قضايا وآراء

عراقيّو الخارج وسياسة "التغليس والتضييع"!

1300x600

الإنسان بطبعه يبحث عن المكان الآمن الذي يطمئن فيه على حياته وصحّته ومستقبله، ولهذا نجد أنّ ملايين الناس يتنقّلون بمحض إرادتهم للعيش في بلدان أخرى، أو حتّى في مدن ثانية داخل البلد الواحد بحثاً عن الأمان والعمل!

ونتيجة لفوضى السلاح والمليشيات التي عمّت العراق بعد العام 2003، وبالتحديد بعد منتصف العام 2005، اضطرّت مئات آلاف العوائل العراقيّة للهجرة الإجباريّة الداخليّة والخارجيّة!

ويمكن تقسيم العوائل العراقيّة في الخارج بحسب أوضاعهم المعاشيّة والحياتيّة على النحو الآتي:

- عوائل التجّار والسياسيّين وشيوخ بعض العشائر، وهذه أوضاعها بفضل الله جيّدة، ومنها من تساعد المحتاجين من العراقيّين.

عوائل اختارت اللجوء في أمريكا، أو أوروبا، وقد رتّبت أوضاعها المعيشيّة والتعليميّة والصحّيّة لها ولأولادها، لأنّ تلك الدول تدفع لهم في الغالب ما يكفيهم ويسد غالبيّة احتياجاتهم!

عوائل بقيت في دول الجوار (الأردن، سوريا، تركيا، مصر، والعديد من الدول العربيّة القريبة والبعيدة)، وبعضها لديها رواتب تقاعديّة غالبها العامّ غير كاف لمعيشتها وتعليم أولادها وتأمين العلاج، لكنّ غالبيّتها في مستوى معاشيّ وتعليميّ متوسّط، أو ربّما ضعيف!

عوائل بقيت في حالة تيه، فهمي ليست من اللاجئين، ولا من المتقاعدين، ولا هي من الذين رتّبوا أوضاعهم الحياتيّة في الدول المتواجدين فيها. وهذه في الغالب العامّ سُحقت من حيث مستوى المعيشة والصحّة والتعليم، وهي المقصودة بهذا المقال!

غالبيّة أولياء أمور هذه العوائل فقدوا وظائفهم وأعمالهم في العراق بسبب هجرتهم الاضطراريّة، نتيجة التهديدات، أو الخوف من الاغتيالات، أو الاعتقالات التعسّفيّة، أو عموم صور الترهيب المستمرّ في بلاد سُحقت فيها هيبة الدولة والقانون والأمان، وبالنتيجة فهؤلاء لا يمكنهم العودة إلى العراق!

وهذه الفئة المسحوقة من عراقيّي الخارج لم يجدوا من ينصفهم لا من السياسيّين، ولا من الحقوقيّين، ولا حتّى من السفارات، أو القنصليات العراقيّة في الدول المتواجدين فيها، بل، وربّما، يمكن القول إنّ حكومات بغداد المتعاقبة كأنّها تخلّصت من مسؤوليّة هؤلاء بعد خروجهم من البلاد، ولهذا رأينا تغليساً حكوميّاً وبرلمانيّاً عن معاناتهم، وكذلك تعقيدات إداريّة من المنظّمات الدوليّة في الدول التي يتواجدون فيها، في حال طلبهم للمساعدات الماليّة والغذائيّة والصحّيّة!

وحينما بحثت في الدستور العراقيّ وموقع وزارة الخارجيّة ولجنتي العلاقات الخارجيّة وحقوق الإنسان البرلمانيّتين، لم أجد أيّ فقرة قانونيّة تتعلّق بعراقيّي الخارج، ولهذا عُدت ثانية للدستور لعلّي أجد ما يسعفني من الفقرات العامّة لدعم الجانب القانونيّ في هذا الموضوع الحيويّ والحسّاس، ولبيان الخلل الحكوميّ في التعامل مع عراقيّي الخارج، وبالذات بخصوص الفئة الرابعة المهمّشة والمغيّبة.

جاء في المادّة (15) من الدستور: "لكلّ فردٍ الحقّ في الحياة والأمن والحرّيّة". بينما أوضحت المادّة (16) أنّ "تكافؤ الفرص حقٌ مكفولٌ لجميع العراقيّين، وتكفل الدولة اتّخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك"!

ومن هنا نقول إنّ من ضمن حقوق العراقيّين في الخارج، وفقاً لمبادئ حقّ الحياة الأمن و"تكافؤ الفرص"، أن تنتبه الحكومة إلى أوضاعهم الحياتيّة والمعاشيّة والقانونيّة والاجتماعيّة!

وهنا يمكن للحكومة، ولجان حقوق الإنسان والعلاقات الخارجيّة والعمل البرلمانيّة، مساعدتهم عبر الخطوات الآتية:

جرد أعداد العراقيّين في الخارج، وبالذات في دول الجوار، لأنّه لا توجد إحصائيات رسميّة بهذا الخصوص، وهذا خلل يجب تداركه.

ترتيب أوضاعهم القانونيّة، واحتساب مدّة التهجير للموظّفين منهم لأغراض التقاعد، ويتمّ تسهيل إحالتهم على التقاعد.

دفع مصاريف التعليم الأوّليّ والجامعيّ لأولادهم، وترتيب التأمين الصحّيّ لهم ولعوائلهم.

التنسيق مع دول الجوار بخصوص ترتيب، أو تصويب أوضاعهم القانونيّة وتسهيل حصولهم على الإقامات السنويّة.

النقل المجّانيّ للراغبين منهم بالعودة الطوعية للعراق، ومساندتهم ماليّاً لترتيب أوضاعهم المعاشيّة خلال فترة عودتهم، على أن تدفع لهم مباشرة لحظة وصولهم للعراق!

جعل خدمات السفارات والقنصليّات مجّاناً، وعدم النظر بأنّها مورد من موارد الخزينة الرسميّة.

فتح خطوط طوارئ على مدار الساعة في السفارات والقنصليّات لمساعدة المواطنين في الحالات الطارئة، ومحاسبة أيّ موظّف يقصر في هذا الجانب الإنسانيّ والوطنيّ.

لا تتجاهلوا العراقيّين في الخارج فهم جزء حيويّ من طاقات الوطن، وهم مواطنون وقع عليهم حيف كبير، ويجب أن تسعى الحكومة لإنصافهم، وإلا فسيكون مصيرهم الضياع أكثر من ضياعهم الحاليّ في دروب الغربة والتهجير والفاقة!

 

twitter.com/dr_jasemj67