ملفات وتقارير

"رفح المصرية".. بكاء على الأطلال تحت وطأة التهجير القسري

المنطقة العازلة في رفح بعمق 5 كيلومتر- تويتر

"وداعا يا رفح"، "والله الدنيا ما تسوا من بعدك يا رفح"، " دمعات عيوني تتحدث عن عذابي.. بحبك يا رفح"، هذه بعض العبارات التي خطها أهالي مدينة رفح الحدودية على جدران منازلهم، قبل أن يغادروها مرغمين، لصالح مشروع إقامة منطقة عازلة ينفذها الجيش المصري على الحدود مع قطاع غزة.


ويعمل نظام الانقلاب على تفريغ منطقة الحدود بعمق 5 كيلو مترات وبطول 13، ما يعني أن المدينة والقرى الملحقة بها سيجري إزالتها عن الخارطة تماما، في إطار عدة مراحل شرع الجيش بتنفيذها عام 2014.


وبانتهاء المرحلة الخامسة من المشروع، فإن ما يقرب من اثنين ونصف كليو متر ستكون قد أخليت تماما من ساكنيها، بعد هدم المنازل والمزارع لتصبح رفح منطقة جرداء قاحلة لا حراك فيها، بعد أن كانت تعج بالحياة.


ويقول أحد سكان رفح المهجرين، "إن الجيش المصري حرمنا من مدينتنا التي ولدنا فيها وتنسمنا هواءها، ولا أمل لنا أن نعود إليها في ظل حملة البطش والتنكيل التي تمارسها قوات النظام ضدنا في سيناء".


ويضيف حميد في حديث لـ"عربي21" رافضا ذكر اسم عائلته خشية التعرض للملاحقة من قوات الجيش : "لا أعرف مدى الضرر الذي يمكن أن يشكله مدنيون أمثالنا على الأمن(..) إن تهجيرنا من أرضنا يقدم أكبر خدمة للإرهاب وإسرائيل التي حاولت سابقا تهجيرنا ولكنها لم تفلح".

 

 


 

وحميد الذي كان يسكن وعائلته أحد المنازل القريبة من ميدان صلاح الدين وسط المدينة، قال إن قوات الجيش أبلغتهم بضرورة إخلاء المنزل خلال ساعات فقط، دون أن تعطيهم فرصة لإفراغ كل مكوناته ، الأمر الذي دفعهم لترك الكثير من الأثاث والأغراض داخل المنزل.

ويسكن حميد حاليا إلى احدى مناطق محافظة الإسماعيلية البعيدة عن رفح حوالي 300 كيلو متر، ويؤكد أنه من الصعب التأقلم في بيئة جديدة بعد سنوات عديدة قضاها في مكان ولادته ونشأته.

وبصوت متحشرج قال: "في رفح كانت الطفولة، والدراسة، والعمل، والأهل، والأصحاب،(..) هناك مزارع الزيتون واللوز (.. )،أرواحنا ترفرف في رفح ، رحلنا رغما عنا، وحسبي الله ونعم الوكيل".

الناشط السيناوي عيد المرزوقي قال إن حملة التهجير التي ينفذها النظام تأتي تحت ذريعة مكافحة الإرهاب وإغلاق الأنفاق الحدودية، لافتا إلى أن النظام طلب في البداية من القبائل في رفح السماح بإنشاء منطقة عازلة بعمق 800 فقط، والتي شرع بتنفيذها عام 2014.


إغلاق عسكري

 
وأشار في حديث لـ"عربي21" إلى أن الأمور تطورت لتصل عرض المنطقة العازلة حاليا إلى أكثر من 2500 متر ما يعني أن مدينة رفح جرفت بالكامل، وحتى أن القرى القريبة في أطراف المدينة يتم إخلاؤها الآن تمهيدا لهدمها كقرية الماسورة التي تعتبر حد رفح الجنوبي، وتبعد أكثر من ثلاثة كيلومترات عن الحدود مع قطاع غزة.

 

اقرأ أيضا: "التهجير القسري".. مخاوف جدية من استكمالها بعد هجوم سيناء (ملف)

ولفت إلى أن أكثر من 20 قرية تابعة لرفح هجرت لإنشاء المنطقة العازلة، وأن عدد المنازل التي هجّر أهلها إلى الآن لا تقل عن 4000 آلاف منزل". لكن المرزوقي أكد أن إغلاق رفح عسكريا أمام كل وسائل الإعلام والجهات الحقوقية والأهلية، جعلت من الصعب عمل حصر دقيق مستقل لحجم الدمار الذي لحق فيها.

وتابع: "المخطط لا يستهدف رفح فحسب، ولكنه يستهدف شمال سيناء بشكل كامل، فحتى مدينة العريش التي تبعد 45 كيلومتر عن الحدود، تشهد عمليات هدم للمنازل خاصة المناطق المحيطة بمطار العريش حيث يعمل النظام على إنشاء منطقة عازلة في محيطه بعمق 5 كيلومتر من كافة الجهات.

صفقة القرن


من جهته قال النائب عن محافظة شمال سيناء يحي عقيل إنه لا يمكن فصل ما يجري في سيناء من تهجير بمعزل عن الوضع الإقليمي، خاصة ما يتعلق بالحديث عن صفقة القرن، باعتبار أن سيناء جزء أساسي من الصراع العربي الإسرائيلي بحكم جوارها إلى قطاع غزة.


واعتبر عقيل في حديث لـ"عربي21" أن المخطط الكبير يستهدف تصفية القضية الفلسطينية عبر إقامة دولة فلسطينية على جزء من أراضي سيناء وقطاع غزة بهدف إنهاء الصراع .

وعن حجم الإخلاء والتهجير أوضح أنه تم هدم ما يزيد عن 60 في المئة، من منازل ومزارع المدينة وصولا إلى المرحلة الأخيرة التي تجري حاليا وتهدف إلى إخلاء السكان بمسافة تزيد عن 5 كيلو متر.

 

اقرأ أيضا: تفريغ سيناء وتهجير أهلها.. هل اقتربت صفقة القرن؟

ولفت عقيل إلى أن قوات الجيش التي تنفذ الخطة لا تبدي التزاما بالمنطقة المحددة، فمثلا قرية الخروبة التي تتبع مدينة الشيخ زويد وتبعد كثيرا عن رفح، جرى تهجير ثلاث أرباع سكانها وهدم منازلهم، مؤكدا أن السلطات تنفذ مخططا غير مرتبط بالمنطقة العازلة فقط، بل بإنهاء الوجود السيناوي في قرى بعينها.

أين يذهب المهجّرون


وعن الوجهة التي يلجأ إليها المهجرون قال: "في البداية أعلنت السلطات أنها ستعوض أصحاب المنازل وسيجري إقامة مدينة جديدة لهم، ولكن كل هذا لم يحدث والناس يهجرون إلى المجهول، وحتى الذين ينتقلون للعيش في مدينة العريش أو بئر العبد يتعرضون للملاحقة والاعتقال من الجيش، وليس أمام العائلات المهجرة خيار سوى الذهاب داخل المحافظات المصرية والذوبان فيها، لافتا بأنه لا يوجد تعويضات مادية أو عينية كما يدعي النظام".