كتاب عربي 21

كيف تجاوزت قطر الأزمة الخليجية؟

1300x600
في سابقة هي الأولى من نوعها، قامت بضع دول خليجية (السعودية والإمارات والبحرين) قبل قرابة العام تقريبا، بفرض حصار على دولة قطر، وذلك بعد حوالي 12 يوماً من قرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية. أُتبَعَت هذه الدول القرصنة حينها بحملة إعلامية وسياسية، تلاها سحبٌ للسفراء وقطعٌ للعلاقات الدبلوماسية وإغلاقٌ للحدود البرية والبحرية والجوية. 

اعتقدت هذه الدول مخطئة أنّ الغدر يؤمّن لها عنصر المفاجأة، وأن الكذب المرسل في الاتهامات يضمن لها تأييد المجتمع الدولي. وانطلاقا من هذا الوهم ومن استفادتها من انحياز الرئيس الأمريكي ترامب إليها، كانت هذه الدول التي تعاني من أزمة هوية ودور، تؤمن أنّ الصدمة ستدفع الدوحة إلى الانهيار خلال الأيام القليلة الأولى من الأزمة، لدرجة أنّها لم تكن قد جهّزت أي مطالب لأنها كانت تعتقد أنّه لن يكون هناك حاجة إليها!

لكن، ما حصل فيما بعد وضع دول الحصار في موقف محرج للغاية. فالدول التي ما فتئت تتفاخر بحجمها الجغرافي أو قدراتها المالية أو عدد سكّانها عجزت عن لي ذراع الإمارة الصغيرة الفتيّة، وقد كشف هذا العجز في ثناياه أيضاً عن عشوائية وتخبّط وقلّة حيلة. لم يكن من السهل على هذه الدول تقبّل حقيقة أن قطر صمدت وأنّ المجتمع الدولي لا يأخذ الاتهامات التي ساقوها ضدّها على محمل الجد، سيما وأنّها جاءت مجرّدة من أي أدلة. وبدلاً من التسليم بالأمر وإنهاء الأزمة وإعادة لملمة الوضع المهترئ على الصعيد الإقليمي، عمدت هذه الدول إلى إبقاء الأزمة مفتوحة، وقامت بنقلها إلى عدد من الدول الإقليمية المجاورة وعلى رأسها اليمن والصومال ولبنان وفلسطين وجيبوتي وغيرها.

في الذكرى الأولى لهذه الأزمة المفتعلة، يمكن القول إنّ قطر خرجت أقوى مما كانت عليه سابقاً. صحيح أنّ الأزمة خلقت في بدايتها مشاكل طارئة، وهددت الأمن القومي للبلاد، ورتّبت تكاليف مالية إضافية على الدوحة لاسيما فيما يتعلق في الشق الاقتصادي، لكنّها في المقابل، سلطت الضوء على نقاط الضعف التي كانت مستترة، ودفعت الدوحة إلى الإسراع في معالجة الخلل، وإلى التخلي عن اطمئنانها لجوارها. 

لقد اختبرت الأزمة قدرات الدبلوماسية القطرية، وكان الأداء القطري بشهادة الجميع هادئا ومتماكساً ومتّزناً. على الصعيد الداخلي، امتحنت الأزمة مدى وحدة وتماسك الشعب القطري، ونجح الأخير في الاختبار بشكل غير مسبوق أمام التهديدات الخارجية ومحاولات تقويض النظام من خلال إحياء النزعات القبلية. لقد خلقت الأزمة حالة من التلاحم الداخلي، وعزّزت من شعور المواطن القطري بالفخر، لاسيما بعد فشل دول الحصار في إخضاع قطر لرغباتهم واملاءاتهم.

ونتيجة لكل ذلك، فإن قطر اليوم أقوى ممّا كانت عليه من قبل في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية وحتى العسكرية. لا يعني ذلك أنّ المخاطر الخارجية ستزول أو تختفي. فطالما بقيت القيادات ذاتها في الدول التي أشعلت الأزمة الكارثية السخيفة في مناصبهم، فهذا يعني أنّ الأزمات الإقليمية والتهديدات الخارجية ستبقى قائمة.

لكن، ما يمكن قوله في هذا المجال هو أنّ الأزمة حملت معها الكثير من الجوانب الإيجابية غير المقصودة، وبفضلها أصبحت الدوحة اليوم أكثر اعتماداً على النفس، وأكثر ثقةً بنفسها، وأكثر قدرة على تحمل الضغوط الخارجية، وبالتأكيد أكثر مناعة لناحية حصانة الأمن القومي للبلاد (غذاء، مياه، طاقة..الخ). ما كان لذلك أن يحصل من تلقاء نفسه لو لم تحصل الأزمة قبل عام. فالشعور بالاسترخاء كان طاغياً فيما مضى، أمّا اليوم فهو من الماضي. 

علاقات قطر اليوم مع القوى الإقليمية والدولية أقوى وأكثر متانة. كما أن القرار القطري أكثر تحرراً واستقلالية ومقاومة للإملاءات الخارجية من أي وقت مضى.