قضايا وآراء

هل ستجري الرياح بما يشتهي الشعب؟ (3)

1300x600

أما وقد هتك ستر السيسي فيما يجري في سيناء، بعد أن كشف الأمريكي ديفيد كيركباتريك، الصحفي في صحيفة نيويورك تايمز، الذي كان رئيس مكتبها في القاهرة أثناء الانقلاب، في مقال له بعنوان "التحالف السري: إسرائيل تنفذ ضربات جوية داخل مصر بموافقة القاهرة" علاقة التحالف بين النظام في مصر والكيان الصهيوني، فقد باتت خيانة السيسي وعجزه وعمالته واضحة للعيان. وربما قدم المقال المشار إليه تفسيرا للحملة المجنونة التي يشنها السيسي على الكل، سواء في معسكر الثورة، أو على بعض مكونات النظام وأجهزته.

 

هناك فرق كبير بين الأمس واليوم، فبالأمس كان الكيان الصهيوني معاديا، أما اليوم فقد أصبح صديقا للنظام، حتى وهو يغزو سماء بلادنا

المقال الفضيحة، وهو جزء من كتاب للمؤلف نفسه تنشره دار فايكنج، بعنوان "في أيدي الجنود"، يكشف القناع عن حقيقة ضعف السيسي في مواجهة ما يسمى بالإرهاب في سيناء، رغم الضجيج الذي يحدثه صباح مساء، هو وأجهزة إعلامه التي صورته على أنه قاهر الإرهاب. والحقيقة أنه أكبر خاسر في تاريخ العسكرية المصرية، فلم يحدث في تاريخ العسكرية المصرية أن تجولت الطائرات المعادية "سابقا"، والصديقة لاحقا، بمثل هذه الحرية في سماء سيناء، اللهم أثناء حرب 1967 وإبان حرب الاستنزاف.

لكن هناك فرقا كبيرا بين الأمس واليوم، فبالأمس كان الكيان الصهيوني معاديا، أما اليوم فقد أصبح صديقا للنظام، حتى وهو يغزو سماء بلادنا.

بالأمس كان بمقدور الصواريخ المصرية المضادة للطائرات أو المدفعية المضادة أن تتصدى لهذه الطائرات التي كانت وقتها تعتبر مغيرة، أما اليوم فهي طائرات صديقة وحليفة؛ سمح لها الجنرال بالعبور والمرور والتحرك بأريحية أمام عيون وتحت بصر الضباط المصريين؛ الذين صدرت لهم الأوامر بالاكتفاء بالفرجة وعدم إصدار أي أصوات قد تزعج الأصدقاء الجدد، والذين يقومون بعملية دعم ومساندة لأكبر جيش في العالم العربي وسادس أكبر الجيوش في العام، كما يحلو لبلطجية النظام أن يسموه.

 

أسقط المقال الحجة التي استتر بها السيسي لسنوات، حيث اعتبر نفسه حامي الحمى وهو يتحدث عن أنه لا يريد لمصر أن تصبح مثل سوريا والعراق

إذن، كشف المقال عن فضيحة متعددة الأوجه، وألخصها في التالي:

1- أن الموضوع قديم قدم الانقلاب في 2013، ما يعني أن علاقة السيسي بالصهاينة ليست وليدة ساعة الانقلاب، بل قديمة، وأن الانقلاب الذي تم قدم فرصة تاريخية للسيسي لكي يعبر عن امتنانه للدعم الصهيوني؛ بأن قدم سيناء كميدان للرماية والقصف الصهيوني.

2- أن الطائرات الصهيونية نفذت حوالي 100 ضربة جوية داخل سيناء بعلم الجيش المصري وقياداته، وبموافقة من السيسي شخصيا، وهو ما يعني أن الخيانة ليست مرة واحدة، بل متكررة.

3- نفى المتحدث السابق باسم الجيش المصري، العقيد أحمد علي وكنيته "جاذب النساء"؛ الموضوع شكلا ومضمونا، قبل أن يترك موقعه لمتحدث آخر لم يتحدث عن الموضوع مطلقا، بأوامر وتعليمات.

4- كنا نعيب على إيران وروسيا أن قواتها دخلت لمساندة بشار الأسد، واليوم لم يعد بمقدور أحد أن يطالب روسيا أو إيران بوقف التدخل في شؤون سوريا؛ لأن الصهاينة يتدخلون في شؤوننا ليل نهار.

5- أسقط المقال الحجة التي استتر بها السيسي لسنوات، حيث اعتبر نفسه حامي الحمى وهو يتحدث عن أنه لا يريد لمصر أن تصبح مثل سوريا والعراق. واليوم بات واضحا أن مصر أسوأ حالا، حين سمحت للصهاينة (العدو التقليدي للأمة العربية والإسلامية) بالدخول إلى أجوائها، وقصف ما يسمى بمعسكرات الإرهاب. ولا ندري هل استهدف القصف إرهابيين أم أطفالا ونساء ومدنيين؟ وأنى لنا أن نعلم؟

6- يتحدث المقال في بعض فقراته عن احتمال وجود قوات استطلاع للصهاينة على أرض سيناء، وهذا غير مستبعد؛ لأن السيسي الذي لطالما قال إنه لن يسمح لأحد بالنيل من الجيران، كان عليه أن يسمح للجيران أنفسهم أن يقوموا بالمهمة بأنفسهم؛ حرصا على أمنهم.

