كتاب عربي 21

الإسلام طريق الإصلاح

1300x600
عندما كتب فرح أنطون (1874 -1922م) في مجلة "الجامعة" الدراسة، التي تحدث فيها عن فلسفة ابن رشد (520 - 595هـ، 1226 - 1198م)، والتي دعا فيها إلى العلمانية كي ينهض الشرق الإسلامي كما نهض الغرب المسيحي، رد عليه الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده (1266 - 1323هـ، 1849 - 1905م) بعدد من المقالات التي جمعت في كتاب "الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية"، فكانت أول دراسة عميقة في المقارنة بين الإسلام والنصرانية، وفي المقارنة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية. وفيها أوضح محمد عبده علاقة الإسلام بالدولة، ورفضه العلمانية التي تدع ما لقيصر لقيصر، وتقف بالدين عند ما لله، ورفضه - كذلك - للسلطة الدينية الكهنوتية التي مارستها الكنيسة الكاثوليكية الأوروبية في عصورها الوسطى، والتي جاءت العلمانية الأوربية رد فعل لها.

كتب الإمام محمد عبده منتقدا عجز فلاسفة النهضة الأوربية (ومنهم "سبنسر" (1820- 1903م) الذي لقيه وحاوره) عن اكتشاف فطرة التدين لدى الإنسان؛ كما اكتشفوا حقائق العلوم المادية التي حققت الرفاهية الدنيوية لهذا الإنسان، فقال:

"إن فلاسفة المدنية الأوربية وعلماءها قد عجزوا عن اكتشاف طبيعة الإنسان، والرجوع إلى فطرة الدين، التي هي الدواء الذي يصقل النفوس ويعيد لها لمعانها الروحي. فهذه المدنية الأوروبية هي مدنية المُلك والسلطان  (القوة)، مدنية الذهب والفضة، مدنية الفخفخة والبهرج، مدنية الحيل والنفاق، وحاكمها الأعلى هو "الجنيه" عند قوم، و"الليرة" عند قوم آخرين، ولا دخل للإنجيل في شيء من ذلك".

وفي المقارنة بين الإسلام وبين هذه المدنية الأوربية (التي أفرزت العلمانية وفصلت الدين عن السياسة والقانون الدولة)، تحدث الإمام محمد عبده عن أن الدين الإسلامي هو سبيل الإصلاح في الاجتماع، وأنه دين ودولة، دين وشرع وحكم، وأنه - مع ذلك - رافض للكهانة والسلطة الدينية التي عرفتها أوروبا في عصورها الوسطى. وفي هذه الدراسة المقارنة قال: "إن أنفس المصريين قد أشربت الانقياد إلى الدين، حتى صار طبعا فيها. فكل من طلب إصلاحها من غير طريق الدين فقد بذر بذرا غير صالح للتربة التي أودعه فيها، فلا ينبت، ويضيع تعبه، ويخفق سعيه، فما لم تكن المعارف والآداب مبنية على أصول دين المسلمين فلا أثر لها في نفوسهم.

إن الإسلام دين وشرع، كمال للشخص، وألفة في البيت، ونظام للملك، امتازت به الأمم التي دخلت فيه عن سواها ممن لم تدخل فيه.

والإسلام لم يدع ما لقيصر لقيصر، بل كان من شأنه أن يحاسب قيصر على ماله، ويأخذ على يده في عمله.

ولم يعرف الإسلام تلك السلطة الدينية التي عرفتها أوروبا، ولا يجوز الخلط بين الخليفة عند المسلمين وبين ما يسميه الإفرنج "ثيوكرتيك" أي سلطان إلهي، فليس في الإسلام سلطة دينية بوجه من الوجوه، بل إن قلب السلطة الدينية والإتيان عليها من الأساس هو أصل من أجل أصول الإسلام.

والحاكم في الإسلام حاكم مدني من جميع الوجوه، توليه الأمة وتحاسبه وتعزله عند الاقتضاء، والشريعة الإسلامية وافية بسد حاجات طلاب العدل في كل زمان ومكان.

وإذا كان الدين كافلا بتهذيب الأخلاق، وصلاح الأعمال وحمل النفوس على طلب السعادة من أبوابها، ولأهله من الثقة فيه ما ليس لهم في غيره، وهو حاضر لديهم، والعناء في إرجاعهم إليه أخف من إحداث ما لا إلمام لهم به، فلم العدول عنه إلى غيره؟!".

هكذا رفعت مدرسة الإحياء والتجديد شعار "الإسلام هو السبيل للإصلاح"؛ إبان الاحتكاك بالعلمانية الغربية التي تريد عزل السماء عن الأرض وفصل الدين عن الدولة والسياسة والقانون.