صحافة دولية

فايننشال تايمز: تنافس جديد على أفريقيا والصين في المقدمة

فايننشال تايمز: تحولت أفريقيا إلى ساحة تنافس لدول تحاول الحصول على موطئ قدم لها هناك- جيتي

خصصت صحيفة "فايننشال تايمز" ملفات للحديث عن الفرص التي باتت القارة الأفريقية تمنحها للمستثمرين الخارجيين، خاصة من الصين وتركيا والبرازيل، مشيرة إلى أن القارة تحولت إلى ساحة تنافس بين القوى غير الغربية. 

 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى قصة غانا التي تسهم فيها شركة تركية في توليد جزء من الطاقة الكهربائية، وتنهي شركة أخرى المراحل الأخيرة من إنشاء جناح جديد من المطار الدولي، فيما هناك شركة خدمات فلبينية ستبدأ قريبا في إدارة شركة الطاقة الكهربائية في غانا، "حتى أهم جسر في غانا، الذي يحمل اسم القائد الوطني كوامي نكروما، بنته شركة برازيلية". 

 

وتقول الصحيفة إن غانا تعد من أكثر الاقتصاديات النامية في هذا العالم، وهي صورة مصغرة للقوى التي تحاول وبطريقة جذرية إعادة تشكيل علاقة أفريقيا مع العالم. 

 

ويجد التقرير أن هناك مجموعة جديدة من الدول، تضم الصين وتركيا والبرازيل وروسيا، تحاول الحصول على موطئ قدم لها في القارة الواسعة، التي كانت حتى وقت قريب حكرا على القوى الأوروبية والولايات المتحدة. 

 

وتقول "فايننشال تايمز" إن التنافس على القارة بين الدول غير الغربية يمكن وصفه بأنه "تكالب جديد على أفريقيا"، تحاول من خلاله هذه القوى استعراض نفسها في أكثر المناطق صعوبة في العالم. 

 

ويلفت التقرير إلى أنه في الوقت الذي تقود فيه الصين منذ سنوات، إلا أن هناك عددا من الدول الأخرى تبعت قيادتها، سواء كانت دولا خليجية تتنافس فيما بينها على التأثير في القرن الأفريقي، أو الصين الباحثة عن المعادن، مثل الكوبولت، الذي يستخدم في السيارات الكهربائية، والموجود بكثرة في جمهورية أفريقيا الوسطى، أو الهند التي حلت محل الولايات المتحدة بصفتها مستوردا أكبر للنفط النيجيري الخام، ففي أنحاء القارة الأفريقية كلها يحاول المشاركون الجدد إظهار وجودهم. 

 

وتنقل الصحيفة عن الاقتصادي كارلوس لوبيز من غينيا- بيساو، قوله إنه لم يلتق بعد بزعيم لا يشعر بالحيوية من الإمكانيات الجديدة التي تفتح في مرحلة يمكن وصفها بأنها "ما بعد الاستعمار" التي تعطي الأفارقة "مساحة كبيرة للمناورة". 

 

ويذهب التقرير إلى أن مستوى رد القادة الأفارقة على المحفزات الجديدة له علاقة بالبنى التحتية والتمويل، التي تمنحهم القدرة على تحدي الضغط الغربي، ويجدونها محلا للإثارة.

 

وترى الصحيفة أن أشكال التعامل المتغيرة، التي قادت واشنطن وأوروبا لإعادة تقييم علاقتها مع القارة، انعكست من خلال التجارة، فقد حلت الصين محل الولايات المتحدة بصفتها شريكا تجاريا للقارة في عام 2009، وبلغ حجم التداول التجاري العام الماضي بينها وبين أفريقيا 170 مليار دولار، وهو أقل من فترة الذروة في عام 2014، لكنه أعلى بعشرين مرة عما كان عليه التبادل مع بداية الألفية، لافتة إلى أنه بالمقارنة فإن التبادل التجاري الأمريكي مع دول الساحل والصحراء لم يزد على 39 مليار دولار.

 

وينوه التقرير إلى أنه في المناطق التي قادت فيها الصين تبعها الآخرون، فتضاعفت التجارة الهندية مع القارة عشرة أضعاف، من 7.2 مليار دولار عام 2001 إلى 78 مليار في عام 2014، بشكل جعل الهند الشريك التجاري الرابع مع أفريقيا، بحسب مفوضية الأمم المتحدة الاقتصادية لافريقيا، مشيرا إلى أن معهد بروكينغز أحصى زيادة في التبادل التجاري من روسيا وتركيا للقارة في الفترة ما بين 2006- 2016، بنسبة 142% و 192% على التوالي. 

