قضايا وآراء

فضائح السيسي في المجال العام بالكوميديا السوداء

1300x600
في الحقيقة لم أجد عنوانا مناسبا لوصف الحالة المصرية الآنية؛ التي أنتجها السيسي فيما يُسمى هزلية الانتخابات الرئاسية، إلا هذا التوصيف القبيح الذي يؤكد أن السيسي ومن معه يسعون بكل الوسائل لتقبيح صورة مصر أكثر وأكثر، بعد كل الانتهاكات التي مارسوها في حق الشعب المصري، وحرصهم على اختطاف مصر، حتى ولو بطريق غير شرعي ومُستهجن، وإيهام الرأي العام الداخلي والخارجي بأن هناك انتخابات تجري بطريقة تنافسية، ولكن في الحقيقة هي عملية استعارة لتيس لكي يقوم بدور كومبارس في هذه المسرحية الهزلية!

وقبل أن ينتهي المشهد الذي بدأ بتهديد شفيق، المُرشَّح المُحتمل، وخطفه بطريقة الأفلام الأمريكية وإحضاره على أرض مصر، وتهديده وصرفه آمنا لسحب ترشحه. إذ يظهر في نفس المشهد، وبطريقة أخرى، مرشح محتمل من نفس الدائرة العسكرية التي ينتمي إليها الرئيس المُنقلب، وهو الفريق سامي عنان، الذي كان في وقت من الأوقات يرأس المنقلب ويعلوه في الرتبة العسكرية. وبرغم ذلك، لم يستح المنقلب من أن يبعد عنان من المشهد بتلفيق التهم، وحبسه في السجن الحربي لأجل غير مُسمى، ويعتدي على نائبه المستشار جنينة؛ بالضرب والسحل في الشارع!

إذن، المحاولات لم تنته بعد في السعي لتصدير المنقلب مرة أخرى؛ بانتخابات شكلية هزلية، بعد انسحاب خالد علي؛ الذي اكتشف أخيرا أنه ربما يُستخدم كصورة ديكورية يستخدمها عباس كامل لإخراج مشهدي هزلي، والدفع برجل حزبي مُتهم بالعديد من القضايا يرأس حزبا عريقا، وهو السيد البدوي (صاحب القفا المشهور في ميدان التحرير).. ولا تزال مشاهد المسرحية الهزلية مستمرة؛ بالإيعاز لشخصية حزبية أخرى كرتونية مناسبة للمشهد العبثي، والدفع بها في الكوميديا السوداء التي يُنتجها ويُخرجها السيسي، وهو موسى مصطفى موسى، رئيس حزب الغد، لتجميل وجه السيسي القبيح، بعد إصرار الهيئة العليا في الوفد بالتأكيد على دعم السيسي، وعدم الدفع بمرشح وفدي!

ومن ثمَّ نجد أن إصرار السيسي ومن معه على أن هناك انتخابات ومنافسة حقيقية؛ لا زالت تسيطر على عقول هؤلاء الذين استولوا على كل مقدرات الدولة المصرية، وأنهكوها في كل الميادين بشكل مهين، وفي المجال العام، ولا يعرفون أن هذه الحيل وتلك الخزعبلات لا تنطلي على من يعرف طبيعة العسكر في الداخل والخارج. إنها فعلا مسرحية هزلية من فصل واحد؛ تحمل في طياتها كل مؤشرات السقوط، لتصدير شخصية وحيدة تقوم بكل الأدوار، باستخدام أدوات شكلية ديكورية مناسبة لطبيعة المرحلة الهزلية بكل أفرادها ومفرداتها.

ما هو رصيد السيسي الذي يؤهله لخوض الانتخابات؟!

إذا طلبنا من المرشح المُنقلب أن يقدِّم لنا رصيده الذي يؤهله للتقدم لفترة رئاسية أخرى، على المستوى الحقوقي والحريات مثلا، نجد أنه تخطى كل الحدود خلال العام 2017 فقط، طبقا لما أوردته "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها عن الأوضاع في مصر، حيث قمع السيسي جميع أشكال المعارضة دون رادع، وواجهت مصر في العام المنصرم تهديدات أمنية وهجمات شنتها الجماعات المسلحة، واستحدثت حكومته مجموعة من القوانين القمعية، وأعادت حالة الطوارئ المسيئة، وأحالت آلاف المدنيين إلى المحاكم العسكرية، بالإضافة إلى المحاكم المدنية، وأصدرت عشرات الأحكام بالإعدام في محاكمات شابها القصور، مع السيطرة بإحكام على وسائل الإعلام المحلية، وتوجيهها بشكل مهين، وظهر ذلك في تسريبات الضابط أشرف الخولي، وملاحقة الصحفيين والناشطين المنتقدين، كما تبعت سياسة لا تتسامح مطلقا مع ممارسة الحق في التجمع السلمي، ما يلغي فعليا المتطلبات الأساسية لأي انتخابات نزيهة!

