قضايا وآراء

مُحاربةُ الفساد شعارُ القمة الأفريقية الثلاثين

1300x600

انتظمت القمةُ الأفريقية الثلاثون في العاصمة الإثيوبية "أديس أبابا"، ما بين 22 و29 من كانون الثاني/ يناير 2018. وقد شهد يوما 28 و29 منه حضور رؤساء الدول والحكومات، وتداولهم الموضوعات ذات الأولوية في جدول أعمال هذه القمة. أما شعار المؤتمر فكان دالاً ومتوافقاً مع طبيعة المرحلة التي تمر منها القارة الأفريقية، حيث اعتبر "الفوز في محاربة الفساد طريقاً مستداماً وسالكاً لتغيير أفريقيا". يُذكر أن أفريقيا وضعت أهدافاً برنامجية في أفق 2030، وأخرى بعيدة المدى لعام 2063. وفي الأفقين معاً ظلت قضايا التنمية المستدامة، والحكامة ومحاربة الفساد، وتخليق الحياة العامة، وإرساء دولة القانون القضايا ذات الأولوية من حيث الاهتمام والسعي إلى الإنجاز.

لم تعد خافية عمليات النهب واستنزاف الثروات، وتعطيل بناء دول عضوية قادرة على ضمان استكمال سيرورات الاندماج الوطني، وتوطين ثقافة المواطنة، التي كانت أفريقيا ضحية لها لعقود عديدة، والواقع أنها تجارب معطوبة ألمت بأفريقيا قاطبة، وإن بدرجات متفاوتة؛ ظلت مسؤولة عنها النخب السياسية القائدة الأفريقية، والدول الأجنبية ذات المصالح في القارة. كما لا يخفى المخزون الهائل من الثروات التي تختزنها الأراضي الأفريقية، والآفاق الواعدة التي تنطوي عليها بلدانها. فأفريقيا ببلدانها الأربعة والخمسين؛ تؤوي مليارا و200 مليون نسمة، وهو رقم له دلالة بلغة الاقتصاد والمال والتبادل التجاري. كما أن مجمل البلدان الأفريقية عبارة عن ورشات مفتوحة، جاذبة للاستثمار والبناء. بيد أن القارة الأفريقية تعاني من أزمات بنيوية تحتاج إلى معالجات فعالة وناجعة، وفي مقدمتها توطيد دولة القانون بالمعايير الدولية المتعارف عليها، وتوطين ثقافة الحكم الرشيد، واحترام الحقوق والحريات الفردية والجماعية، وإعادة بناء الشرعية السياسية على أسس ديمقراطية في أكثر من بلد أفريقي. ولعل هذا ما دفع ويدفع المجتمعات الأفريقية إلى المطالبة بنخب سياسية جديدة، مؤهلة وقادرة على الانخراط الجدي في هذا الأفق؛ الذي لا محيد عنه إن أرادت أفريقيا فعلا تدشين تاريخ جديد لمسيرتها التنموية.

 

القارة الأفريقية تعاني من أزمات بنيوية تحتاج إلى معالجات فعالة وناجعة، وفي مقدمتها توطيد دولة القانون، وتوطين ثقافة الحكم الرشيد، واحترام الحقوق والحريات الفردية والجماعية، وإعادة بناء الشرعية السياسية على أسس ديمقراطية


ثمة أربعة تحديات تواجه أفريقيا، وتضغط بقوة على حظوظ نجاحها في ربح رهان التنمية، وإعادة صياغة علاقات نخبها مع مجتمعاتها، ولعلها التحديات التي شكلت الموضوعات المفصلية في جدول أعمال القمة الثلاثين لرؤساء الدول والحكومات الملتئمة في "أديس أبابا" نهاية هذا الشهر.