 

وتذكر الصحيفة أن الصين استثمرت 125 مليار دولار في الدول الأفريقية في الفترة ذاتها، وذلك بحسب المبادرة البحثية للصين وأفريقيا في جامعة جونز هوب،كنز في واشنطن، لافتة إلى أن زعماء أربعين دولة أفريقية سافروا في هذا الشهر إلى بكين، حيث استمعوا للرئيس شي جينبينغ وهو يتعهد بـ60 مليار دولار استثمار على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة. 

 

وبحسب التقرير، فإن الولايات المتحدة تراقب هذه التطورات بنوع من القلق، مشيرا إلى أن الصين افتتحت في العام الماضي أول قاعدة عسكرية لها في البلد الصغير جيبوتي، حيث زاد حضورها فيه إلى مستوى الولايات المتحدة والدول الأخرى. 

 

وتقول الصحيفة إن جييوتي اليوم مدينة للصين، فيما أطلق عليها بعض النقاد "دبلوماسية الدين"، حيث يقال إن الصين تحول قروضها إلى تأثير سياسي، وتتهم الصين بمحاولاتها السيطرة على كيانات في زامبيا، بما في ذلك مؤسسة عامة للطاقة. 

ويفيد التقرير بأن عددا من السيناتورات كتبوا في آب/ أغسطس، رسالة إلى وزير الخزانة ستيفن منشين ووزير الخارجية مايك بومبيو، اتهموا فيها الصين بـ"عسكرة المال" في أفريقيا، وكذلك آسيا، واستخدام الدين لخلق نظام عالمي على صورة الصين، مشيرا إلى أن الشعور بأن الولايات المتحدة تخسر التأثير في القارة كان وراء قرار دونالد ترامب إنشاء مؤسسة الاستثمار الخاص في الخارج، وهي مؤسسة قطاع خاص بقدرات قروض تصل إلى 60 مليار دولار أمريكي. 

 

وتشير الصحيفة إلى أن مجلس النواب أقر تشريعا بموافقة الحزبين، لكنه ينتظر قرار مجلس الشيوخ، حيث يرى الداعمون لتشريع "منفعة أفضل من قروض الاستثمارات للتنمية "بيلد" أنه مرتبط بالأمن القومي وزيادة التأثير الصيني في أفريقيا. 

 

ويورد التقرير نقلا عن المدير التنفيذي لمركز التنمية الديمقراطية في أكرا كواسي بريميه، قوله إن واشنطن لا تزال تركز على التهديدات في أفريقيا، وبدرجة أقل على الفرص، وأضاف: "لا تزال أمريكا لاعبا، لكنها عالقة في مرحلة ما بعد غزو العراق"، فيما يرى النقاد أن أوروبا كانت بطيئة في مشاهدة إمكانيات أفريقيا والرد على توغل الدول الأخرى.

 

وتلفت الصحيفة إلى أن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي زارت في الشهر الماضي ثلاث دول أفريقية؛ بحثا عن فرص في مرحلة ما بعد البريكسيت، مشيرة إلى أن بريطانيا لا تزال ثاني أكبر مستثمر في أفريقيا؛ نظرا للعلاقات التاريخية، والشركات المسجلة البريطانية المسجلة في البورصة، والعاملة في مجال النفط والتنقيب عن المعادن. 

 

وينوه التقرير إلى أن "بريطانيا لا تزال المتبرع الأكبر، إلا أن الدرس الذي يمكن تعلمه من جولة ماي في أفريقيا، بما فيها أول زيارة لرئيسة وزراء بريطانية لكينيا منذ 30 عاما، هو أن بريطانيا لم تعد مشاركة دبلوماسيا بالقدر الكافي في القارة، وقال الدبلوماسي البريطاني مارك مالوخ: (مسكينة السيدة ماي، فلديها الكثير من العمل)". 

 

وأضاف مالوخ أن الصين خلقت جوا من التنافس، في الوقت الذي واصلت فيه بريطانيا والولايات المتحدة التذمر.

 

وتقول الصحيفة إن هناك إشارات عن صحوة أوروبية متأخرة لمواجهة التحديات الدبلوماسية والتجارية، ففي العام الماضي أعلنت ألمانيا عما أسمتها "خطة مارشال مع أفريقيا"، وتعهدت بدعم الشركات العامة التي تستثمر في أفريقيا، وكان تحرك  المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل مدفوعا لخلق فرص، "وبناء أمن لأنفسنا وسنضع حدا لتهريب البشر". 

 

ويرى بريميه أنهم في المبادرات الأوروبية "يخاطبون القطاعات الانتخابية الغاضبة من تدفق المهاجرين.. ويفكرون: لو استطعنا جعل هذه الدول منتعشة اقتصاديا، إما عبر الاستثمار المباشر، أو الدعم، فلربما استطعنا الحد من الموجة"، وأشار إلى خطة شركة "فولسفاغن" لتجميع 5 آلاف سيارة في غانا مثالا على ذلك.