 وفي نفس السياق، أوضحت المنظمة أن "قطاع الأمن الوطني" التابع لوزارة الداخلية، والذي قالت إنه يعمل في ظل حصانة شبه مطلقة، يُعد مسؤولا عن بعض الانتهاكات الأكثر فظاعة في العام 2017، شمل ذلك استخدام التعذيب على نطاق واسع ومنهجي للحصول على الاعترافات، والذي يحدث عادة بعد أن تخفي قوات الأمن المحتجزين قسرا.

 وقد أحال المُدَّعون العسكريون مئات المدنيين، بمن فيهم الأطفال، إلى محاكمات عسكرية، مما رفع عدد المدنيين الخاضعين لملاحقات عسكرية إلى أكثر من 15 ألفا في غضون ثلاث سنوات، كما أيدت محكمة النقض في العام 2017؛ أحكام الإعدام بحق 22 شخصا على الأقل، في حين أكدت المحكمة العليا للطعون العسكرية 19 حكما إضافيا تم تنفيذها.

 ولا زالت حكومة السيسي مستمرة في سجن قرابة 17 صحفيا، وحجب مئات المواقع الإخبارية، وتم اعتقال 57 عاملا على الأقل خلال سنة 2017 وحدها؛ بسبب الإضرابات السلمية والاحتجاجات في مكان العمل.

ومن جهتها، قالت مديرة قسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش"، سارة ليا ويتسن: "عند مراجعة سجل مصر للعام 2017، يبدو أن استخدام العنف والقمع لتهميش سيادة القانون والمعارضة السلمية هو إنجاز السيسي الأهم. بالطريقة التي تسير بها الأمور، ستستمر الحكومة في قمع حقوق المواطنين وتطلعاتهم المشروعة".

وعن الوضع الاقتصادي، فحدِّث ولا حرج عن انهيار كبير في كل قطاعاته، وزيادة الدين العام الداخلي والخارجي لأضعاف ما كانت عليه سابقا، بالإضافة إلى الاستغناء عن أراضي الدولة، وبيع مقدراتها في تيران وصنافير، وإهدار حق مصر في مياه النيل شريان الحياة بالنسبة للمصريين! وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي ونائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، زهدي الشامي، إن الوضع "بات خطيرا؛ بعدما وصل الدين العام إلى 2.968 تريليون جنيه"، مؤكدا أن البنك المركزي "لا يريد أن يصدم المواطن بالأرقام الحقيقية، في حين لا تزال الحكومة مستمرة في عمل دعاية للإنجازات والمشروعات".

إذن، السيسي ومن معه يريدون أن يستمروا في مسلسل الكوميديا السوداء بمواصلة السيطرة على مقاليد الأمور في مصر، وتصدير شخصيات كرتونية للعب دور الكومبارس في تلك الكوميديا (ما يسمى الانتخابات الرئاسية)؛ لإيهام العالم الخارجي أنه جاء من خلال ديمقراطية حقيقة، وفي الحقيقة أنها مزيفة بطريقة وإخراج سيئين!

ومن ثمَّ أدعو جموع الشعب المصري بكل فئاته وأطيافه؛ لعدم إعطاء هذه المسرحية أي اهتمام، والانصراف عنها كلية ومقاطعتها، وعدم الاعتراف بنتائجها المُعدة سلفا، ليس فقط لانتفاء فكرة المنافسة الانتخابية، بين متنافسين حقيقيين، بل للقلق والخوف من هذه السياسة الخرقاء التي تُمهِّد بشكل واضح لتغيير الدستور وفتح مُدد الرئاسة؛ لرئيس جاء بانقلاب عسكري على الرئيس المدني المنتخب، والقضاء على أي فرصة للتداول السلمي للسلطة، مما يزيد الأمور انهيارا وتعقيدا في مصر.