يتعلق التحدي الأول بآفة الفساد، وما يترتب عنها من آثار سلبية. ففي تقرير "الشفافية الدولية" لعام 2016، على سبيل المثال، جاءت مراتب عموم البلدان الأفريقية متدنية، وانحصر تحسن أوضاع الشفافية في دول محدودة، كما هو حال كل من: بوتسوانا، وروندا، وناميبيا. بينما تزايدت معدلات الفساد في الكثير من الأقطار، وتعرض رؤساء أفارقة لموجات النقد والاحتجاج نتيجة تورطهم في قضايا فساد. نشير إلى رئيس جنوب أفريقيا "جاكوب زوما"، ورئيس زيمبابوي المنتهي حكمه، "روبرت موجابي"، ناهيك عن دول ترتبت في ذيل تقرير الشفافية الدولية؛ الذي شمل 176 بلداً، كما هو حال كل من: جنوب السودان، والصومال، وإريتريا، وغينيا بيساو.

 

ثمة أكثر من حاجة ماسة إلى تأسيس ثقافة جديدة، وممارسات نوعية لتدبير المؤسسات بشكل يساعد على التنمية المستدامة، ويُفضي إلى الإقلاع الاقتصادي والاندماج الاجتماعي


يخص التحدي الثاني، وهو مرتبط بالأول وصنو له، الحكامة وضعفها في المجال العام الأفريقي. فقد نبهت "اللجنة الاقتصادية لأفريقيا" في تقريرها لعام 2016، على أن "غياب حكامة جيدة في أفريقيا ولدت مؤسسات هشة وضعيفة، وخلقت توازنا للسلطة غير مكتمل، ناهيك عن الأطر القانونية والتنظيمية غير الفعالة، وآليات التنفيذ غير المجدية". ففي الإجمال ثمة أكثر من حاجة ماسة إلى تأسيس ثقافة جديدة، وممارسات نوعية لتدبير المؤسسات بشكل يساعد على التنمية المستدامة، ويُفضي إلى الإقلاع الاقتصادي والاندماج الاجتماعي.

أما التحدي الثالث، ولعله مفتاح معالجة كل التحديات، فيتعلق بشفافية الانتخابات ونزاهتها، وبمقدار احترام النخب الحاكمة لإرادة المواطنين في تقرير مصيرهم بحرية ودون ضغط أو تزوير. جدير بالإشارة إلى أن أفريقيا ستشهد خلال العام 2018 ثمانية عشر اقتراعا، بين رئاسي وتشريعي. ولذلك، أولت القمة الأفريقية بالغ اهتمامها لهذه الاستحقاقات، وشددت على ضرورة مواكبتها، والحرص على أن يمر تنظيمها وفق معايير التنافسية المطلوبة، لا سيما في الدول الموسومة بالصراع على السلطة وتجديد النخب، كما هو حال دولة زيمبابوي، التي خرجت من حكم دام عقوداً من تسلط روبرت موجابي، أو حالة جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي ستعرف انتخابات نهاية خريف 2018.

يخص التحدي الرابع، وهو من طبيعة اقتصادية وتجارية ومالية، إقامة منطقة للتبادل الحر بين البلدان الأفريقية الأربعة والخمسين، ذات السوق الاستهلاكي المكون من مليار ومائتي مليون نسمة. والحقيقة إنها أولوية استراتيجية، تحتاج إلى إرادة جماعية، وتخطيط مشترك، ولكن قبل هذا وذاك تحتاج إلى ثقافة سياسية مشبعة بقيم النزاهة، والشفافية، والحكامة في التدبير، واحترام الحقوق والحريات، وقيادات حاكمة قدوة من الناحية السياسية والأخلاقية. فمنطقة التبادل الحر (ZLEC) ستسمح لبلدان أفريقيا، إن تحققت، برفع الحواجز التعريفية والجمركية، وتتيح إمكانيات هائلة لانسياب رؤوس الأموال المادية والبشرية، وتمكن الدول كافة بخلق شراكات رابحة فيما بينها، بغض النظر عن تباين التوجهات والثقافات. لنتصور مثلا، لو تحقق مشروع "الفضاء الأفريقي المفتوح (open sky africain)، وأسست (single African air transport)، المسماة اختصاراً (SAAT).. إن هذا المشروع وحده، إن رأى النور، سيحرر الفضاء الأفريقي من 70 في المئة من سيطرة الشركات الأجنبية، وسيخلق ديناميات جديدة للتواصل المثمر بين البلدان الأفريقية.