كتاب عربي 21

هل تفقد الرياض السيطرة في اليمن؟

1300x600
منذ ثلاث سنوات مضت من عمر الحرب التي تدور رحاها على الأرض اليمنية، جاء التقرير النهائي لفريق الخبراء الدوليين التابع لمجلس الأمن، والذي تشكل بموجب القرار رقم 2140، والمعني بفرض العقوبات على معرقلي التسوية السياسية في اليمن، ليكون بمثابة جرس إنذار بشأن الوضع الخطير جداً الذي آلت إليه الأوضاع في اليمن.

وتأتي خطورة هذا التقرير في أنه يُحضِّرُ المجتمعَ الدولي لقبول الوقائع التي تشكلت على الأرض، حيث يضمحل نفوذ السلطة الشرعية وتعجز شيئاً في شيئاً عن القيام بمهام حفظ كيان الدولة ووحدة الوطن، فيما يتنامى دور الجزر العسكرية والأمنية التي تشكلت من خارج سلطات الدولة الشرعية؛ لتعمل وفق أجندات دول في التحالف وهو توصيف يشير بشكل أكبر نحو الإمارات العربية المتحدة.

هذه القوات تحمل علم الدولة الجنوبية السابقة، وعقيدتها القتالية تتمحور حول هدف استعادة هذه الدولة بأي ثمن، مسنودة بدعم سخي من إمارة أبوظبي على وجه التحديد تمويلا وإمداداً وتسليحاً، وهو أمر يشكل تصادماً مع القرارين الصادرين عن مجلس الأمن رقمي 2140 و2216.

لكن لا يبدو أن المجتمع الدولي سيناقش قضية بهذا القدر من الوضوح، حيث يجري تقويض الأسس التي تقوم عليها الدولة اليمنية، ورسم خارطة جيوسياسية جديدة لبلد تشير كل التوقعات إلى أنه سيبقى رهن الصراع والفوضى لأمد طويل.

من الواضح أن الرياض تزيد أداء الرئيس هادي الضعيف أصلاً مزيداً من الضعف، وتفرط في القوة الكبيرة التي يمتلكها إذا ما أرادت أن تحمي مصالحها في اليمن، وتؤسس لعلاقات تتمتع بالاستقرار المستدام مع اليمن.

وأول شيء يتعين على الرياض عمله؛ هو مساعدة الرئيس على استعادة صلاحيته، وتقوية فريقه الرئاسي من المستشارين والخبراء، ودعم الحكومة ورئيسها، وهو إجراء يتسق تماماً مع المهمة الفعلية للتحالف، ولن تضطر الرياض لأن تدفع كلفة إضافية.

لدى الرئيس هادي نائب رئيس قوي وديناميكي ومؤثر على أرض الواقع، ولديه رئيس وزراء بمميزات رجل الدولة القوي والذكي وصاحب القدرة على المبادرة، ولكن الرئيس هادي يخذلهما بشكل كبير جداً بأدائه الضعيف وبارتهانه الذي لا يحتمل للقرار الخارجي.

تنجز أبو ظبي مهمتها في اليمن في ظل تنسيق كامل مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، خصوصاً ما يتعلق بمنطقة باب المندب، وبمكافحة تنظيمي "القاعدة" و"داعش" اللذين تراجع تأثيرهما إلى الحدود الدنيا، وفقاً لتقرير فريق الخبراء الدوليين.

وتراجع تأثير "الإرهاب" بالمفهوم الأمريكي لم يأت نتيجة الضربات التي وجهتها الإمارات، بل لأن واحداً من أهم اللاعبين بورقة الإرهاب لقي مصرعه على يد الحوثيين في صنعاء في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر، وأعني به الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، ولأن الإمارات أدمجت الإرهابيين المفترضين في الوحدات العسكرية الموالية لها في المحافظات الجنوبية.

المحاولات المستميتة لأبوظبي للظهور في هيئة الإمبراطورية الناشئة في المنطقة، لا تتأسس على معطيات حقيقية على الأرض، ولكنها تستثمر الفائض المالي الكبير الذي لديها لإغراء شركاء، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، على الاستفادة من معول هدم خطير لبنيان مجتمعات المنطقة الذي تقوم به حالياً هذه الإمارة وحاكمها الفعلي المغامر محمد بن زايد.

لهذا، لا تخشى أبو ظبي أي ارتدادات محتملة على كيانها ووجودها، كما هو الحال بالنسبة للمملكة العربية السعودية التي تعرضت لخضة كبيرة حينما اُستهدفت عاصمتها بصاروخين أطلقهما الحوثيون؛ أحدهما أصاب مطار الملك خالد والآخر استهدف قصر اليمامة.

من المرجح أن تدفع الرياض ثمناً باهضاً من نفوذها ووجودها؛ إذا اعتقدت أن الحقن المسكنة التي تتعاطاها عبر المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، التي تستمر في إظهار تورط إيران في دعم الحوثيين بالصواريخ.

يجب أن لا تنسى الرياض أن دعم إيران للحوثيين هي عملية لاحقة للتمكين العسكري والسياسي الذي حظي بهما الحوثيون من جانب السعودية والإمارات، وبتحريض وتحفيز من جانب الولايات المتحدة الأمريكية ولندن والعواصم الغربية الأخرى.

لن يحدث تبدل جوهري في الموقف الأمريكي ولن تتورط واشنطن في ضرب إيران؛ لمجرد أن الرياض لا تزال تحت تهديد الصواريخ الإيرانية التي يطلقها الحوثيون الراسخون في الدولة الواقعة إلى الجنوب من المملكة، بدعم سابق وتمويل سخي من الجارة الشمالية وحليفتها أبو ظبي المحكومتان بقصر نظر سياسي خطير حيال المهددات الحالية في المنطقة، والتي ليس منها بالتأكيد "الإخوان المسلمون".

لقد كشف التقرير النهائي لفريق الخبراء التابعين لمجلس الأمن، أن واحداً من أهم أسباب المراوحة التي تشهدها معركة التحالف في اليمن تعود إلى انشغال التحالف في تصميم الشريك العسكري الجدير بثقته؛ ليتولى دخول صنعاء في الخاتمة المتوقعة للمعركة.

والتقرير أشار بوضوح إلى إمكانية أن يستعين التحالف بأبناء صالح وأقاربه للقيام بهذه المهمة، وهو ما يجري تنفيذه اليوم على قدم وساق في عدن حيث يتوافد العشرات من جنود وضباط الحرس الجمهوري إلى معسكر تابع للإمارات هناك، لتشكيل القوة التي ستستخدمها الإمارات لتوجيه الضربة القاضية ليس للحوثيين، بل لخصمها الأيديولوجي التجمع اليمني للإصلاح، شريك الرياض الميداني على الأرض، والذي يقاتل في جبهات مفصلية ويتعرض لغدر لا سابق له في تاريخ التحالفات.