ملفات وتقارير

تلغراف: لبنان بات على حافة المجاعة

امتدت الطوابير أمام المخابز وسط انتشار أخبار أنها ستتوقف عن التوزيع للمتاجر والمحلات في ظل انهيار العملة- جيتي

سلطت صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية الضوء على الوضع في لبنان، في ظل انهيار الليرة ومخاوف موجة جديدة من كورونا.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الناس في لبنان سيموتون في أشهر، في وقت يتجه فيه البلد نحو المجاعة وسط تزايد وباء كورونا.

وتقول الصحيفة إن محمد، أستاذ الاقتصاد السوري الذي تحول إلى لاجئ، لم يبد أي استغراب عندما قرأ خبر تعويم العملة اللبنانية على هاتفه، وقال: "عظيم أصبحت قيمة راتبي 60 دولارا". فقد هبط سعر الليرة اللبنانية في الأسابيع القليلة الماضية بنسبة 40%، فيما يراقب ملايين اللبنانيين توفيرهم ورواتبهم تختفي، وسط زيادة التضخم وارتفاع الأسعار بنسبة 200%.

ووقف محمد في سوق مخيم شاتيلا يحاول حسبة ما يمكن أن يوفره لعائلته وزوجته وأولاده من طعام. وفي النهاية قرر شراء البطاطا، ثلاث حبات تقطع مع نصف حبة فلفل وخيار على الجانب، وهو ما يكون طعاما لأربعة أشخاص. ويقول: "قبل أزمة الدولار كان راتبي كمساعد محاسب غير متفرغ يغطي ما بين 15- 20 يوما، ولكنه اليوم لا يكفي إلا لخمسة أيام، وأعتقد أنهم سيطلبون منا ترك أعمالنا في نهاية تموز/ يوليو، ولم يعد لدى عائلتي ما يكفيها للبقاء ونقترض من السوق لنعيش بقية الشهر".

ويعاني لبنان من أسوأ كارثة اقتصادية يواجهها في تاريخه، حيث فقدت العملة اللبنانية نسبة 80% من قيمتها منذ تشرين الأول/أ كتوبر عندما اندلعت التظاهرات ضد الفساد. ورغم مرور عقد من الزمان على ثبات قيمة الليرة أمام الدولار، أي 1.500 ليرة للدولار إلا أن الناس يستخدمون قيمة الليرة للدولار في السوق السوداء كمرجع لتقييم العملة.

وبحسب تقرير من الأمم المتحدة نشر نهاية نيسان/ أبريل، فنسبة سكان لبنان الذين يعانون من مشاكل لتوفير المواد الأساسية في ظل زيادة أسعار الطعام منذ تشرين الأول/ أكتوبر تصل إلى 56%. وأشارت تقارير أولية للفترة ما بين منتصف آذار/ مارس وأيار/ مايو إلى أن الأسعار ارتفعت بنسبة 50%.

ومع انتشار وباء فيروس كورونا، فقد زادت معدلات البطالة وهبطت معها قيمة الراتب، وسط زيادة في أسعار المواد الغذائية.

ويستضيف لبنان 1.5 مليون لاجئ، وهي أعلى نسبة في العالم بالنسبة لعدد السكان. ولم يعد اللاجئون والناس المحتاجون هم الخائفون على توفير الطعام لأبنائهم، بل لبنان كله، في ظل استمرار خروج اقتصاد البلاد عن السيطرة.

يقول مارتن كويلتزر المحاضر في الأمن الغذائي بالجامعة الأمريكية ببيروت: "من الدعم الذي يقدمه برنامج الغذاء العالمي كان اللاجئون في الماضي يستطيعون الحصول على نوع من الطعام"، و"كان باستطاعتهم تناول بعض العدس واللبنة، ومن النادر الخضروات والفواكه واللحوم التي تظل بعيدة المنال، وما يقلقهم الآن هو أن غالبية اللبنانيين أصبحوا معهم على نفس الخط".

هل يسير لبنان نحو المجاعة التي حصلت في الفترة ما بين 1915- 1918؟ أجاب كويلتزر بنعم، وأضاف: "بنهاية العام سنرى أن نسبة 75% من السكان باتوا يعتمدون على المساعدات والسؤال إن كان هناك طعام بقي لتوزيعه".

وتابع: "بالتأكيد سنرى في الأشهر الباقية سيناريو خطيرا يجوع فيه الناس ويموتون من الجوع وآثار المجاعة".

ومع زيادة المخاوف من المجاعة، هناك مخاوف من موجة ثانية من فيروس كورونا، حيث سيموت الأشخاص من أصحاب المناعة الضعيفة نتيجة للفيروس كما يشرح كويلتزر. ويعتبر محمد من أكثر اللاجئين السوريين حظا؛ لأنه لا يزال على رأس عمله. فبحسب دراسة مسحية أجراها برنامج الغذاء العالمي فقد خسر كل 3 من 4 سوريين أعمالهم أو لا دخل لديهم.

