ملفات وتقارير

مهاجر سوداني يروي تفاصيل من "جحيم" رحلة لجوئه لأوروبا

القائمون على مراكز احتجاز المهاجرين كانوا بمنتهى القسوة وفق وصف عثمان- جيتي

اختار الشاب السوداني عثمان (24 سنة) المنفى على البقاء في بلده، لأنه كان أحد ضحايا "التمييز العرقي ضد القبائل غير العربية" في شمال دارفور. بيد أن الرحلة لم تكن مفروشة بالورود فقد عانى من الجوع والعطش وقلة الحيلة حتى وصل إلى أرض "الأحلام".

في قرية مليط التي تبعد عن مدينة الفاشر (عاصمة دارفور) نحو 60 كيلومترا، عانى عثمان من مشاكل قبائلية لها جذورها التاريخية في المنطقة، إذ روى لـ"عربي21" قصته مع الإشكالات بين مجموعات أفريقية ومليشيات عربية تدعمها الحكومة السودانية (الجنجويد).

وقال عثمان إن "الجنجويد قطاع طرق يرصدون حركة الناس ويهاجمونهم ويسرقون أموالهم ومقتنياتهم ويضربونهم. في شهر آذار/مارس من العام 2015 ، داهمت هذه المليشيات القرية وأحرقت سوق المليط، حيث كنت أعمل ببيع العصائر. وتم اعتقال أخي نصر الدين. في موازاة ذلك كان الحي الذي نسكن فيه ساحة لمعارك بالرصاص بين قبيلتنا البرتي مع قبيلة الزيادية العربية، كان القتل جزءا من ممارسات لا يمكن تخيلها، بسبب هذه الظروف هربت من بلدي"، وفق قوله.

يضيف طالب العلوم الاقتصادية أن الرحلة لم تكن مفروشة بالورود، فقد "مشينا في الصحراء أربعة أيام متواصلة، ولم أكن أعرف شيئا هناك، إلى أن وصلنا الى الكفرة، وهي أول مدينة ليبية. مكثنا هناك نحو ثلاثة شهور أنا وصديقي صلاح الدين، حيث عملنا في مزرعة دواجن وحقول بطاطس ليلا نهارا، مقابل حصولنا على طعامنا وشرابنا وسقف يؤوينا".

ضرب واغتصابات

بعد ثلاثة شهور رحل عثمان إلى طرابلس، حيث كانت معاملة الشعب الليبي للمهاجرين بالجيدة وقال: "أخذونا إلى مدينة بني وليد وتركونا في مكان مُكتظ بالمهاجرين من أفريقيا وآسيا، لم يكن معنا نقود كافية. كان الليبيون يتعاملون معنا بشكل جيد فقط حين يعرفون أننا نتكلم العربية، لكن في أماكن تجمع المهاجرين كان القيّمون هناك عنصريين".

وأضاف: "لم يكونوا أصلا من سلالة البشر، بعضهم كان يغتصب النساء ويضربهن بشدة، خصوصا الحبشيات. كنا نسمع صراخهن وبكاءهن في الليالي، كانوا يعاملون الأفارقة كالإبل، كنا من دون أوراق مُعرّضين للاعتقال في أي لحظة، وقابلنا هناك مُهرّبين وعدونا بتأمين سفرنا إلى أوروبا. بقينا هناك نحو شهر نتعرض للضرب والذل والإهانات، قابلنا أشخاصا ليبيين أوصلونا إلى سودانيين آخرين، وعملنا معهم في الزيتون ومزارع الطماطم. في هذا الوقت اتصلت بالسودان وعرفت أن أخي خرج من السجن وهو في طريقه إلى ليبيا".

سجون إيطاليا

وبعد اتصالات مكثفة عثر عثمان على شقيقه والتقى عائلته المكونة من زوجة وأربعة أطفال، في مدينة صبراتة الأثرية الواقعة شمالا، "التقيت أخي ومكثنا معا أربعة شهور في مأوى مخصص للمهاجرين، حيث كنا لا نجد طعاما سوى المعكرونة. بعدها قادنا المهرّبون إلى الساحل عند الفجر، وبدأنا رحلة الإبحار التي دامت تسع ساعات تعطل في نهايتها القارب الصغير الذي كان يحتضن نحو 170 جسدا".

 

وعلى صعيد الأطفال قال عثمان: "كان الوضع بالغ الصعوبة. انتظرنا وسط البحر وصول سفينة لمنظمة الصليب الأحمر التي نقلتنا إلى مدينة تراباني، وبعد أربعة أيام توجهنا إلى مخيم في روما، يشبه السجن، كان الوضع سيئا جدا هناك والجو بارد. وكانت زوجة أخي تعاني من مرض الروماتيزم ولا تقدر على المشي وتحمّل البرد. هناك أجبرونا على تقديم اللجوء أو الطرد، فاخترنا الطرد لأن الجلوس في المعسكر لا يمكن احتماله، ويمكن أن نمكث هناك سنتين من دون أن ينظر إلينا أحد".

 

اقرأ أيضا: حشود أمام مقر الجيش بالسودان ومطالب بحكومة مدنية

بعد ذلك، بدأت العائلة رحلة أخرى من روما إلى ميلانو، حيث كانت مخيمات المهاجرين هناك تشبه مخيمات ليبيا بقساوة القيّمين عليها وظروفها السيئة، "لا يوجد نقود ولا اهتمام وبعد ميلانو انتقلنا إلى قرية فرنسية حدودية في الجبال، حيث بقينا نحو ثلاثة أشهر لدى امرأة محامية استقبلتنا في دارها الكبيرة، وكانت المرأة تشتري لنا حاجياتنا، ووصل عدد قاطني هذا المنزل إلى 300 شخص".

 

وكانت تستقبل أشخاصا بالتعاون مع متطوعين آخرين كانوا يساعدونها في دفع تكاليف الطعام والملابس وألعاب للأطفال وغيرها. لقد ظلت العلاقات الطيبة قائمة مع هذه المرأة بعد حصولنا على إقامة لمدة عشر سنوات في فرنسا، إذ لا تزال تزورنا وتجلب الهدايا للأطفال والعائلة".

يختم عثمان حديثه عن الأثر السلبي على الأطفال، الذين باتوا يرسمون الصحراء والبحر والمركب ومخيم اللاجئين، مستوحين كل ما علق في أذهانهم من تفاصيل هذه الرحلة الشاقة التي أوصلتهم أخيرا إلى بر الأمان، وباتوا يتمتعون بحق اللجوء.