 

وينوه التقرير إلى أن الرئيس الفرنسي قدم رؤية عن أفريقيا، أكد فيها أنه ولد بعد حصول الدول الأفريقية على اقتصادها، وأكد أهمية بناء علاقة مجردة من التاريخ الاستعماري، وفتح الفرص التجارية للشركات الفرنسية الصغيرة والمتوسطة الحجم في الدول الناطقة باللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى العالم الفرنكفوني. 

 

وتعلق الصحيفة قائلة إنه "مثل ميركل، مدفوع للاهتمام بالقارة بسبب القلق، ففي خطاب ألقاه في عاصمة بوركينا فاسو وغادوغو العام الماضي، حذر فيه من المخاطر التي قال إنها تقوم بالتأثير على استقرار أفريقيا، وكذلك استقرار أوروبا، وسواء كانت الدوافع تجارية أو دبلوماسية، فإن اللاعبين الكثر منحوا قادة أفريقيا خيارات واسعة". 

 

وينقل التقرير عن المديرة لمفوضية الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا فيرا سنغوي، قولها إن هذا سمح بتنافس لم ير أبدا في القارة، فيما يرى أستاذ الإعلام في جامعة كولومبيا هاورد فرينتش، أن الاهتمام بأفريقيا جزء منه "انتهازي"، حيث ترك الغرب أفريقيا في نهاية الحرب الباردة، ولم يملأ الفراغ إلا بعد فترة، حيث كانت الصين لاعبا واضحا، لكن هناك ماليزيا وفيتنام وتركيا والبرازيل وروسيا ودول الخليج. 

 

وتورد الصحيفة نقلا عن مدير بنك "فيدليتي" إدوارد إيفا، قوله: "قرر الأتراك قبل أعوام التجارة مع أفريقيا.. وفتحوا سفارات ومنشآت ائتمان للتصدير، وسيروا رحلات أكثر، حيث تسير الخطوط الجوية التركية اليوم رحلات إلى 40 مدينة أفريقية، وهناك الكثير من أصحاب الأعمال لديهم منظور تجاري طويل الأمد في الزيادة السكانية الأفريقية التي تثير قلق الهجرة في العواصم الأوروبية". 

 

وبحسب التقرير، فإن الأمم المتحدة تتوقع أن تكون أكبر 10 مدن نموا للسكان في الفترة ما بين 2018 – 2035 في أفريقيا، وبنسبة عمرية 19 سنة فقط، فيتوقع أن يصبح تعداد سكان القارة بحلول عام 2050 ملياري نسمة.

 

وتقول الصحيفة إنه حتى دون تغير في مستويات الحياة فإن النمو السكاني يضمن نموا اقتصاديا قويا في المستقبل، وهناك بعض الدول تظهر زخما، فمن بين 10 دول اعتبرها البنك الدولي الأكثر نموا في العالم هناك ست دول أفريقية، بينها إثيوبيا، التي زاد تعداد سكانها على 105 ملايين نسمة، وتنشط فيها الصين وتركيا ودول الخليج. 

 

ويفيد التقرير بأن عدة دول، بينها تركيا، اكتشفت المنطق للمشاركة الكبيرة في أفريقيا، وزار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان 23 دولة أفريقية منذ توليه السلطة عام 2003، لافتا إلى أن الإمارات قدمت في حزيران/ يونيو 3 مليارت دولار لإثيوبيا كدعم واستثمار؛ لمنع أزمة عملة في البلاد، وبعد شهر وعدت السعودية رئيس جنوب أفريقيا سيرل رامافوسا بـ10مليارات للاستثمار في القطاع الخاص. 

وتبين الصحيفة أن لروسيا تأثيرا كبيرا في أفريقيا، خاصة في موزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، وعقدت صفقات أسلحة مع نيجيريا وأنغولا. 

 

وينقل التقرير عن يفجينغي كوريندياسوف، الذي عمل سفيرا في عدة دول أفريقية، قوله إن بلاده متأخرة عن بقية الدول، لكن هذا الأمر مؤقت. 

 

وترى الصحيفة أن الاهتمام المتزايد بالقارة، سواء كان مدفوعا بالخوف من الهجرة، أو الإرهاب، أو التجارة، فإنه يمنح لقادة الدول الأفريقية فرصا للاختيار والتعاون مع من يريدون. 

 

وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن المخاطر هي ما تراه منظمات المجتمع المدني، حيث تسمح العلاقات التجارية لقادة الدول بعقد صفقات مربحة لهم، لكنها غير جيدة للبلد، فالقروض التي تقدمها الصين تفتقد عادة الشفافية، ولا تعود بالنفع المقصود في معظم الأحيان.

 

لقراءة النص الأصلي اضغط هنا