كتاب عربي 21

ليبيا على أعتاب جولة ثانية من التفاوض

1300x600

الجولة الأولى من المفاوضات كانت مخيبة للآمال، ذلك أن الوضع لم ينضج بعد للبدء في حوار جاد ومثمر، ونفهم ذلك من تباعد المواقف ووجهات النظر بين أطراف الصراع، وهو ما يعني أن الوصول إلى تسوية عادلة متعذر، وقد يكون هذا من بين أهم أسباب استقالة غسان سلامة.

يضاف إلى العامل السابق الضغوط الكبيرة على المبعوث الأممي لتمرير أجندة تحقق لحفتر وحلفائه الإقليميين والدوليين ما عجزوا عن تحقيقه بالحرب، ولأن المقاربة مفضوحة والضغوط جمة، كان المخرج بالنسبة لسلامة هو الاستقالة.

أجندة تفاوض منحازة

من بين أهم بنود جدول الأعمال المقترح مناقشته وضع السلطة التنفيذية، حيث تتجه البعثة، مدعومة من قبل الأطراف الدولية، إلى إعادة تشكيل المجلس الرئاسي.

ويمكن القول إن الأطراف الدولية تجمع على أولوية هذا المطلب، ولدخول تركيا على خط الأزمة الليبية علاقة بهذا الإجماع، فلقد أدى توقيع الاتفاقية الأمنية والعسكرية ثم الشروع في تنفيذها إلى حالة من الهلع ليس فقط في أوساط الداعمين لحفتر، بل حتى من هم أقرب إلى حكومة الوفاق مثل إيطاليا.

وعليه فإنه يمكن القول إن المعركة السياسية في جنيف ستكون حول الرئاسي، وليس شيئا آخر، وبالنسبة للداعمين لحفتر فإن الغاية هي إلغاء الاتفاقية الأمنية والعسكرية وتطويع الحكومة في اتجاه ينافي سياساتها الراهنة، وإذا تعذر ذلك يكون الهدف إرباك الرئاسي بشكل يعطل سلطته ويفقده شرعيته.

 

يمكن القول إن المعركة السياسية في جنيف ستكون حول الرئاسي، وليس شيئا آخر


هذا الاتجاه يلائم جبهة طبرق وليس أمامها إلا الانتظار، أما جبهة طرابلس، فيبدو أنها ليست مستعدة لخوض التفاوض على أرضية صلبة، وذلك لغياب الرؤية الواحدة التي تجمع كافة المكونات الرسمية وغير الرسمية، ومهما قيل عن تنسيق وقع بين الرئاسي وبرلمان طرابلس والمجلس الأعلى للدولة، فإن الارتباك الذي ظهر في شكل مشاركة جبهة طرابلس في مفاوضات جنيف هو مؤشر على عدم نضج مقاربة سياسية واحدة، كما يؤكد ذلك غياب اللغة المشتركة، والذي تكشف عنه التصريحات المتضاربة بين الساسة المبرزين في البرلمان والمجلس الأعلى والحكومة.

موقف دولي غير متوازن

هناك أيضا انحياز كافة الأطراف الدولية لحفتر سواء كان ذلك عبر الدعم المباشر أو ما أسميه الانحياز السلبي، ولا يقف في صف جبهة طرابلس ويتفهم موقف مفاوضها في هذه المرحلة الحرجة ويدعمه إلا أنقرة.

كان التعويل على واشنطن كبيرا في أن تُقَارِب الأزمة الليبية بدرجة من التوازن وتسهم في فرض تسوية عادلة نسبيا، خاصة بعد التدخل الروسي الأخير، إلا إن المقاربة الأمريكية، حتى اليوم، لا تتسم بالاتزان، وتنظر لحفتر كطرف أساسي ينبغي الاستجابة لكثير من مطالبه، وليس إقصاءه كما هو مطلب جبهة الوفاق، وذلك قبيل الشروع في الحوار.

 

خروقات حفتر وتعنته قبل وبعد برلين وتحديه لقرار مجلس الأمن هو ورقة مهمة للمحاججة، ومقاومة الأجندة المنحازة، والتعليق المؤقت للمشاركة في التفاوض، ووسيلة ناجعة، إلا أن المطلوب هو خوض التفاوض بصلابة سياسية يدعمها وضع عسكري متقدم.


السفير الأمريكي في مبادرته الأخيرة لدعم المسار السياسي بعد مؤتمر برلين وقبيل الجولة الأولى من المفاوضات في جنيف حاول الضغط على حكومة الوفاق لتمرير بعض مطالب حفتر ومن بينها إدراج العجز البالغ نحو 55 مليار دينار ليبي في ميزانية الحكومة المؤقتة والذي ذهب معظمه لتغطية نفقات حروب حفتر ضمن الدين العام المحلي للدولة، وهو ما تم رفضه. كما تشارك واشنطن الأطراف الأخرى في ضرورة أن يكون لحفتر منصبه في الحكومة الجديدة، في شكل وزير للدفاع أو قائد للجيش، والذي إن رضيت به جبهة الوفاق فلن يرضي غرور حفتر الذي يرى نفسه قريبا من الإمساك بمقاليد الحكم لو استمر تدفق الدعم العسكري له.

خيارات جبهة الوفاق

ليس لهذا الوضع المعقد من حل إلا كسر حالة الجمود بالاحتكام إلى القوة، فالتوازن القائم اليوم، والوضع الميداني الجامد ليس في صالح الطرفين، ولم يتأت لأي منهما تغييره خلال الأشهر العشر الماضية، وهناك ترقب واستعداد لتحقيق اختراق يغير ميزان القوة وخارطة المواجهات من قبل أحد الطرفين، أو ضغوط تقع على أحدهما أو كليهما من قبل الأطراف الداعمة لهما تدفعهما لتقديم تنازلات تضعهما في دائرة المصالح المشتركة، وهو ما يبدو متعذرا.

ليس أمام جبهة الوفاق إلا أن تصبح جبهة موحدة ومتماسكة، وأن يكون أحد عوامل تماسكها تبني رؤية شاملة للمسارات التفاوضية الثلاثة التي تطرحها البعثة، تقوم على رفض فتح الملف السياسي قبل معالجة الوضع الأمني والعسكري وإبعاد قوات حفتر إلى الحد الذي تراه جبهة الوفاق آمنا، ثم تحديد كيفية التعاطي مع إعادة تشكيل المجلس الرئاسي أو الحكومة يما يحافظ على قوة الموقف ويمنع سلب جبهة الوفاق سلاحها المهم وهو الاتفاق الأمني والعسكري.

خروقات حفتر وتعنته قبل وبعد برلين وتحديه لقرار مجلس الأمن هو ورقة مهمة للمحاججة، ومقاومة الأجندة المنحازة، والتعليق المؤقت للمشاركة في التفاوض، ووسيلة ناجعة، إلا أن المطلوب هو خوض التفاوض بصلابة سياسية يدعمها وضع عسكري متقدم.