صحافة دولية

ذي أتلانتك: بهذه الطريقة تفوقت الصين على إدارة ترامب

شنغهاي الصين- CC0

قالت مجلة "ذي أتلانتك" إن الصين تقوم بإعادة كتابة قواعد النظام العالمي الجديد، بينما تنشغل أمريكا بأمور أخرى، والبحث عن كبش فداء في جائحة فيروس كورونا.

وأشارت المجلة، في تقرير ترجمته "عربي21"، إلى أنه عندما دعا الرئيس دونالد ترامب في أيار/ مايو إلى وقف تمويل منظمة الصحة العالمية؛ بسبب قائمة من الأخطاء التي ارتكبتها المنظمة، لم يفعل ذلك؛ لأنه ينوي تحسين أهم منظمة عالمية تعتني بالصحة العام. وإنما كانت النية لبدء سحب التمويل والعاملين من المنظمة لمجرد سياسة انتخابية. فعندما فشل بالتصرف بناء على التحذيرات القادمة من المنظمة كان ترامب بحاجة إلى كبش فداء، ومن أفضل من منظمة غير مألوفة اسمها يشبه الضمير؟

وأضافت: "لكن بالرغم من أن ما تقوم به منظمة الصحة العالمية لا يهم ترامب، إلا أن إنجازاتها حقيقية. فعدا عن دورها في الجائحة، توفر المنظمة التبادل العلمي، وتجمع وتوزع نتائج الأبحاث الدولية، وتوفر الدواء واللقاحات والاستشارات الصحية للدول النامية، وضرورية بشكل خاص للدول التي لا تملك صناعة أدوية. وحققت نجاحات حقيقية -وربما يكون أكثر الأمثلة على هذا شهرة هو الدور الذي لعبته في القضاء على الجدري- ولها أثر وأهمية كبيرة. وسحب التمويل منها سيضر بإمكانياتها لمساعدة البلدان على التعامل مع فايروس كورونا ومكافحة العديد من الأمراض".

كما أن انسحاب أمريكا من منظمة الصحة العالمية سيكون له أثر آخر: وهو أن تأثير الصين سيتنامى، وستخسر أمريكا معركة أخرى في حرب أيديولوجية كثير منا لا يعرف أننا نخوضها؛ فعلى مدى عقد بينما نحن منشغلون بأمور أخرى، جعلت الصين إعادة كتابة القواعد الدولية بالتدريج -كل أنواع القواعد وفي عدة حقول بما فيه التجارة والسياسة- أحد عماد سياستها الخارجية الرئيسية.

وخلال مؤتمر الحزب الشيوعي عام 2017، أعلن الرئيس الصيني شي جين بنغ بصراحة أن هذا الزمان هو "زمان جديد.. لدبلوماسية الدول العظمى بميزات صينية". وفي هذا الزمن الجديد، تسعى الصين "للعب دور فعال في قيادة الإصلاحات لنظام الحكم العالمي". أي أن هذه محاولة لإعادة كتابة لغة تشغيل النظام الدولي لتستفيد من الدكتاتوريات بدل الديمقراطيات.

وقد تخلى جزء من مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية عن لغة الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وقال المجلة إنه في هذا الجهد يجد شي مساعدة من غيره من الدكتاتوريين، وبالذات من روسيا وإيران وبعض الدول الأفريقية والشرق أوسطية ودول وسط آسيا، ومنذ عام 2017 حصل على مساعدة من إدارة ترامب أيضا، وإن كانت "مساعدة الصين" لا يصف بالطبع ما يعتقد الأعضاء الرئيسيون في الإدارة أنهم يفعلون. فقد كانت السفيرة السابقة للأمم المتحدة نيكي هيلي ووزير الخارجية مايك بومبيو وغيرهم منتقدين لتصرفات الصين في الأمم المتحدة وغيرها.

وشددت على أن إعلان ترامب الانسحاب من منظمة الصحة العالمية يشبه استثارة غضب في ملعب موجهة ضد الصين: "أنتم تغشون، ولذلك سنأخذ كرتنا ونذهب". ولكن هذا الانسحاب ستكون له النتيجة ذاتها على المسرح الدولي كما هو في الملعب. فسوف تستمر اللعبة، ولكن بلاعبين مختلفين.

 

اضافة اعلان كورونا
وككل الحركات الثورية، جاء هجوم الصين على نظام الأمم المتحدة بمهاجمة اللغة التي تستخدمها، فمنذ إنشاء الأمم المتحدة، قام فريق دولي متنوع من المحامين والفلاسفة بقيادة زوجة الرئيس الأمريكي حينها، الينور روزفيلت، بوضع الإعلان العالمي عن حقوق الإنسان. ولكن عندما جاء وقت التصويت على الإعلان عام 1948 امتنعت السعودية من التصويت على الإعلان؛ لأنه يدعم حق كل فرد في "أن يغير دينه وعقيدته". ورفض الاتحاد السوفييتي وحلفاؤه، بالإضافة إلى جنوب أفريقيا، التصويت على إعلان يبدأ بجملة "كل البشر ولدوا أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق".

