اقتصاد عربي

رفض إلغاء قاعدة اقتصادية تمنح حكومة الجزائر ميزة بالشراكة

بوتفليقة: كيف لمستثمر أجنبي أتى للجزائر باستثمار لا يتجاوز 700 مليون دولار، وفي غضون 3 سنوات حصل على ملياري دولار كأرباح- جيتي

وجه السفير الياباني في الجزائر، ماسايا فوجيوارا، الأربعاء، انتقادات شديدة للحكومة الجزائرية، على خلفية عدم ملاءمة مناخ الاستثمار في البلاد، بحسبه، متحدثا عن "نقص في الشفافية وكثرة العراقيل البيروقراطية وعدم استقرار الإطار القانوني".

وقال ماسايا فوجيوارا، على هامش مؤتمر اقتصادي نظم بالمدرسة العليا للعلوم السياسية، في العاصمة الجزائر، بمناسبة مرور 55 عاما على إقامة علاقات دبلوماسية بين الجزائر واليابان، أن "مناخ الأعمال في الجزائر يتسم بعدم الشفافية ووجود معوقات بيروقراطية وكثرة مراجعة القوانين في فترات وجيزة".

وانتقد السفير الياباني قاعدة الاستثمار التي تنتهجها الحكومة الجزائرية مع الشركاء الأجانب، المعروفة بـ"قاعدة 51/49 بالمئة" واعتبرها "نقطة سلبية لا تبعث الثقة في نفوس المتعاملين اليابانيين". وتابع "القوانين الجزائرية تتعرض لتغييرات، ما يعقد مهمة الشركات اليابانية عند وضع استراتيجياتها".

ماهي قاعدة 51/49 بالمئة؟


واعتمدت الحكومة الجزائرية القاعدة الاقتصادية 51/49 بالمئة، في مجال الاستثمار مع الشركاء الأجانب بقانون الموازنة العامة للعام 2009، وأبقت عليها بقوانين الموازنة للأعوام التالية، وتنص على ضرورة امتلاك الشريك الجزائري، حكوميا كان أم خاصا، نسبة لا تنقص عن 51 بالمئة، من أصول أسهم الاستثمار، بينما لا يجوز للشريك الأجنبي أن تتجاوز حصته 49 بالمئة.

وتبعا لهذه القاعدة، ألزمت الحكومة الجزائرية، التي كان يرأسها الوزير الأول الحالي أحمد أويحي، قبل إقالته العام 2012، الشركات الأجنبية، بإقامة استثمار محلي بإدخال شركاء جزائريين بأصول شركاتهم.


وأثار هذا التوجه الاقتصادي المرتبط بالشراكة مع الأجانب بالجزائر غضب حكومات أوروبية ورؤساء مؤسسات أجنبية، وانسحب عدد منها من سوق الاستثمار بالجزائر، على غرار شركات فرنسية وإسبانية، بين عامي 2010 و2013. بيد أن أغلب الشركات مختلطة الأصول فضلت البقاء بالجزائر.

هاجس النزاعات


وقال الخبير الاقتصادي الجزائري، سيد علي صواف، في تصريح لصحيفة "عربي21"، الأربعاء، إن الحكومة الجزائرية" اعتمدت هذه القاعدة بالاستثمار، حتى يكون للدولة الحق بالتصرف في الشركات المختلطة في حال نشوب نزاع مع الشريك الأجنبي".

وتابع صواف: "بفضل هذه القاعدة تمكنت الجزائر من استرجاع شركة أوراسكوم تيليكوم للاتصالات العام 2012، التي كان يمتلكها رجل الأعمال المصري نجيب ساوريس، بعد نزاع مع الشركة التي لم تحترم دفتر الشروط المبرم بين وزارة الاتصالات وهذه الشركة"، بحسب الحكومة الجزائرية.

ولجأ ساوريس إلى التحكيم الدولي، لكنه خسر القضية؛ لارتكاز قرار استرجاع الشركة التي يمتلك فيها ساوريس أصولا على القاعدة 49/51 بالمئة المكرسة قانونا في الجزائر.

مطالبات بإلغاء القاعدة


وأثار تبني الحكومة الجزائرية لهذه القاعدة غضب المتعاملين الأجانب، الذين يطالبون منذ اعتمادها بإلغائها، وترك الحرية للجزائريين وشركائهم في التفاوض حول نسبة الحصول على الأسهم والأصول، ومن ثمة الفوائد والأرباح.

