كتاب عربي 21

نحن صعاليك عصرنا.. لم نيأس بعد

1300x600

عندما يجتمع عدد من نشطاء المجتمع المدني للتفكير في توجيه رسالة إلى الحكام العرب في قمتهم الاقتصادية التي يفترض أن تنعقد هذه الأيام في بيروت، رغم التفكير في تأجيلها، يكون السؤال: ما عساهم أن يقولوا للرؤساء والملوك في مثل هذه الظروف التي تجمع بين الإحباط من جهة، والرغبة في الثورة والتمرد من جهة أخرى؟

تحدث أحدهم باسم الجميع وبكل ثقة في الذات فقال: "نحن المواطنين في دولنا، لا عرق لنا أو إثنية، ولا طائفة ولا مذهب، ولا قبيلة أو عشيرة نستقوي بها على الدولة والوطن والناس.. نحن الذين تعلمنا أن نحترم كل الانتماءات الفرعية، وأن ندمجها في هوية إنسانية متناغمة". هذه هي هوية هؤلاء الذين جمعتهم الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية للنظر في حاضر الأمة ومستقبلها. وقد وصفهم أديب نعمة في هذه الكلمة الافتتاحية بـ"صعاليك عصرنا الذين نبشر بفجر الحرية والكرامة القادم.. وهو زمن قادم لا محالة، وربيعنا قادم حتما رغم كل ظلام الإرهاب والاستبداد وشبق السلطة والمال المحيط بنا.. إذ لا مكان لليأس بيننا، ولا مكان للسذاجة أيضا".

هل يمكن بهذا النفس الرافض للاستسلام والخضوع للأمر الواقع، وغير العابئ بكل الخسائر التي أحدثتها الثورات المضادة، أن يحصل حوار ما بين الحكام العرب وجزء من نخبتهم التي لا تزال واقفة وصامدة؛ ومطالبة بالحرية والكرامة والديمقراطية وحقوق الإنسان؟؟

هل يمكن أن ينزل الحكام من أبراجهم، ويتحرروا قليلا من الجدران التي يحيطون أنفسهم بها، ويتخلصوا من هيمنة المنافقين الذين يحيطون بهم وينفخون في صورهم، ويخصصوا قليلا من وقتهم للاستماع لهؤلاء الناصحين لهم، والراغبين في النهوض بشعوبهم بعيدا عن التطرف والعنف والتباغض والإقصاء؟

 

الأساليب القديمة لم تعد صالحة للمحافظة على السلطة، ومنهم من لا يزال يعتمد العصا الغليظة في علاقته بشعبه وبمثقفي بلاده. هناك من لا يتردد في إصدار الأوامر بالقتل واعتقال مخالفيه، حتى لو كانوا نساء


لا يريد بعض الحكام الاعتراف بأن الأساليب القديمة لم تعد صالحة للمحافظة على السلطة، ومنهم من لا يزال يعتمد العصا الغليظة في علاقته بشعبه وبمثقفي بلاده. هناك من لا يتردد في إصدار الأوامر بالقتل واعتقال مخالفيه، حتى لو كانوا نساء، وهو مستعد لاتخاذ قرارات مجنونة وغريبة من أجل قطع الطريق أمام أي احتمال، مهما كان ضعيفا، للضغط على حكمه أو تهديده في ملكه. ورغم ما يحدث في السودان، حيث صمد عمر البشير في السلطة ثلاثين عاما بالتمام والكمال، ويقف حاليا في قلب العاصفة، إلا أن الكثير من أصحاب النفوذ يصرون على الاعتقاد بأن الربيع العربي قد دفن نهائيا، وبدون رجعة!!


من أين يستمد هؤلاء كل هذه الثقة، في حين أن مختلف المؤشرات تدل على أن المنطقة العربية تتراجع في معظم المجالات والقطاعات. الفقر يزداد، والثروات الطائلة تُبذر وتُمنح للغرباء. قد يفرح بعضهم بالهزيمة التي لحقت بهذا النظام أو ذاك، لكنهم لا يدركون بأن الخسارة عامة، وأن إسرائيل المستفيد الرئيسي من حروب الاستنزاف المتواصلة حولها، وهي الآن تعمل مع الدول الكبرى الحليفة معها والداعمة لها من أجل فتح جبهات أخرى وحروب جديدة، وذلك بهدف إقامة نظام إقليمي جديد يكون خاليا من أي مخاطر يمكن أن تهددها في مستقبل الأيام. ومن المفارقات، أنه في ظل هذه الأوضاع الجديدة والمأساوية، ورغم التعسف الإسرائيلي المتواصل وإصرار الرئيس الأمريكي على تمرير خطته المسمومة، تتهيأ عواصم عربية عديدة للتسريع بنسق تطبيعها مع الكيان الصهيوني.

 

في العالم العربي يوجد قطاران متعارضان في اتجاههما: قطار يجري في اتجاه العودة إلى الاستبداد الأحمق، وفي المقابل، قطار في الاتجاه المعاكس يسعى أصحابه للدفع نحو التمسك بالحرية والعدالة والمساواة

في سنة 2018 أطلقت مجموعة من شبكات المجتمع المدني العربية مبادرة تأسيس منبرا حول التنمية المستدامة. ويهدف هذا المنتدى إلى تنظيم حوارات تتناول تحديات المنطقة، وتجتهد في تقديم اقتراحات وبدائل تقدمها مجانا لأصحاب القرار، مع العلم أن صيغة المنتديات الموازية التي تعقد إلى جانب اجتماعات رسمية عالية المستوى؛ أصبحت من التقاليد الراسخة التي تعتمدها المجتمعات المدنية في العالم، لكن لا يزال ينظر اليها بكثير من التوجس في البلاد العربية. ونظرا لأهمية هذا المنتدى، قامت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة بإنشاء هيئة استشارية، يكون من بين أعضائها ممثلون عن المجتمع المدني العربي وبناء شراكة استراتيجية ودائمة معه.

هكذا يتبين أن في العالم العربي يوجد قطاران متعارضان في اتجاههما: قطار يجري في اتجاه العودة إلى الاستبداد الأحمق، وفي المقابل، قطار في الاتجاه المعاكس يسعى أصحابه للدفع نحو التمسك بالحرية والعدالة والمساواة.. هذا يعني أن التاريخ لم ينته بعد.