سياسة عربية

ما سبب عودة توتر العلاقات بين مصر والسودان؟

محللون سياسيون: هناك أزمة ساخنة الآن بين الجهات الثلاث المعنية بملف السودان بمصر- أ ف ب

في ظل وجود مؤشرات لعودة العلاقات المصرية السودانية لمربع الخلافات مرة أخرى، تبادلت وزارة الخارجية بالبلدين خلال الساعات الماضية الاتهامات في أبرز قضيتين خلافيتين بينهما، وهما مثلث حلايب وشلاتين ومفاوضات سد النهضة.


وتخلى وزير الخارجية السوداني إبراهيم الغندور للمرة الأولى عن دبلوماسيته المعتادة خلال التحدث عن مصر، وإعلانه مساء أمس الأربعاء أمام البرلمان السوداني بشكل قاطع رفض حكومته للاقتراحات المصرية بإدارة مشتركة من البلدين للمثلث المتنازع عليه، أو إجراء استفتاء لأهالي حلايب وشلاتين وأبو رماد لتحديد المصير.


وزير الخارجية السوداني الذي نالت كلماته إعجاب النواب كشف للمرة الأولى أن بلاده قدمت شكوى رسمية للأمم المتحدة ضد مصر لإجرائها الانتخابات الرئاسية الماضية في المثلث المتنازع عليه، وشكوى أخرى عن إجراءات حكومة رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي لتمصير المثلث، وأعلن الغندور أن بلاده مازالت تلتزم ضبط النفس في التعامل مع هذا الملف الشائك حفاظا على ما وصفه بأهمية العلاقة بين البلدين.


ورغم أن الغندور استبعد خيار المواجهة العسكرية مع القاهرة، إلا أنه ترك الخيار للبرلمان معلنا أن حكومته ملتزمة بما يقرره البرلمان.

 

اقرأ أيضا: خارجية السودان: قدمنا 3 شكاوى لمجلس الأمن ضد مصر

على الجانب الآخر أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري اليوم الخميس، أنه لم يتلق ردا سودانيا أو إثيوبيا على الدعوة التي وجهها لجولة جديدة من المباحثات بين الدول الثلاث غدا الجمعة لاستكمال المباحثات حول سد النهضة، وجاء تعليق شكري خلال حوار من بورندي أجرته قناة اكسترا نيوز المصرية، كما أنه جاء بعد بيان رسمي لوزارته أمس الأربعاء نفت فيه الاتهامات التي وجهتها السودان وإثيوبيا لمصر بمسؤوليتها عن فشل المباحثات التي جرت في الخرطوم مؤخرا.


من جانبه أكد الباحث السوداني المتخصص في العلاقات الدولية أسعد الطيب لـ "عربي21" أن الأيام الماضية شهدت تطورات بين البلدين تنفي التصريحات السياسية بمتانة العلاقة بين القاهرة والخرطوم.


وأضاف: "السودان تنظر لتحركات وزير الخارجية المصرية سامح شكري في إفريقيا وخاصة في الدول الحدودية مع السودان بريبة وشك، مثل زيارته الأخيرة لأوغندا التي تضعها السودان في خانة الأعداء، بالإضافة لتحركات أخرى رصدتها الخرطوم في الصومال وكينيا ورواندا."


وقال الطيب إن القاهرة لم تستطع أن تتفهم الطبيعة السودانية الحالية، ومازالت تتعامل بأن الخرطوم تابعة للقاهرة، وهو ما يزعج القيادة السودانية التي تتعامل بحذر مع نظام السيسي منذ مجيئه في تموز /يوليو 2013.

 

اقرأ أيضا: لجنة انتخابية بحلايب قد تعيد التوتر بين مصر والسودان من جديد

 وتابع: "لعل هذا ما تعكسه تصريحات وزير الخارجية السوداني خلال جلسة البرلمان أمس الأربعاء، حيث كانت الجلسة مخصصة لاستعراض خطة وزارته، ولكنها تحولت برمتها للحديث عن الخلاف المصري السوداني الخاص بحلايب وشلاتين".


وأكد الباحث السوداني أن برلمان بلاده صدق أيضا أمس الأربعاء علي الاتفاقيات الأمنية والعسكرية والاقتصادية بين الخرطوم وأنقرة، والتي يأتي تعمير جزيرة سواكن ضمنها، وهي اتفاقيات هامة لحماية السودان ومساعدتها سياسيا وعسكريا في ظل قرار حظر السلاح المفروض عليها منذ سنوات.


وأشار إلى أن الخرطوم هدأت كذلك في تعاملها مع ملف الإخوان المسلمين المصريين الموجودين بأراضيها بعد أن طالبت القاهرة بشكل صريح بتسلميهم للسلطات المصرية.


واستبعد الطيب أن تصل الأزمة بين البلدين للمواجهة العسكرية، إلا أنه استبعد أيضا تخلي الخرطوم عن حلايب وشلاتين، في ظل أن الملف من أبرز القضايا المطروحة على مائدة الحوار الوطني السوداني، وحكومة البشير تعلم جيدا النتائج العكسية لتخليها عنه.


وقال الكاتب الصحفي المصري سمير حسنين لـ "عربي21": "هناك أزمة ساخنة الآن بين الجهات الثلاث المعنية بملف السودان بمصر، وهي وزارة الخارجية وجهازا المخابرات الحربية والعامة، حيث يرى كل طرف أن الأطراف الأخرى هي المسؤولة عن خروج السودان عن القرار المصري، وبالتالي هناك فشل نتيجة غياب التنسيق المشترك حتى بعد تولي مدير مكتب السيسي مسؤولية جهاز المخابرات".


وأكد أن هناك شبه اتفاق أن وزير الخارجية سامح شكري أحد أبرز المسؤولين عن توتر العلاقة مع الخرطوم، لأسلوبه المتعالي وتعامله المتكبر مع السودانيين، وهو ما دعا السيسي للدفع بمدير مكتبه عباس كامل للقيام بدور أكثر فاعلية من شكري الذي من المتوقع أن يخرج في التشكيل الوزاري القادم، لفشله الواضح في عدد من الملفات الإقليمية والدولية ومن أهمها سد النهضة والخلافات مع السودان وكذلك الفشل في وقف التوغل التركي والقطري بالبحر الأحمر.


وأضاف حسنين: "مصر في عهد السيسي لم تقدم أي شيء للسودان، سواء سياسيا أو اقتصاديا، بينما دول أخرى على خلاف مع مصر تحتل الآن مكانة متقدمة في الميزان التجاري مع السودان مثل تركيا وقطر والصين، وحتى الإمارات الداعمة للسيسي، كما أن الخرطوم نجحت في أن تفصل علاقتها مع دول الخليج وخاصة السعودية والإمارات عن علاقتهم بمصر، وبالتالي لم يعد هناك وسائل ضغط يمكن أن يمارسها السيسي على نظيره البشير".