وكانت تلك البداية فقط، فخلال الحرب الباردة كلها كانت الدول الشيوعية وحلفاؤها من الدول النامية تسعى دائما لاستبدال الإشارة إلى الحقوق المدنية والسياسية بتعبير "الحقوق الاقتصادية" الأفضل؛ حتى لا تتهم بالقمع السياسي. وضعفت حججهم مع افتقار الدول الشيوعية وازدهار الدول الديمقراطية. ومع ذلك كانت الأمم المتحدة مكان مواجهات أيديولوجية مشهورة؛ فالكثير يتذكر كيف قام الزعيم الروسي نيكيتا خورشوف بضرب نعله على الطاولة خلال اجتماع الجمعية العمومية. ولكن القليل من يتذكر لماذا: لقد كان يحتج على مندوب فلبيني أعرب عن تعاطفه مع "شعوب أوروبا الشرقية وغيرها ممن حرموا حرية ممارسة حقوقهم المدنية والسياسية".

وخف الصراع الأيديولوجي في تسعينيات القرن الماضي بعد انتهاء الحرب الباردة واختفاء الاتحاد السوفييتي. ولفترة قصيرة بدا أنه يمكن لنظام الأمم المتحدة، بالرغم من قدمه، أن يصبح مصدرا للاستقرار الدولي. ولكن وعلى مدى العقد الأخير شنت الصين معركة أيديولوجية في مؤسسات المنظمة. فكما فعل السوفييت سابقا تحتج الصين بأن "الحقوق الاقتصادية" أهم من الحقوق المدنية والسياسية. وكإثبات لهذا يقدمون تجربة صعودهم الاقتصادي، وإن كان في ذلك ليّ للرواية؛ لأن النمو الاقتصادي لم يبدأ إلا عندما أصبح نظامها أكثر انفتاحا وأكثر حرية. ومع ذلك فإن الصين تسوق لفكرة أن الدكتاتورية تولد النمو الاقتصادي أسرع من الديمقراطية. "إجماع بيجين" مقابل إجماع واشنطن.

كما تسعى الصين لتغيير اللغة بشكل آخر أيضا، فبدلا من الحديث عن "الحقوق السياسية" و"حقوق الإنسان" تسعى الصين لأن تتحدث منظمات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات عن "التعاون الذي يربح كل الأطراف"، بمعنى أن الجميع سيستفيد إن احتفظ كل بلد بنظامه السياسي، ويريدون من الجميع استخدام عبارة "الاحترام المتبادل"، أي أنه يجب ألا ينتقد أحد أحدا آخر.

وهناك تعمد لجعل هذه اللغة عادية ولطيفة، فمن يعارض مثلا فكرة "التعاون الذي يربح كل الأطراف" أو "الاحترام المتبادل"؟ لكن الصينيين يعملون بجد لإدخال هذه اللغة إلى وثائق الأمم المتحدة، خاصة ما يتعلق منها بحقوق الإنسان، وذلك سعيا منهم في التخفيف من أي شكل من أشكال المساءلة من أي جهة لهم أو لأي نظام دكتاتوري، ولإضعاف منظمات حقوق الإنسان المستقلة، ولمنع نقد السياسة الصينية في التبت وفي سنجان، حيث يعيش معظم المسلمون الإيغوريون، ولتقويض إمكانية الإمكانية المحدودة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من التحقيق في تصرفات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

 

وبحسب الأكاديمية المختصة بالقانون والخبيرة بالصين، اندريا ووردين، فإن الصين تحاول أن تحول مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى "هيكل فارغ من القيم العالمية... مؤسسة لا مكان فيها للأشخاص ولا لمنظمات المجتمع المدني الذين يسعون لمحاسبة الحكومات لانتهاكها حقوق الإنسان".

وقالت المجلة، إنه عندما لا تستطيع الصين إيصال أحد مواطنيها للوظيفة، تسعى لأن يحصل عليها شخص مؤيد للصين أو متعاطف مع لغة احترام السيادة والتعاون الذي يكسب منه الجميع والاحترام المتبادل. وعندما كان أعضاء الأمم المتحدة يختارون مديرا عاما لمنظمة الصحة العالمية، قام تيدروس آذانوم غيبريسوس، وزير الصحة والخارجية السابق في إثيوبيا، بزيارة للصين قبل الانتخابات، كما فعل ذلك منافس رئيسي له على الوظيفة. ورأت الصين أن تيدروس أكثر دعما لسياسة "صين واحدة"، وفي اليوم التالي بعد انتخابه، قال للحكومة الصينية إن منظمة الصحة العالمية ستستمر في دعم تلك السياسة، يعني موافقته على استثناء تايوان من المنظمة.

وإن انسحبت أمريكا من منظمة الصحة العالمية، فإنها ستخسر معركة أيديولوجية أخرى لا يعلم معظم الأمريكان أنها مشتعلة.

كما تحاول الصين إدخال لغة الحزام والطريق إلى وثائق الأمم المتحدة، وتسعى إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة أن تتماشى مشاريعها مع مشروع الحزام والطريق مثلا، فمدير الإدارة الحالي ليو زينمين كان نائب وزير الخارجية الصينين، ويتحدث في الأمم المتحدة عن الحزام والطريق، وعن أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وكأنهما نفس الشيء.

ورأت المجلة أن أيا من هذه العناصر وحده قد لا يعني الكثير، ولكن عندما تجتمع الأدوات الأيديولوجية والبيروقراطية والمالية يمكن لها أن تشكل قوة عظيمة.