سياسة دولية

كيف كسب ترامب أصوات اللاتينيين رغم تشدده بسياسة الهجرة؟

يتأخر ترامب بالانتخابات أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن- جيتي

على عكس ما توقعه الكثيرون، توسعت قاعدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشعبية من الأمريكيين من أصول لاتينية في الولايات الكبرى خلال الانتخابات الحالية، وكان لهم فضل كبير في فوزه بولايتي فلوريدا وتكساس، فيما لم يستطع الحزب الديمقراطي اللعب على وتر تشديدات ترامب في ملف الهجرة وكسب أصواتهم.

وكان من الواضح محاولة ترامب تعزيز مكانته هذا العام بين الناخبين من أصول إسبانية، على عكس ما حدث في عام 2016، حيث جعلهم محور تركيز حملته لعام 2020.

وفي غضون الأسابيع الأولى من تنصيبه، بدأ ترامب بتقديم عروض للأمريكيين الكوبيين في ميامي، بدأها بالتراجع عن تطبيع الرئيس السابق باراك أوباما للعلاقات مع الحكومة الشيوعية في كوبا، ومطلقا تحذيرات من قدوم شبح الاشتراكية إلى الولايات المتحدة.

ووفقا لاستطلاعات الرأي، فقد نجحت الاستراتيجية، وعزز ترامب جزءا كبيرا من الأصوات الكوبية الأمريكية، حيث إنه لم يفز بأصوات كبار السن والمتحفظين فقط، بل أيضا حصد أصوات الوافدين الجدد الذين كانوا يميلون إلى أوباما في عام 2012.

وقال كيفين مارتينيز، عامل نقل يبلغ من العمر 25 عاما جاء إلى الولايات المتحدة من كوبا قبل ثماني سنوات: "أنا أحب ترامب، وسأصوت له في كل مرة، أتمنى أن يبقى رئيسا لثماني سنوات أخرى"، بحسب ما ذكر موقع "Tampabay".

وحقق ترامب نجاحات أيضا مع الناخبين اللاتينيين الذين ينحدرون من أجزاء أخرى من أمريكا اللاتينية، بما في ذلك فنزويلا وكولومبيا، حيث كان يناضل باستمرار ضد شبح الاشتراكية.

ولم يتفاجأ الجمهوريون بأداء ترامب غير المتوقع في منطقة "ميامي داد"، لقد توقعوا ذلك لأشهر. إلا أن الديمقراطيين أصيبوا بالدهشة، حيث حصل ترامب على أرقام لم يرها في المقاطعة أي مرشح رئاسي جمهوري سابق منذ عام 2004.

وقال خوسيه دانتي بارا، المستشار الديمقراطي المقيم في ميامي، إن "رسائل الجمهوريين عن الاشتراكية ألحقت الضرر ببايدن، كما أن قرار الحزب بالعودة إلى الجولات الميدانية بعد تفشي جائحة فيروس كورونا كان متأخرا".

وأضاف بارا: "حتى مع تأخر الديمقراطيين في المشاركة في الحملة الانتخابية، ما زلت مندهشا من الأرقام.. إنه درس قاس، ومع أن لغة الاشتراكية لم تكن جديدة علينا، إلا أننا تصرفنا وكأنها المرة الأولى التي نسمع فيها عن هذه الاستراتيجية".

ترامب واصل حملته الانتخابية في ميامي حتى اللحظة الأخيرة، ساعيا لكسب أكبر عدد ممكن من الناخبين من أصول إسبانية.

وقال جيسون ميلر المستشار السياسي لترامب للصحفيين: "ما نراه مع الجالية الكوبية الأمريكية، والجالية الكولومبية الأمريكية، والجالية الفنزويلية الأمريكية من جنوب فلوريدا، أمر مذهل، هناك الكثير من الطاقة".

استراتيجية ترامب للفوز في فلوريدا كانت غير تقليدية ومحطمة للمعايير؛ حيث قام في الأسابيع الثلاثة الأخيرة بالتصرف كما لو أن جائحة فيروس كورونا هي مجرد مصدر إزعاج، حين قام بجمع الآلاف في مسيرات في سانفورد وأوكالا وبينساكولا و"ميامي داد"، واتخذ خطوة غير عادية بالانسحاب من مناظرة رئاسية، ورفض حضور حدث افتراضي كان من المفترض أن يقام في ميامي.

وفاز ترامب بولاية فلوريدا، على الرغم من إنفاق بايدن وحلفائه الملايين فيها. بمساعدة الملياردير مايكل بلومبيرغ، أنفق الديمقراطيون حوالي 100 مليون دولار على إعلانات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي. كانوا يحاولون الإطاحة بترامب، معتقدين  أن خسارة فلوريدا ستجعل فوز ترامب شبه مستحيل. بعد ظهور النتائج كان عليهم أن يكتفوا بالهدف البديل: الأمل في تبديد حملة ترامب الكثير من الجهود والأموال على فلوريدا، حتى يخسر ولايات أخرى على الخريطة.


