كتاب عربي 21

الهزة في الأردن والصدى في تونس

1300x600

شهد الأردن انتفاضة شعبية عارمة بسبب قرار الحكومة المستقيلة بتنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي، رغم الأزمة الاقتصادية الكبرى التي تعيشها الدولة الهاشمية. ويعود غضب الأردنيين إلى القرارات الأخيرة التي تم اتخاذها، وتتعلق بزيادة حجم الضرائب والرفع في أسعار المحروقات، وهي النقطة التي أفاضت الكأس، ودفعت بالجماهير إلى النزول إلى الشارع، والتوجه إلى الملك عبد الله ومطالبته بالتدخل قبل أن تعم الفوضى. أما من يقف وراء ذلك، فهي توصيات البنك الدولي وصندوق النقد اللذان اشترطا على الأردن انتهاج سياسة تقشف حادة ومؤلمة مقابل تمكينه من قروض إضافية.

ما يجري في الأردن يزيد من قلق التونسيين ويثير مخاوفهم؛ لأن نقاط التشابه كثيرة بين البلدين، ويُخشى أن يكون مصيرهما متشابها. هما بلدان صغيران من حيث الحجم وعدد السكان، كما أن لكل منهما موقعا استراتيجيا حساسا يجعلهما يتأثران كثير بالتقلبات الإقليمية والعالمية.. الأردن محكوم بمحيطه غير المستقر في هذه الفترة، فالأزمة السورية متواصلة بدون انقطاع، ولا تزال مفتوحة على جميع الاحتمالات، إلى جانب الأوضاع الصعبة في لبنان والعراق، يضاف إلى ذلك الأزمة الخليجية التي كانت من بين نتائجها توقف جميع المساعدات للأردن باستثناء الدعم الكويتي. كما يستمر التهديد الإسرائيلي بكل تبعاته الخطيرة على هذا البلد ذي الوضع الديمغرافي الخاص.

 

ما يجري في الأردن يزيد من قلق التونسيين ويثير مخاوفهم؛ لأن نقاط التشابه كثيرة بين البلدين، ويُخشى أن يكون مصيرهما متشابها


كذلك الشأن بالنسبة لتونس؛ التي رغم محاولاتها المستمرة لكي تنأى بنفسها عن أي خلاف أو نزاع إقليمي، إلا أن ما يحدث في ليبيا قد قضى على كثير من الأحلام التي راودت الطبقة السياسية التونسية بعد الثورة. كما أن حساسية الأوضاع في الجزائر جعلت المسؤولين المحليين يتابعون بدقة حالة الترقب التي تمر بها الجارة الغربية. وحتى أوروبا التي تحتكر حوالي 90 في المئة من العلاقات التجارية، لم تقرر بعد أن تبني شراكة حقيقية ومتعادلة مع تونس، وهو ما جعل القيادة السياسية تقر بأن البلاد تبدو متروكة لكي تواجه بمفردها أزمتها التي تفاقمت بعد الثورة دون دعم جدي من قبل أي طرف، سواء أكان عربيا أو دوليا، باستثناء دولة قطر.

كما يشترك البلدان في لجوئهما الاضطراري إلى صندوق النقد الدولي. وما يلاحظ أن الوصفة تكاد تكون واحدة: التحكم في النفقات، ورفع الضرائب، والحد من الأجور، ومزيد تحرير الأسعار.. كل ذلك تحت عنوان سياسة التقشف. وما يلفت الانتباه أن هذه الوصفة لا تأخذ بعين الاعتبار مدى قدرة الشعبين على التحمل؛ لأنه يكفي أن يضاف إلى الحمل الثقيل شعرة واحد حتى ينقسم ظهر البعير، ويفلت من عقاله، ويتحول الاستقرار إلى فوضى، وقد تصبح الدولة مهددة بالإفلاس والانهيار.

من هذه الزاوية، كانت احتجاجات الأردن بمثابة ناقوس الخطر لتونس، وإشعال للأضواء الحمراء، حيث تسير البلاد فوق صفيح ساخن. وما الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ فترة إلا بسبب عجز الحكومات المتلاحقة بسرعة جنونية عن التحكم في الحالة الاقتصادية التي تبدو أحيانا وكأنها تتعافى تدريجيا، لكنها سرعان ما ينتابها توتر شديد، وتتكاثر المؤشرات السلبية، مما ينبئ بقرب حصول تصدع كبير. ولهذا أصبح من المعتاد، أربع مرات في السنة، أن تفتح جميع الأبواب لوفود صندوق النقد الدولي التي تأتي لتتصفح في كل مرة جميع الملفات، وتطلع على كل الأوراق والأرقام، ولا تترك شاردة أو ورادة إلا وتسأل عنها بحجة التأكد من صحة ما تعلن عنه الجهات الرسمية، وحتى تطمئن مؤسسات التمويل الدولية من أن الإصلاحات المطلوبة هي بصدد التنفيذ وبالشكل المطلوب؛ أو أن الواقع مخالف للوعود والتصريحات الرسمية. ولم يعد يختلف الخبراء الاقتصاديون في وصف ما يجري بكونه نوعا من أنواع الوصاية غير المعلن عنها.

 

الوصفة لا تأخذ بعين الاعتبار مدى قدرة الشعبين على التحمل؛ لأنه يكفي أن يضاف إلى الحمل الثقيل شعرة واحد حتى ينقسم ظهر البعير، ويفلت من عقاله، ويتحول الاستقرار إلى فوضى، وقد تصبح الدولة مهددة بالإفلاس والانهيار


لكن الإشكال لا يقف عند هذه المسألة، إذ عندما تسأل: هل يمكن التخلص من صندوق النقد والتوجه إلى أطراف مالية أخرى؟ يكون الجواب بأن الصندوق أرحم من غيره، وأنه يعتبر بنك البنوك في العالم؛ نظرا لكونه يضم تقريبا جميع دول العالم، وأنه أُسس لكي يكون شكلا من أشكال التضامن بين هذه الدول في لحظات الأزمات الشديدة التي يمكن أن يمر بها أحدالأعضاء. 

المشكلة الأساسية للصندوق أن خبراءه لا يغيرون وصفاتهم بالسرعة المطلوبة، بسبب تأثرهم بالفكر النيوليبرالي الذي لا يأخذ بالجدية المطلوبة مسألة الاستقرار السياسي والبعد الاجتماعي. ولا يتعلق هذا الأمر بالمنطقة العربية فقط، ولكن سبق وأن تكرر في مناطق أخرى من العالم، سواء في أفريقيا أو أمريكا اللاتينية أو حتى بالنسبة لدول أوروبا مثلما حصل باليونان.

لهذا نقول: لم يبق للأردنيين والتونسيين إلا رب العالمين!!