كتاب عربي 21

شرحُ النظرية النسبيّة لخالتي فتحيّة

1300x600
سمعت خالتي اسم النظرية النسبية في مسلسل تلفزيوني.. والنظرية للعالم أينشتاين، الذي جعله الغرب أهم عقل في العالم وعدّوه أيقونة، ليس في الكنائس وإنما في رسوم الأطفال ورموز العلم والاختراعات والابتكار، وهي أهم من الكنائس المسكينة هذه الأيام.. وسألتني أن أشرحها لها، وكانت قد سمعتها في مثال الرجل الذي يذهب إلى الفضاء ثم يعود ليجد أن أحفاده قد شاخوا وهو لا يزال شاباً يافعاً، ومثال الجالس في القطار، فهو ثابت بالنسبة لجاره ومتحرك بالنسبة للشارع.

وليست النظرية النسبية هي مصدر قولنا: إنها مسألة نسبية، فهي من آثار الترجمة في الأفلام والقصص، فكل شيء في الغرب نسبي، لأن مركز الحداثة هو الإنسان المتقلب وليس الإله الذي "مات" في العقيدة الغربية. والنسبية سمعتها في مسلسل مصري غير كوميدي، يقول فيه الأعشى لأمرئ القيس:

لقد أسلمتْ سُلَيم!

فيقول أمرؤ القيس: إنها مسألة نسبيّة يا أبا بصير.

وكانت النسبة ضميراً ونسباً وصهراً، ثم أمسى القوم يُنسبون إلى أشياء وأرقام وكتب وأعلام وأهواء، ساء ما يحكمون. وأنا من الذين يفكرون في كنه الزمن ومقاديره وأقداره، فقلت لها يا خالتي، ويا أخت أمي رحمها الله: هل سمعت قول الله تعالى "وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ"؟ فقالت: سمعت، لكن أين النسبية، وأين الجد الذي سافر وعاد شابا ووجد أحفاده شيوخا في الآية؟

ثم وجدت مثال الإسراء والمعراج، فقد أسرى ربنا بالنبي عليه الصلاة والسلام إلى المسجد الأقصى، وهي مسيرة شهر غدواً، ثم عرج به إلى السماوات العلى، وهي مسيرة ملايين السنين، ولم أذكر لها صفة الضوئية للسنين حتى لا تضيع خالتي فتحية في فلوات المعاني والأرقام والمفاوز. فقالت: أين الأحفاد والأجداد؟ فقلت عاد عليه الصلاة السلام ووجد أهل مكة وهم في العمر نفسه، لكنها لم تقتنع. لعلّها تظنُّ أن الإسراء والمعراج رؤيا.

كنت أسابق الزمن وأكاد أركب مركبة فضائية وأنا أحاول تقريب الفكرة لخالتي، وتذكرت وأنا أشرح لخالتي النظرية، ابني طفلا عندما قدّمت أول حبة دواء له، فلم يسغها، فحاولنا جهدنا أنا وأمه وجدته وخالاته فلم نفلح في جعله يبلعها بلعاً، فاضطررنا إلى تقشير الحبة من قشرتها، كثمرة الكستناء، وتذويبها في الماء. يجب أن أقشّر النظرية لخالتي وأذوبها لها في الماء.

صفة النسبية شاعت في الترجمة والمقالات والحياة والحوارات، فيقول القائل: إنه أمر تافه بالنسبة إلى كذا، وهو من كلام الأعاجم، لغة وديناً، وقد جعل الغرب كل الأمور نسبية، حتى رأينا على علبة لحم محفوظ هذه العبارة: خنزير مذبوح على الطريقة الإسلامية، ويشبه في لغة الفقه قولهم: تغيّر الأحكام بتغير الزمان والمكان والحال. لقد خسرت أهم أمثلتي التي ذهبت هدراً.

خطر لي مثال شريف شحادة، والجزيرة تبث الاتجاه المعاكس، وكان "ش ش" يفور بالصحة والسعادة في سنوات الثورة الأولى، ثم رأيناه وقد شفَّ وزاغ بصره من عشق الأسد. والعشاق يسهرون كثيراً وهم يشتاقون إلى الحبيب، ومثّلتُ لشريف شحادة على صفحتي بمنظر شيء في العدسة المقعرة في حال الصحة وفي العدسة المحدبة في حال السقم. وشاعت عنه تعليقات كثيرة طريفة إحداها: صورته الأولى مكتوب عليها: باع نقداً، والثانية: باع بالدين، وفضلت لو استطعت أن أكتب على صورته:

في سنة الثورة الأولى: "خلصت".

وفي سنة الثورة التاسعة: "خلص".

"خلصت" أمنيةٌ لدى أتباع النظام أملاً في عودة الحال إلى ما كان قبل الثورة.. كان إعلاميا هزليّاً ثم صار هزيلاً، ظهر وعيناه شاخصتان وكأنه ينظر إلى ملك الموت. أنهى شريف شحادة حلقة الاتجاه المعاكس وهو في الرمق الأخير!

يقول لي الميكي ماوس الذي يلعب في عبّي: إنَّ فيصل القاسم تجنب دعوته إلى قطر خوفاً من كورونا الإيرانية، فإيران توزع كورونا مجاناً على الشيعة والسنّة. وأظن أن إيران ستسبق الصين في سباق كورونا، مع أن الإيرانيين لا يأكلون الخفافيش ولا الثعابين، بل إن طعام الشيعة مادةً وليس معنى؛ أنزه من طعام أهل السنة، فهم يحرّمون نوعاً من السمك لأنه مفلّس، وهو حلال عند السنّة، ويحرّمون الأرانب، وهي حلال عند السنّة، لكنهم يسبّون الصحابة وأمهات المؤمنين، ويقتلون المسلمين في دول أربع. ويتقربون بالضحايا زلفى إلى إمامهم المعصوم الذي يُخشى عليه من كورونا.