وقال مدير برنامج الغذاء العالمي للبنان عبد الله الوردات، إن البرنامج يقدر أن نسبة 83% من اللاجئين السوريين يعيشون على 2.90 دولارا في اليوم، وهو الحد الأدنى المطلوب للبقاء، ويفصل بينهم درجة واحدة من مستوى الفقر المدقع.

وبعد دفع أجرة البيت، لا يتبقى لدى محمد سوى 66 دولارا للإنفاق على عائلته، وكان الحليب للأطفال قبل أزمة الدولار يكلف 18 دولارا. واليوم يختار الحليب من الفئة المتدنية، وأرخص نوع متوفر سعره 33 دولارا. ويبلغ سعر كيس السكر 8 دولارات وعشر دولارات لكيس الأرز. والمواد الأساسية التي كان يشتريها بـ66 دولارا كانت تغطي عشرة أيام، أما اليوم فلا تغطي سوى يومين.

ومثل الانهيار الاقتصادي ينحدر لبنان ومنذ عقود نحو اللاأمن الغذائي. وهو يعاني من بنية تحتية متداعية وغياب في استثمارات الدولة، وسوء إدارة سياسية، بشكل لم يعد فيه قطاع الزراعة يساهم سوى بنسبة 3% من الناتج القومي العام، رغم أنه يوفر فرص عمل لربع القوة العاملة.

ومثل القطاعات الأخرى في لبنان تعاني الزراعة من الفساد والتجار الأقوياء الذي يستغلون المزارعين والمستهلكين. ومع فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية بات لبنان يسير نحو انهيار اقتصادي في كل جزء من أجزائه. والنتيجة هي أن لبنان بات يستورد 80% من طعامه تاركا إياه عرضة للأسعار المتقلبة وانهيار عملته الآن. 

وما زاد من سوء الأوضاع هو أن الاستيراد يحتاج للعملة الصعبة، فيما يدفع المستهلكون في داخل لبنان بالليرة لشرائها. وبحسب برنامج الغذاء العالمي هناك عمادان للأمن الغذائي؛ الأول هو توفر طعام كاف لكل البلاد، والثاني توفر القدرة الشرائية للسكان.

ويواجه لبنان معاناة مزدوجة ضربت العمادين معا. فقد تراجعت الواردات بنسبة 50% العام الماضي كمل يقول هاني بوشالي من نقابة مستوردي الأغذية والمواد الاستهلاكية والمشروبات. وستتزايد مشاكل المستوردين بعدما أجبروا على شراء 80% من العملة الصعبة من السوق السوداء. وبحسب كويلتزر يحتاج لبنان إلى 500 مليون دولار في العام لاستيراد الطعام، خاصة أن نسبة 13% من أراضيه صالحة للزراعة. و"هناك حاجة لتدخل خارجي في أزمة الطعام، ومن السهل إنقاذ هذا البلد وعدم السماح بانهياره، بعدما قدم خدمة لأوروبا باستقباله اللاجئين".

وبكل المعايير أصبحت الطبقة المتوسطة في هذا البلد الصغير فقيرة، والفقراء زاد بؤسهم، فقد دفعت الأسعار معظم الناس بعيدا عن قدراتهم.

وكان محمد شريم، 60 عاما يملك مجزرة وسط بيروت ومنذ 40 عاما: "كان عملي جيدا وأكسب مليون أو مليوني ليرة، وكنت مشغولا ولا أتوقف طوال اليوم". واليوم يدفع شريم 200.000 ليرة في اليوم كي يظل محله مفتوحا "ومن كانوا يشترون اللحم بالكيلو لم يعد باستطاعتهم شراؤه ويشترون غرامات".

 

وكان كيلو اللحم يكلف 11 دولارا، أما اليوم فيصل سعره إلى 33 دولارا، حيث أجبر على زيادة أسعاره منذ كانون الأول/ أكتوبر. ويقول: "لو استمرت الأزمة الاقتصادية فمن يدري قد لا أستطيع فتح محلي غدا وأدفع من جيبي حتى يظل المحل مفتوحا، وإلا سأصاب بالكآبة لو قعدت في البيت". 


ومثل غيره الذين يعيشون على توفيرهم، فلا يعرف شريم إن كان قادرا على النجاة.

وفي الوقت الذي فرغت فيه المطاعم، امتدت الطوابير أمام المخابز، وسط انتشار أخبار أنها ستتوقف عن التوزيع للمتاجر والمحلات في ظل انهيار العملة. وقالت الصحيفة إن منظر الناس وهم يبحثون في القمامة وطوابير وأخرى للحصول على المساعدات بات منظرا مألوفا في المدينة، والتي كانت حتى وقت قريب ملعبا للمشاهير والأثرياء.

 

اقرأ أيضا: ممثل لبناني يأكل من القمامة.. ويوجه رسالة (فيديو)