قضايا وآراء

الفساد في مصر.. اتفاقيات حبر على ورق!!

1300x600
نشرت الجريدة الرسمية المصرية، في عددها الصادر الأحد الماضي، القرار الجمهوري رقم 204 لسنة 2017، بالموافقة على انضمام جمهورية مصر العربية إلى اتفاقية الاتحاد الأفريقي لمنع الفساد ومكافحته، والمعتمدة في مدينة مابوتو بتاريخ 11 تموز/ يوليو 2003، وعلى الإعلان والتحفظ بشأن الاتفاقية. وكان مجلس النواب قد وافق على هذا القرار بجلسته المنعقدة في 5 تموز/ يوليو 2017.

وتتمثل أهداف هذه الاتفاقية في خمسة أهداف، أولها: تشجيع وتعزيز قيام الدول الأطراف بإنشاء الآليات اللازمة في أفريقيا لمنع الفساد وضبطه والمعاقبة، والقضاء عليه وعلى الجرائم ذات الصلة في القطاعين العام والخاص. وثانيها: تعزيز وتسهيل وتنظيم التعاون فيما بين الدول الأطراف من أجل ضمان فعالية التدابير والإجراءات الخاصة بمنع الفساد والجرائم ذات الصلة في أفريقيا، وضبطها والمعاقبة والقضاء عليها. وثالثها: تنسيق ومواءمة السياسات والتشريعات بين الدول الأطراف لأغراض منع الفساد وضبطه والمعاقبة والقضاء عليه في القارة. ورابعها: تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية، عن طريق إزالة العقبات التي تحول دون التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك الحقوق المدنية والسياسية. وخامسها: توفير الظروف المناسبة لتعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الشئون العامة.

ولا شك أنها أهداف مرغوبة ومطلوبة، وتحقيقها يعد عنصرا فاعلا ومؤثرا في ظل ما أرسته هذه الاتفاقية من خمسة مبادئ يجب على الدول الموقعة عليها الالتزام بها، أولها: احترام المبادئ والمؤسسات الديمقراطية والمشاركة الشعبية وسيادة القانون والحكم الرشيد. وثانيها: احترام حقوق الإنسان والشعوب طبقا للميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والوثائق الأخرى ذات الصلة بشأن حقوق الانسان. وثالثها: الشفافية والمساءلة في إدارة الشئون العامة. ورابعها: تعزيز العدالة الاجتماعية من أجل كفالة تنمية اجتماعية واقتصادية متوازنة. وخامسها: إدانة ورفض أعمال الفساد والجرائم ذات الصلة، والإفلات من العقاب.

ومع ذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هل لهذه الاتفاقية مكانها في التطبيق العملي للنظام المصري؟! إن الواقع يكشف استحالة التطبيق في ظل غياب تلك الأهداف وهذه المبادئ في الواقع المصري، الذي يمثل مرتعا للفساد، بل وإدارته بصورة منظمة.

فالبيئة مغذية للفساد من خلال عسكرة البلاد سياسيا واقتصاديا وإعلاميا.. الخ، وهذه العسكرة أصبحت تبريرا لغياب الشفافية والإفصاح؛ باسم الأمن القومي والجيش خط أحمر، فاستولى الجيش على غالبية أراضي مصر بدون حساب، وتمت عسكرة المحافظين ومساعديهم بتعيين مستشار عسكري لكل محافظة وعدد كافٍ من المساعدين يختارهم وزير الدفاع، فضلا عن وجود لاعب وحيد في الاقتصاد هو الجيش، ومن يعمل من القطاع الخاص ليس سوى من المحظوظين الذي يعيشون في كنفه ورضاه، بل إن سيطرته على المشروعات الاقتصادية قوامها الأمر المباشر، وهذا فساد ليس بعده فساد.

كما بدا الفساد واضحا من خلال حظر الطعن من طرف ثالث على العقود التي تبرمها الحكومة مع أي طرف، والسماح بالتصالح مع الفاسدين برد ما تحصلوا عليه من كسب غير مشروع في أية صورة كان عليها؛ في مرحلة التحقيق، مع انقضاء الدعوى الجنائية والتدابير التحفظية الناشئة عن أمر المنع، فضلا عن جعل للنيابة والقضاة العسكريين وحدهم الحق في التحقيق في الكسب غير المشروع لضباط الجيش، حتى لو بدأ التحقيق بعد تقاعد الضابط وتحوله للحياة المدنية.

ثم هل يوجد إدارة للفساد المنظم في مصر أكثر من إنشاء رأس النظام في مصر "صندوق تحيا مصر" بصورة تفتقد للشفافية والمحاسبة؟! بل وتأسيسه صندوقا للثروة السيادية برأسمال 200 مليار جنيه، ومنح السيسي نفسه الحق المطلق في نقل ملكية أي من الأصول "غير المُستغلة"، المملوكة ملكية خاصة للدولة أو للصندوق أو لأي من الصناديق التي يؤسسها، وتحصين العقود التي يبرمها الصندوق ضد الطعون القضائية، ومنع الطعن عليها من أطراف ثالثة، وهو ما يفتح الباب لبيع أصول مصر دون رقابة أو حساب!

بل إن أبهى صور للفساد المنظم بدت من خلال القضاء على أي وسيلة لكشف الفساد، وعزل المستشار هشام جنينه، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، عند كشفه للفساد، بل وضربه في شارع عام من بلطجية عيانا بيانا ثم خرجوا من قضيتهم منذ أيام بدون حساب، في ظل قضاء فاقد للمصداقية، بينما المستشار الذي حارب الفساد ما زال حبيس جدران سجون النظام منذ نيسان/ أبريل 2018 بحكم ظالم بخمس سنوات.

twitter.com/drdawaba