تقدم في السن، مردفا: "متخافوش.. ربنا مش هيسيبكم". ورداً عليه هتف مؤيدو السيسي قائلين: "شرطة وجيش وشعب إيد واحدة"، و"تحيا مصر"، و"يسقط الخونة".

لم يرق ذلك للسيسي الذي يقبع داخل القصر الرئاسي. فما كان منه إلا أن أمر رجال عباس كامل في القنوات التلفزيونية بشن الهجوم على طنطاوي. 

ذلك ما حصل قبل عامين. وكان السيسي قد أجرى ثلاثة تعديلات داخلية في صفوف الجيش عندما كان لا يزال وزيراً للدفاع، حيث استبدل ناصر عاصي، قائد الجيش الثاني، وأسامة عسكر، قائد الجيش الثالث. 

لم يزل صدقي صبحي، وزير الدفاع الحالي، في موقعه بضمانة تعديل دستوري أجري خصيصاً للحيلولة دون استبدال السيسي عندما كان يحتل ذلك الموقع. ولذلك، لا مفر أمام السيسي إن رغب في التخلص من صدقي صبحي من أن يعدل الدستور ثانية. 

وحسبما صرحت به مصادر مطلعة لموقع ميدل إيست آي؟، فقد اتخذ طنطاوي هذه المرة موقفاً مؤيداً لعنان، الرجل الذي كان قد تدخل سابقاً لمنعه من الترشح. 

والأسئلة المهمة التي لابد من طرحها الآن هي كالتالي: هل طهر السيسي الجيش بما يكفي حتى يتمكن من الاعتماد عليه وضمان ولائه المطلق؟ يبدو من البيان الذي صدر عن الجيش، والذي وجه الاتهام إلى عنان، أن ذلك قد تحقق له فعلاً. 

ماذا بقي إذن لطنطاوي من نفوذ داخل الجيش؟ هل تراه مازال متربصاً فيما وراء الكواليس، مثخناً بالجراح، لكنه مصدر خطر محدق؟