قضايا وآراء

نحن أيضا.. لكن النظام مسؤول!

1300x600
ليس جلدا للذات بقدر ما هو وضع للأمور في نصابها.. المقاطع المصورة للبيوت التي غمرتها الأمطار والأسقف التي تخللتها مياه الأمطار فتساقط على أمتعة الناس، هي من صنع الناس أو بالأحرى المقاولين الذين بنوا هذه البيوت، لا الحكومة، وإن كانت الحكومة مسؤولة في النهاية، لأنها هي من تعطي رخص البناء وتعتمد شهادات صلاحية الأبنية، وفي ذلك فساد كبير.

في كل مرة تمطر السماء بشدة نخسر عزيز، ففي تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، عندما غمرت الأمطار التي ضربت القاهرة وأجزاء أخرى من البلاد الطرق الرئيسية، خسرت ثماني عائلات أعزاء لهم بينهم أربعة أطفال. ومنذ أيام وبحسب مسؤولين، وبسبب الأمطار التي تسببت في ما يشبه الفيضان، فقدت خمس عائلات خمسة من أحبابها بينهم طفل. هذه الأعداد على قدر ضآلة حجمها، إلا أنها عظيمة عند من يقدرون الإنسان.

في لقاء لمن وُصف بأن "له ما له وعليه ما عليه" (وأقصد هنا مبارك)، بعد غرق عبارة السلام 95، وفي لقاء مع أحد المواطنين، ضمن لقاءات كانت تصور من أجل رفع شعبية الرئيس، يصف المواطن ما يتكبد من معاناة في المواصلات، فيقول: وأركب عبارة أهلية للعبور للبر الثاني من قريتنا حتى أستطيع ركوب مواصلة إلى عملي، فيقاطعه مبارك: "عبّارة من اللي بيغرقوا دي"، مستهزئا بأرواح من ماتوا وغير مكترث بجراح ذويهم.

هي تلك الحكومات والأنظمة التي لا تعبأ بحياة البشر. في العسكرية يقولون إن خسائر خمسة في المئة هي خسائر مقبولة! لكن هذه الخسائر في أعداد الشعوب تعني الملايين من البشر. ولأن العقلية العسكرية تتعامل مع الشعوب كرقم، فإن أروح المواطنين لا تعني الكثير لها. فخمسة في تشرين الأول/ أكتوبر وخمسة في آذار/ مارس ومثلهم في حزيران/ يونيو.. الخ، لا تفرق كثيرا في مئة مليون نسمة. ويخرج أحدهم ليقول إن حوادث الطرق في مصر تودي بحياة ما يقارب التسعة آلاف سنوياً، مستهينا بمن مات صعقا وغرقا في الأيام السابقة. لكن حتى هذه الاستهانة تحاسب عليها الأنظمة، فأغلب الحوادث على الطرق هي نتيجة عدم تطابق هذه الطرق مع معايير السلامة.

في الإعصار الأخير الذي ضرب مصر، (وأنا لا أريد تسميته بهذا الاسم، ذلك لأن قوته والأمطار التي سقطت لا تتناسب مع التسمية، لكنها الدعاية الشاذة للنظام وإعلامه لتبرير الفشل) صعق فني كهرباء أثناء محاولته إصلاح عمود إضاءة انقطع بسبب الأمطار، وفي المنوفية قتل رجل صعقا أيضا، عندما كان يمر بجوار عمود إنارة، وفي سوهاج توفي شاب كن يمر تحت بناء فسقط عليه جدار دمرته الرياح. ولم يسلم الحجر من إهمال النظام، لكن الحجر هنا ليس عاديا، إنها حضارة البلاد وتاريخها، فآثارنا في المتاحف وحضارة أجدادنا أصابها ما أصاب أحفادهم.

في كل العالم توضع الخطط لمجابهة الكوارث، وتنشأ غرف عمليات "حقيقية" لإدارة الأزمات، تكون لديها رؤية حقيقية وخطط معدة مسبقا لكل الاحتمالات. ويدرس علم في العالم أجمع، وفي مصر أيضا: اسمه "إدارة الأزمات"، لكن العاملين على إدارة الأزمات في مصر في الغالب يقلبون "الرزقات"، على رأي أخونا في الشام، فهم ينتظرون البدلات وآخر همهم إدارة الأزمات. هل الحل في تعليق خدمة القطارات في جميع أنحاء البلاد، بعد أن اصطدم قطاران وخلفا 13 مصابا؟ أم الحل في إغلاق المدارس وتعليق العمل في الشركات والمكاتب الحكومية؟ هل الحل في قطع المياه عن عموم الجمهورية لأن البنية التحتية وأنظمة الصرف الصحي متداعية ولا تتحمل المطر وصرفه؟ نعم هو جزء من الحل، لكنه ليس الحل، لأن الحل برأيي هو إيجاد بدائل ومحاسبة المقصر.

لم يعد هناك مبرر للنظام بأنه يتحمل إرث ثلاثين عاما من الفساد، تلك الثلاثين التي كرمتها وأخرجت لصاحبها جنازة عسكرية.. تلك الثلاثين تركت لك دينا محليا بـ54 مليار دولار ودينا خارجيا بـ34.9 مليار دولار، لكن أصبح الدين المحلي في عهد النظام الحالي وحتى 2018 فقط 101.1 مليار دولار، والدين الخارجي 46 مليار دولار، رغم تدفق مليارات الدولارات من المساعدات خصوصا من السعودية والإمارات.

قد نكون نحن على خطأ، وقد نكون مقصرين، وقد نكون متساهلين، لكن الخطأ الأكبر هو في السكوت على ذلك الفساد الذي دفعنا لهذا الخطأ. ذلك الفساد الذي سهّل لنا طريق الخطأ ولم يأخذ على أيدينا، لذا فقد آن الأوان أن نصحح خطأنا ونبدأ بأنفسنا، ونثور ثورة تصحيحية تقوّم سلوكنا لكي نسقط الفساد.