وعلى عكس ترامب، كانت حملة بايدن تتسم بالتباعد الاجتماعي، وفضلت التجمعات الداخلية الصغيرة أو التجمعات في الهواء الطلق، وكانت بعيدة كل البعد عن تجمعات ترامب الضخمة والصاخبة التي تشبه المهرجانات. كما أن حملت بايدن ركزت أيضا على رسالة توحيد البلاد.

ومع أن استطلاعات الرأي كانت واعدة إلى حد ما بالنسبة لبايدن قبل الانتخابات، ولكن ما كان يخشاه الديمقراطيون حدث ليلة الانتخابات، حين انقلبت مقاطعة ستار التي يشكل أغلبية سكانها اللاتينيون 96% من كلينتون 60+ إلى بايدن 5+.

وعلى الصعيد الوطني، حصل ترامب على نسبة أعلى من الدعم من الناخبين غير البيض مقارنة بعام 2016، وفقا لاستطلاعات الرأي، كما ارتفع الدعم لترامب هذا العام بـ3 نقاط بين جميع اللاتينيين، و15 نقطة بين كبار السن، و11 نقطة بين الناخبين السود الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و 44 عاما.

وتأتي القفزة بين اللاتينيين على الرغم من موقف ترامب المتشدد بشأن الهجرة، ومعاملة إدارته لطالبي اللجوء، وهي سمة مميزة لرئاسته.

وقال خوسيه كويفاس، صاحب شركة تصنيع: " بعد أن سلبنا الشيوعيون كل شيء، تبنتنا الولايات المتحدة، جئنا هنا من أجل الفرص لا الصدقات. أعتقد أن عقلية الرفاهية التي يبيعها الديمقراطيون تتعارض تماما مع الكوبيين".

ومع أن بايدن، الذي يطلق على نفسه بأنه رأسمالي، وعد بسياسات أكثر اعتدالا. إلا أن سيرجو جارسيا ريوس، أستاذ الدراسات الحكومية واللاتينية في جامعة كورنيل، قال: "جهود ترامب لتصوير الديمقراطيين على أنهم اشتراكيون ربما هي التي حسمت فلوريدا"، "لقد حشد الكثير من الكوبيين الأمريكيين".

وقال رئيس الحزب الجمهوري في فلوريدا، جو جروترز، إن رسالة ترامب لاقت صدى لدى الكثير من الناخبين في جنوب فلوريدا. الناس يريدون الأمن والأمان، والحرية في مجتمعاتهم "لا يريدون العودة إلى الوراء، يريدون العيش في مجتمع رأسمالي، حيث تتاح الفرص لأي شخص للتقدم وصنع حياة جيدة لأنفسهم".

وفي تكساس، حقق بايدن هذا العام من أصوات ذوي الأصول الإسبانية 19 نقطة، وهذا أقل من هامش هيلاري كلينتون الذي بلغ 27 نقطة عام 2016. أما حصة ترامب من أصوات المقاطعة، فقفزت من 33% إلى 52%. كما أن الديمقراطيين خسروا عدة مقاطعات فاز بها باراك أوباما وكلينتون وبيتو أورورك في الانتخابات السابقة.

وقالت فيكتوريا دي فرانشيسكو سوتو، أستاذة سياسية من جامعة تكساس، إن أداء بايدن كان ضعيفا مع ذوي الأصول الإسبانية، لم يكن معروفا لديهم مثل هيلاري كلينتون، كما أن جائحة كورونا حدت من وصول حملته الانتخابية.

من ناحية أخرى، مضت حملة ترامب قدما في استراتيجيتها، على الرغم من أزمة الصحة العامة، وقد آتت ثمارها، كما تقول الصحفية إيما بلاتوف من صحيفة تريبيون.

وتضيف: "أنت بحاجة إلى تلك التعبئة الشعبية، والعمل على مستوى القاعدة، وهذا الشيء لم يحصل من جانب الديمقراطيين بسبب الوباء، فيما يمكن القول إن الحزب الجمهوري كان لديه على الأقل المزيد من العمل على مستوى القاعدة الشعبية؛ لأن لديه رؤية مختلفة للصحة العامة ".

وأضافت، بحسب موقع "VOX": "هذا يفسر لي ضعف أداء بايدن: لم يكن معروفا حقا، ومن ثم لم يكن لديه الوقت الكافي لفعلها". وفي الوقت نفسه ، أطلق ترامب مبادرة توعية لاتينية من أجل ملفه لعام 2020.

وكان بعض الاستراتيجيين الديمقراطيين يحذرون لأسابيع من أن الديمقراطيين كانوا يعانون في التواصل مع الناخبين من أصل لاتيني في أماكن مثل تكساس.

وقال الصحفي تشاك روشا إن الحزب الديمقراطي لم يكن يركز بشكل كاف على التصويت اللاتيني.

وأضاف: "إنها لعبة التواصل الخارجي التي تجعلني مستيقظا حاليا". "إنني أتتبع حاليا أكثر من نصف مليار دولار تم منحها إلى لجان العمل السياسي الخارجية لتعزيز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، وذهب أقل من 1 في المئة من كل هذه الأموال إلى لجان العمل السياسي اللاتينية الكبرى".