ما زلت أفكر في مثال أقنع به خالتي فتحية وقد كبر سنّها، وكثرت عليها الأمراض، فهي تصلي جالسة على كرسي، وتحنُّ إلى السجود حنين الناقة، وترسل لي رسائل صوتية وأحياناً إيموجي وحيد، إيموجي القبلة، فأتعجب منها كيف تكتب باللغة "المسمارية".. خالتي فتحية رأت أموراً في ألمانيا لم تعهدها في بلدها وقريتها ولم تكن تحلم برؤيتها، ولم تكن قد غادرت قريتها، ثم قدّر الله لها فجابت القارة الآسيوية والأوروبية، فهي كل شهر في بلد أوروبي، تزور أحد أبنائها. هي فهمت النظرية النسبية المكانية، لكنها لا تفهم النسبية الزمانية. وتقول: أين الجد وأين الأحفاد؟

تذكّرت لها مثالاً لصديق كان يشرح النظرية النسبية لجاره الأصلع فقال: أترى كيف نشمئزُّ من الشعرة في الطعام ونسرُّ بها على رأسك؟ هذه هي النظرية النسبية، فغضب الأصلع غضباً شديداً، ومضى.

صُورتْ أفلام كثيرة عن عبور الزمن. وأول من كتب عن عبور الزمن من الأعاجم هو "جول فيرن"، أما العرب، فعبور الزمن عندهم قصة معروفة في القصص الديني، وذكرنا الإسراء والمعراج، ونجد كثيراً من الأمثلة في قصص التابعين والزهّاد، وكتاب الروح.

ثم تذكرت لخالتي فتحية مثالاً طيباً هو مثال العبد الصالح عزير، الذي مرّ على قرية خاوية على عروشها، فقال: أنّى يحيي الله هذه القرية بعد موتها، فأماته الله مئة عام. ثم أحياه، فسأله الملك: كم لبثت؟ قال: لبثت يوماً أو بعض يوم، قال له الملك: بل لبثت مئة عام، وانظر إلى طعامك وشرابك فإنه لم يتغيّر، إن كنت لا تصدق ذلك، انظر إلى حمارك، فوجده ميتاً وقد بليت عظامه، ثم نادى الملك رميم العظام، فأجابت وأقبلت من كل ناحية، ثم نفخ فيه الروح، فقام الحمار ينهق، فلما رأى عزير قال: إن الله على كل شيء قدير.

وانطلق عزير عائداً إلى القرية على حماره، وكانت قد تغيرت، وأخذ يبحث عن بيته حتى وجده بعد جهد. فطرقه وهو يترقب أن يرى ابنه الذي تركه منذ مئة عام، وكان يبلغ من العمر عشرين سنة.

أعاد الطرق مرة أخرى وإذا بعجوز يبلغ عمرها 120 سنة، عميَّ بصرها، تفتح الباب وتقول: من بالباب؟ فقال لها عزير: أهذا منزل عزير؟ قالت: نعم، وبكت، وقالت: ما رأيت أحداً من سنوات طويلة يذكر عزيراً، فإن عزيراً قد فقدناه منذ مئة سنة، فقال: أماتني مئة سنة، ثم بعثني! قالت: فإن عزيراً كان رجلاً مجاب الدعوة، يدعو للمريض ولصاحب البلاء بالعافية والشفاء، فادع الله أن يردّ عليّ بصري. فدعا ربه، ومسح بيده على عينيها ففتحتهما، وأخذ بيدها وقال: قومي بإذن الله، فقامت صحيحة. فنظرت إليه، فقالت: أشهد أنك عزير، وانطلقت معه إلى المجلس الذي يجتمع فيه أهل القرية، فوجد ابنه وقد صار أكبر منه سناً.

توقفت عن شرح النظرية عندما رأينا شريف شحادة يرفع صورة بشار الأسد في وجوهنا، مثل حكم كرة قدم يرفع البطاقة الحمراء في وجه جميع اللاعبين. والحلقة انتهت، وكانت صورة الأسد تعود إلى عشرين سنة، وهي صورة مقصودة ومختارة، ثم دخلت علينا جارتنا السورية ومعها ابنها، فتذكرت فيلم "الحالة المحيرة لبنجامين بوتين"، وهي قصة لطفل يولد شيخاً ثم يصغر في العمر حتى يعود رضيعاً، وأصل القصة نجدها في قصة المسيح الذي تكلم في المهد صبياً، معكوسةً.

لاحظت أنَّ الطفل السوري الذي جاء مع أمه أشيب الشعر، مثل بنجامين بوتين، لقد لاقى الأهوال فابيَّض شعره من الخوف، فقلت لها: خالتي انظري إلى الطفل الأشيب وإلى صورة بشار الأسد، وهي صورة تعود إلى عشرين سنة، الأسد عاد إلى صباه، أما هذا الطفل فصار شيخاً، فهزت رأسها موافقة، وقالت مثال العزير مثال لا يدحض على النظرية النسبية.

أينشتاين لم يكن لصا، فهو من قوم موسى ويعرف القصة من التوراة، لكنه لم يُشر إليها.

منه لله.