كتاب عربي 21

في مبررات الانفتاح العُماني على إسرائيل

1300x600
في أواخر الشهر الماضي، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سلطنةَ عُمان، على رأس وفدٍ رفيع المستوى، ضمّ كلاّ من رئيس الموساد، ومستشار رئيس الوزراء لشؤون الأمن القومي، ورئيس هيئة الأمن القومي، ومدير عام وزارة الخارجية، ورئيس ديوان رئيس الوزراء، والسكرتير العسكري لرئيس الوزراء.

التقى الوفد هناك السلطان قابوس بن سعيد والمسؤولين العُمانيين؛ في زيارة هي الأولى من نوعها منذ أكثر من 22 عاماً. وبالرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين، زار رئيس وزراء إسرائيل السابق إسحاق رابين عُمان في العام 1994، تبعه شيمون بيريس في العام 1996. وفي المقابل، زار وزير خارجية عُمان إسرائيل في العام 1995، فيما التقت تسيفي ليفني، وزير الخارجية الإسرائيلية في العام 2008، نظيرها العُماني آنذاك.

من وجهة نظر إسرائيلية، فإن زيارة نتنياهو إلى عُمان تأتي في سياق "تنفيذ سياسة رئيس الوزراء التي تسعى إلى تعزيز العلاقات الإسرائيلية مع دول المنطقة؛ من خلال إبراز الخبرات الإسرائيلية في مجالات الأمن والتكنولوجيا والاقتصاد". بمعنى آخر، فإنّ هذه الزيارة غير منفصلة عن أجندة أوسع تسعى إسرائيل من خلالها الى تطبيع العلاقات مع الدول العربية، عبر عرض خدماتها في المجالات الأمنيّة والاقتصادية على وجه التحديد.

البعض فسّر هذه الزيارة بأنّها تأتي في سياق إعادة إطلاق عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، لا سيما وأنّ هناك تصريحات رسمية من الطرفين توحي بمثل هذا الأمر، فضلاً عن أنّها - أي الزيارة - جاءت بعد أيام من زيارة محمود عبّاس، رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية الى عُمان. ويرى آخرون أنّ الزيارة تأتي في سياق الاستعدادات لمواجهة إيران، على اعتبار أنّها وقعت بعد أيام قليلة فقط من زيارة وزير دفاع أذربيجان الى إسرائيل. وما يجمع أذربيجان وعُمان هو محاذاتهما لإيران، وهذا أمر مهم من دون شك في الحسابات الإسرائيلية.

اللافت للنظر في هذا السياق، أنّه على الرغم من وصف وزير خارجية إيران جواد ظريف لسلطنة عُمان بانّها شريك جيّد وإستراتيجي، الا أنّ رد الفعل الايراني على استقبال هذا الحليف الاستراتيجي لرئيس وزراء إسرائيل كان باهتاً، لا بل إنّ الوزير الايراني كان قد قال إنّ بلاده لا تتدخّل في علاقات الدول الأخرى الخارجية!

الصحافة الغربية ركّزت عموماً على قدرة عُمان على لعب دور هام في القضية الفلسطينية، وعلى قدرتها على التوسّط بين الطرفين إنطلاقاً من دورها المشابه في حالات أخرى لا سيما الملف النووي الإيراني. في حقيقة الأمر، يتضمّن مثل هذا التقييم تضخيماً لقدرات سلطنة عُمان، فهي لا تمتلك سلطة التأثير على أي من الطرفين، وليس لديها أيضاً القدرات التي تخوّلها لعب دور فعّال في هذه القضية، وجل ما تستطيع فعله هو تأمين بيئة مناسبة للتواصل، أو نقل الرسائل، أو استضافة حوارات وهذه كلّها لا ترقى الى درجة تحريك عملية السلام، فضلاً عن أنّ الظروف الحالية غير مناسبة لأي من الأطراف المنخرطة في الموضوع.

علاوةً على ذلك، فإن وزير خارجية سلطنة عُمان كان قد اعترف في تصريحات لاحقة له بأنّ بلاده لا تلعب دور الوسيط بين إسرائيل والفلسطينيين، كما أنّ شن إسرائيل عدوانا على غزّة بعد حوالي ثلاثة أسابيع على الزيارة؛ يؤكّد أنّ موضوع السلام ليس وارداً في أي محادثات إسرائيلية. لا بل على العكس من ذلك، ربما تكون هذه الزيارة والزيارات المماثلة التي قام بها مسؤولون إسرائيليون الى بعض دول الخليج العربي خلال الشهر الحالي قد شجّعت الجانب الإسرائيلي على الاعتداء على الفلسطينيين، وهو الاحتمال الأرجح في التحليل.

باعتقادي، ترتبط الزيارة الإسرائيلية الرفيعة المستوى الى سلطنة عُمان بدوافع الأخيرة أكثر من ارتباطها بتل أبيب. فالزيارة جاءت في نهاية المطاف بناءً على دعوة من قبل السلطان قابوس نفسه، وهو الأمر الذي أكّده الجانب العُماني. آخذين بعين الاعتبار هذا الأمر، من الممكن تفسير هذه الزيارة استناداً إلى حسابات عُمانية. تنظر الدول العربية بشكل عام إلى إسرائيل باعتبارها بوابةً لعلاقات أفضل مع الولايات المتّحدة الأمريكية، وعادةً ما يتم اللجوء إليها عربيا لتعويض الشرعية الداخلية المفقود لدى بعض هذه الأنظمة، أو لضمان حصول انتقال في السلطة توريثاً أو انقلاباً، أو لإبعاد الضغوط الأمريكية عن البلد المعني.

تعرّضت عُمان مؤخراً لانتقادات داخل الولايات المتّحدة بسبب علاقاتها مع إيران، لا سيما بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي الذي لعب السلطنة دوراً في تسهيل التوصل إليه. كما شملت الانتقادات موقف عُمان من الأزمة الخليجية الأخيرة، واستخدمت بعض دول مجلس التعاون لوبيّاتها في واشنطن لزيادة التحريض على السلطنة. ولأنّه ليس باستطاعة الأخيرة استخدام نفس الأسلوب، لأسباب كثيرة أبرزها أنّها لا تمتلك نفس مستوى الثروة والمال والنفوذ للتأثير من خلاله على صنّاع القرار في واشنطن، فإن العلاقة مع إسرائيل قد تضمن تحقيق ذلك بأقل التكاليف بالنسبة لعُمان. 

واذا ما أخذنا هذه المعطيات بعين الاعتبار، معطوفة على حقيقة أنّ السلطان قابوس ربما يكون في وارد التحضير لانتقال السلطة لاحقاً في السلطنة بسبب وضعه الصحي وكبر سنّه، فإنه سيكون بحاجة في ذلك الوقت إلى ضمانات أمريكية لتحقيق انتقال سلس، لا سيما مع تزايد جهود الدول المجاورة للبحث عن موطئ قدم لها في أي عملية انتقال سياسي قادم في عُمان في المرحلة المقبلة، كالسعودية والإمارات وإيران كذلك. بهذا المعنى، يصبح من الممكن فهم أهداف دعوة نتنياهو إلى السلطنة بشكل واقعي.