كتاب عربي 21

نموذجا ليبيا واليمن وإمكانية استنساخ النجاح

1300x600
لا شيء يؤرق قطبا التحالف العسكري الفاشل في اليمن، السعودية والإمارات، أكثر من النجاحات التي يحققها نموذج آخر لمقاربة الأزمات الإقليمية، كالذي تجسده تركيا في ليبيا عبر دعمها اللوجيستي الفعال لحكومة الوفاق بزعامة فائز السراج، وبمباركة سياسية ودعم أخوي مخلص من دولة قطر.

فالسعودية والإمارات ومصر، مسنودة بدعم معلن من فرنسا وروسيا واليونان وقبرص اليونانية، انتهجت في مقاربتها للملف الليبي الطريقة نفسها المتبعة في اليمن، وهي المضي في مصادرة القرار الوطني والتحكم بالموارد السيادية، والعبث اللامتناهي بالهوية الوطنية، وممارسة الانتقام السياسي، والقتل على الهوية، وتصفية الحسابات الأيديولوجية مع الفرقاء السياسيين وتصنيفهم في خانة الإرهاب.

لكن ثمة ما يختلف في ليبيا، حيث تدعم هذه الدول بوقاحة لا حدود لها طرفاً انقلابياً وتنصبه وصياً على الدولة ومعنياً بمصارعة طواحين الإرهاب، في وقت تكفلت فيه بتزويد معركة الدكتاتور الظالمة، بكتائب من الجهاديين السلفيين المدخليين، بمرجعية سياسية واستخبارية سعودية صريحة وتمويل إماراتي، وهي تجربة تتشاركها الدولتان في اليمن أيضاً، حيث عُهدت لهذه الفئة من المتطرفين إدارةَ المعركة وتأمين وقودها، والمضي في مخطط استنزاف اليمن في حرب أهلية بلا أفق سياسي ولا مشروع وطني جامع.

لم تتردد هذه الدول في دعم طموح الانقلابي حفتر الذي رغب في الإطاحة برئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، رغم ما يمثله ما بات يعرف بـ"برلمان طبرق" من أهمية، لكونه أحد مؤسسات اتفاق الصخيرات، حينما أوعزت للانقلابي خليفة حفتر بالإطاحة بالبرلمان وتنصيب نفسه دكتاتوراً لليبيا، في الوقت الذي كان يتعثر فيه عسكرياً في محيط طرابلس، وما لبث أن تسارعت هزائمه المتتالية التي أنهت نفوذه من الغرب الليبي تقريباً.

اليوم تحاول مصر أن تتلافى الكارثة السياسية عبر إعادة ترميم العلاقة بين القائدين الليبيين الفاشلين، خليفة حفتر وعقيله صالح، وسط خطاب إعلامي موتور ومحرض على الشرعية في ليبيا، ويحاول أن يظهر ما يجري في ليبيا على أنه تدخل عسكري تركي يهدف إلى محاصرة مصر، على نحو ما طرحه خليفة حفتر في مؤتمره الصحفي المشترك مع السيسي وعقيلة صالح أمس السبت في القاهرة.

كل شيء في ليبيا يشير إلى أن الحكومة الليبية توشك على فرض سيادتها على التراب الليبي، خصوصاً أن المدن التي يسيطر عليها حفتر في شرق البلاد، تعيش ظروف المدن المحتلة تماماً، وسط استعداد أهلها للخروج على هذه الطغمة الانقلابية، متكئة على إرث نضالي وثوري ممتد من بداية القرن العشرين وحتى ثورة السابع عشر من فبراير التي مثلت بنيغازي عاصمتها العتيدة.

صدى الانتصار الليبي ينبغي أن يحفز الرياض على وجه الخصوص على إجراء مراجعة حقيقية لدورها المتعثر في اليمن، إذ إن الاستمرار في السيطرة على رأس السلطة الشرعية ومصادرة قراراها، وقَلَمَها في تكريس مخطط إضعاف اليمن وتمزيقه لم يعد محتملاً ولا مسوغاً حتى من أكثر الأطراف خنوعاً في هذه الشرعية.

لقد حلت الهزيمة السياسية والعسكرية والأخلاقية بالتحالف السعودي الإماراتي في اليمن، وهي حقيقة تحاول هاتان الدولتان إخفاءها رغم وضوحها البيّن.

فالدور العسكري الإماراتي في اليمن بات عدائياً، واتجه نحو مقاتلة السلطة الشرعية ودعم الجماعات الانفصالية المسلحة في جنوب البلاد، وإسناد المشروع السياسي للقوى السياسية والعسكرية المندحرة من تحالف انقلاب صنعاء، والتورط في دعم الإسناد العسكري للحوثيين الموالين لإيران، وهو تحوّل يشير إلى تخبط وعدوانية وفشل، حتى في إمكانية الاستفادة من التشكيلات المتمردة التي تفتقد السيطرة يوماً إثر يوم.

وفي حين يجري كل ذلك تحت انظار السعودية، تمضي هذه الأخيرة دون اكتراث في مهمة موازية ولا تقل عدائية تجاه اليمن ودولته، حيث تمضي في تصغير السلطة الشرعية وتحويلها إلى غطاء منكسر لمؤتمرات الاستجابة الإنسانية؛ التي تحولت بدورها إلى أكبر عملية غسل لجرائم الحرب التي يرتكبها التحالف السعودي الإماراتي والمجلس الانتقالي في الجنوب، ومليشيا الحوثي الانقلابية في شمال البلاد.

إن مآلات الأمور في اليمن بناء على هذه النتائج الكارثية، ستسهم حتماً في بلورة موقف سياسي وطني وشيك؛ من شأنه أن يتجه نحو تبني خيار المواجهة الشاملة مع الأطراف المعادية لليمن، وفي مقدمتها التحالف السعودي الإماراتي، والمليشيات المسلحة المناطقية والفئوية والطائفية التي دُعِمَتْ ولا تزال تُدْعَمُ من هاتين الدولتين.

وهذا يقتضي إعادة بناء شرعية وطنية جديدة تنفتح على خيارات جديدة للدعم الإقليمي والدولي، عوضاً عن هذه الشرعية التي ساهمت في انحراف التدخل السعودي الإماراتي الحصري نحو الهيمنة والإذلال والعدوان الصريح على الدولة والسيادة والتراب الوطني.

twitter.com/yaseentamimi68