وتسري هذه القاعدة على كل القطاعات، بما في ذلك قطاع النفط الحساس بالجزائر، إذ ترتبط شركة النفط الجزائرية (سونطراك) بشراكة مع شركات أجنبية بالقاعدة ذاتها، ومنها ستاتويل النرويجية، وبريتش بيتروليوم البريطانية، وتوتال الفرنسية.

وفي أيار/ مايو 2017، وجه مجموعة من رجال الأعمال الفرنسيين رسالة إلى الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، تتضمن دعوته إلى "مراجعة القاعدة الاستثمارية المذكورة، وتبني بنود أكثر مرونة بقانون الاستثمار في البلاد".

وجاء في رسالة رجال الأعمال الفرنسيين أن "قاعدة 49/51 بالمئة، تسببت بعزوف العديد من المستثمرين الأوروبيين عموما، والفرنسيين على وجه التحديد"، ودعا المستثمرون الفرنسيون الحكومة الجزائرية إلى "تقديم تحفيزات للمستثمرين الأجانب؛ للتمكن من إقامة فرص شراكة رابحة لكلا الطرفين".

غير أن الرئاسة في الجزائر شددت على الإبقاء على القاعدة الاقتصادية محل الشكوى، من خلال مصادقة الرئيس بوتفليقة على قانون الموازنة العامة للعام الجاري 2018، الذي يتضمن تكريسا لهذه القاعدة.

غضب بوتفليقة

وجدير بالذكر أن الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، كان ألقى خطابا أمام رجال أعمال بلاده، شهر يوليو/ تموز العام 2008، تساءل خلاله: "كيف لمستثمر أجنبي أتى للجزائر باستثمار لا يتجاوز 700 مليون دولار، وفي غضون 3 سنوات حصل على 2 مليار دولار كأرباح صافية، في حين لم تحصل الجزائر على أي شيء؟".

وشكل هذا الخطاب مرجعا أساسيا في إقرار الحكومة الجزائرية قاعدة 49/51 بالمئة، وحيازة الشركاء الجزائريين على الأفضلية بالأصول والأسهم بالشركات المختلطة.

ويعتقد المحلل الاقتصادي الجزائري، حفيظ صواليلي، أن "رفض الحكومة الجزائرية إلغاء القاعدة مرده المخاوف من فقدان المؤسسات الوطنية، لا سيما الإستراتيجية منها، وجه الاعتراض لدى الأجانب في حال الإخلال بدفاتر الشروط المبرمة بين الطرفين".

كما أكد صواليلي، في تصريح لصحيفة "عربي21"، الأربعاء، أن "من الأسباب أيضا صعوبة إيجاد شركاء يتماشون مع الاستراتيجيات الاقتصادية والتسييرية وأهدافها، وغياب الضمانات الكافية، وهذه القاعدة تجعل الطرف الجزائري في راحة من أمره، في حال وقوع سوء تفاهم أو انسداد، مع ما لاحظناه من لجوء بعض الشركات الأجنبية إلى التحكيم الدولي، كشركة أوراسكوم تيليكوم لصاحبها نجيب ساوريس".

وأيد رجال أعمال جزائريون العمل بالقاعدة الاقتصادية، التي تعطيهم الأفضلية في أصول الشركات المختلطة، وقال رئيس منتدى رؤساء المؤسسات الجزائرية، علي حداد، للصحفيين على هامش لقاء تم مع الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، الحاكم في البلاد، الخميس الماضي: "نحن مع ما قررته الحكومة في هذا الجانب، هذا قرار سيادي وحمائي لاقتصاد الجزائر، ولا أظن أن هذه القاعدة مضرة بالشركات الأجنبية، وإلا كيف نفسر بقاءها في الجزائر طيلة هذه السنوات؟

لكن السفير الياباني أكد، بتصريحه الأربعاء، في العاصمة الجزائر، أن "هذه القاعدة أدت إلى زهد رجال الأعمال والمستثمرين اليابانيين من السوق الجزائرية".

وأواخر العام 2016، فجر إلغاء عقد شركة " كوجال" اليابانية، التي كانت تتولى إنجاز شطر من الطريق السيار "شرق غرب" بالجزائر، توترا في العلاقات بين البلدين؛ بسبب الطريقة التي تمت فيها معالجة الملف الذي طرح على التحكيم الدولي، بعدما اعتبره اليابانيون خسائر تكبدتها شركتهم.