7- ما ذكره الكاتب من أن الصهاينة أنفسهم كانوا يتشككون في قدرة السيسي ونظامه على حماية الكيان الصهيوني، وذلك أثناء لقاء عقد في أواخر 2016 في مدينة العقبة، وضم جون كيري، وزير خارجية أمريكا آنذاك، وملك الأردن وبنيامين نتنياهو. وكانت المفاجأة هي قول نتنياهو إنه يتشكك في قدرة النظام على حماية سيناء وأردف قائلا، حسبما جاء بالمقال، أن الكيان الصهيوني هو من يساند مصر في الحفاظ على أمنها، وليست مصر التي ستحمي حدود الكيان الصهيوني. يعني أنتم أقل من أن تحموا ظهوركم ومؤخراتكم.

 

يبدو لي الآن أنه توفرت للفريق عنان معلومات واضحة عن خيانة السيسي المتعددة، التي امتدت من بيع تيران وصنافير والتفريط في مياه النيل، إلى التفريط في أمن سيناء

ونعود مرة أخرى إلى ما جرى وما يجري على أرض مصر منذ بدء الإعلان عن الانتخابات الرئاسية، وسوف نجد أو نكتشف - أو ربما نفهم - سر تحرك الفريق عنان وبعض قادة الجيش، مثل العقيد قنصوه، لدخول الانتخابات، فلم يكن ذلك إذن بناء على رغبات شخصية أو طموح من هذا ولا ذاك، ولكن يبدو لي الآن أنه توفرت للفريق عنان معلومات واضحة عن خيانة السيسي المتعددة، والتي امتدت من بيع تيران وصنافير والتفريط في مياه النيل، إلى التفريط في أمن سيناء وتسليم سيناء للكيان الصهيوني جوا، تمهيدا لتسليمها برا ضمن صفقة القرن.

كما يمكننا أن نفهم سر الحملة المسعورة التي يقودها السيسي على جهاز المخابرات العامة، وتنحية رئيسه، وربما اعتقاله أو وضعه تحت الإقامة الجبرية، وتعيين مدير مكتب الجنرال السيسي رئيسا للجهاز، والذي قام بدوره بعزل مجموعة من قادة جهاز المخابرات.

كل هذا يعطيك فكرة عن حالة الغضب والتململ؛ ليس لغياب الديمقراطية ولا أسفا على تكميم الأفواه، ولكن لأن الأمر يتعلق بتاريخ طويل من الصراع مع الكيان الصهيوني. وسواء تتفق أو تختلف مع جهاز المخابرات العامة، فإنه كجهاز معلوماتي عالي الكفاءة في وقت ما من الأوقات، ظل حتى وقت قريب يعتبر أن مسألة الصداقة مع الكيان الصهيوني خط أحمر، وفي تصور بعض قياداته أن العلاقة الرسمية بين مصر والكيان يجب أن لا تتحول تطبيع سياسي أو شعبي.

 

القادة العسكريون، حتى من هم ليسوا من جيل حرب أكتوبر 1973، باتوا أكثر وعيا وإدراكا لحقيقة خيانة السيسي، مثلهم مثل القيادات القديمة

اليوم قلب السيسي الطاولة على أكبر جهاز أمني واستخبارات في مصر والمنطقة العربية إرضاء للكيان الصهيوني، وهذه طامة كبرى قد لا تمر بسهولة.

ولو تابعت ما جرى خلال الأسبوع المنصرم من أحداث، فسوف تجد أن السيسي قام باعتقال حوالي 22 من القيادات العسكرية في المنطقة العسكرية الشمالية، أي شمال القاهرة وغربها، وهذا يعني أن القادة العسكريين، حتى من هم ليسوا من جيل حرب أكتوبر 1973، باتوا أكثر وعيا وإدراكا لحقيقة خيانة السيسي، مثلهم مثل القيادات القديمة من جيل الفريق عنان، أحد المشاركين في حرب أكتوبر 1973.

ولو عدت لما نشرته صحيفة اللوموند الفرنسية، بعنوان "انقسامات في الجيش المصري حول دعم السيسي قبيل انتخابات الرئاسة"، وهو مقال نشره الباحث الفرنسي جان بيير فيليو في الصحيفة، وتحدث فيه عن أن القادة العسكريين في مصر بدأوا عرض خلافاتهم بصفة غير مسبوقة.

هذا يعني أن مسألة خداع الشعب بوحدة المؤسسة العسكرية ووقوفها تماما خلف السيسي؛ أمر لم يعد ينطلي على أحد بعد كل ما جرى وما يجري.

 

لا أعتقد أن المؤسسة العسكرية بمقدورها مواصلة تحمل فاتورة تصرفات السيسي من أجل البقاء في الحكم

في رأيي المتواضع، فإن مقال نيويورك تايمز، والذي جاء كاشفا لأمور تتعلق بخيانة السيسي وتفريطه في السيادة المصرية نظير بقاء دعم الصهاينة له في المحافل الدولية، سينعكس بطريقة ما على علاقة المؤسسة العسكرية أو بعض قياداتها مع السيسي، كما سيساهم في الكشف شعبيا عن زيف شعارات السيسي التي رفعها في مواجهة الإرهاب.

لا أعتقد أن المؤسسة العسكرية بمقدورها مواصلة تحمل فاتورة تصرفات السيسي من أجل البقاء في الحكم.

ولعل الأخبار الطيبة تأتي بعد أن نصل لنهاية آخر خبر سيئ في مصر.

نكمل الحديث الأسبوع المقبل إن شاء الله.